التوقيت الأميركي لمحاربة «داعش»

تصغير
تكبير
لم يبقَ معلّق في أي صحيفة أميركية محترمة في الاسبوع الماضي، إلا وانتقد سياسة أوباما الضعيفة تجاه «داعش»، ولا سيما رد فعله الباهت على هجمات باريس الأخيرة، التي وضعت أوروبا بكاملها في أجواء شبيهة بتلك التي سادت في الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر.

أقل الأوصاف التي نالها أوباما في هذا الأسبوع من الانتقادات هو أن رد فعله «لا يليق برئيس للولايات المتحدة»، لا سيما وأن الأميركيين أنفسهم يشعرون بقلق من تنامي قوة التنظيم، بحيث ان المرشحين للرئاسة من الجمهوريين والديموقراطيين، تباروا في تبني خطط للقضاء عليه، لتطبيقها في حال الفوز بالرئاسة.


انتشار الجيوش بمدرعاتها في شوارع المدن الأوروبية، بات مشهدا مألوفا، كما حالات الطوارئ التي لم تعرفها تلك المدن منذ زمن طويل، ناهيك بإغلاق بعضها إغلاقا تاما، مثلما حدث في بروكسيل، في ظل ارتباك أوروبي بيّن، سببه أن أمن القارة أصبح منذ الحرب العالمية الثانية مرتبطا بالأمن الأميركي، بحيث لا تستطيع أوروبا الرد على تهديد ذي طبيعة عالمية، من دون واشنطن. أما الشرق الأوسط فتحوّل إلى مسلخ كبير تذبح فيه الناس كما تذبح الخرفان، ثم يخرج عليك أوباما بتصريح يقول فيه إن «من غير المسموح انهيار الدولة السورية». وهل بقي شيء في الأصل من هذه الدولة حتى ينهار؟

أوباما إما أنه يريد لهذا الذي يحدث أن يستمر، هو وأجهزة مخابراته التي تتلاعب بالمعلومات عن سير الحملة ضد التنظيم، وتعطي التقديرات الخاطئة بأنه على طريق الاحتواء والزوال. وإما أنه لا يعيش على هذا الكوكب.

فهل يجوز لرئيس أقوى دولة في العالم، أن يتغنّى بهزيمته لتنظيم «القاعدة»، فيما الوريث الشرعي للتنظيم أي «داعش»، هو أقوى بمرات ومرات من التنظيم الأم، ويملك «دولة» شبه نفطية، وهو ما لم يتح شيء منه لـ «القاعدة» الذي كان وما زال مطاردا في كل أنحاء الأرض؟ هل يقدّر أوباما كم ستكبر قدرة «داعش» على التجنيد وتحصيل الأموال، وهي في الأصل كبيرة جدا، حين يشاهد ملايين اليائسين والمهمشين في أنحاء العالم ولا سيما في الدول الغربية التي تزداد حياة المسلمين فيها صعوبة، مشهدية هجماته التي تدمي الحواضر الأوروبية وتروع سكانها؟

لم تعد مشكلة الولايات المتحدة مع التنظيم تنحصر في «الذئاب المنفردة» الذين ينفذون عملياتهم من دون أوامر مباشرة من المركز. بعد باريس وإسقاط الطائرة الروسية وبيروت، لم يعد مجديا القول ان «داعش» لا يمثل تهديدا للولايات المتحدة. المواطن الأميركي العادي سبق إدارته ومخابراته في التخوف من هجمات محتملة للتنظيم، على الأراضي الأميركية، وهو ما هدد به التنظيم، الذي عوّدنا حتى الآن على أنه لا يتورّع عن القيام بأي عمل تتاح له الفرصة للقيام به، من دون إقامة أي اعتبار لردود الفعل.

قد يكون أوباما ما زال مقتنعا، بدفع من أجهزة مخابراته، ببعض «الفوائد» لـ «داعش»، منها أنه ينشر الفوضى والقتل في منطقة تهيمن عليها قوى تعتبرها واشنطن كلها معادية ويقاتل أعداء آخرين لها، ولا يمس أمن وسلامة إسرائيل. فلماذا الاستعجال في اقتلاعه؟ ألم يقل الجنرال مارتن ديمبسي وهو في منصبه رئيسا للأركان أن القتال بين أعداء الولايات المتحدة في سورية، هو مصلحة لنا؟

متى يأتي أوان القضاء على «داعش» بالتوقيت الأميركي؟ قد لا يكون من المتيسر الإجابة عن هذا السؤال. لكن اللعب في المساحة الفاصلة بين اتاحة بعض الوقت لمزيد من التشويه في صورة الإسلام والمسلمين وجعل حياتهم جحيماً، وبين اتخاذ القرار الأميركي بالتحرك الجدي ضد هذا النوع من التنظيمات قبل أن تصبح تهديداً داهماً لأميركا، أثبت خطورته منذ 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وحتى هجمات باريس، إذ أكدت الأحداث مرة بعد مرة أن المخابرات الغربية ليس فقط لا تستطيع توقّع أو رصد المخططات المباشرة لهذه الجماعات، بل أيضا لا تعرف كيفية نموها وتطورها وسرعة انتشارها والقوة التي يمكن ان تمتلكها، ومتى تفلت من أيدي الجميع تماماً.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي