عندما قررت روسيا التدخل عسكريا في سورية، هي لم تنس بالتأكيد حرب أفغانستان، لا من باب احتمال ان تمنى بهزيمة أخرى كتلك التي منيت بها في افغانستان، ولا من باب امكانية الانتقام لتلك الهزيمة التي قيل انها كانت بداية النهاية للامبراطورية السوفياتية، لا سيما وأن الكثير من «جهاديي» أفغانستان أو تلامذتهم أصبح في سورية اليوم.
لكن هناك سؤالا يطرح نفسه فور محاولة استعادة ذكرى تلك الهزيمة في معرض تحليل الحرب السورية: اين أميركا؟
هل تتفق مع الروس لتنتقم هي أيضا من «أفغانستانها» على هجمات 11 سبتمبر، أم تغريها هزيمة جديدة لهم، فترفع إبطها ليمرّر من يريد ان يمرّر ما يعادل صواريخ «ستينغر» في هذه الأيام، لتغيّر الموازين على أرض المعركة، كما فعلت تلك الصواريخ حين أقعدت المروحيات السوفياتية، وساهمت في نهاية المطاف بالهزيمة؟
ربما لو علمت أميركا ان الحال في أفغانستان سيؤول إلى ما آل إليه بعد هزيمة السوفيات، من انتصار «طالبان» على بقية المجاهدين وتحالفها مع تنظيم «القاعدة»، ومن ثم تنفيذ هجمات 11 سبتمبر، لكانت فكرت في طريقة أخرى لمحاربة المد الشيوعي. ربما كانت أوكلت إلى بعض علماء الاقتصاد الرد على النظريات الاقتصادية الماركسية، وإلى بعض علماء الفيزياء دحض النظريات المادية، أو على الأكثر عززت حصارها الاقتصادي الذي يرجّح أنه السبب الأول لسقوط الاتحاد السوفياتي.
المؤشرات تكاد تكون حاسمة بأن أميركا لن تعيد الكرة، فوسواسها من الإرهابيين بلغ حد أن برنامجا لتدريب المعارضة السورية رصد له 500 مليون دولار، لم ينتج حتى الآن سوى أقل من مئة مقاتل، بسبب الخوف من تسلل الإرهابيين إليه، أكثر مما هو بسبب إصرار المقاتلين على أولوية قتال النظام على محاربة التنظيمات المتطرفة. حتى انها ضغطت على العرب لمنع إمداد مقاتلي سورية بأنواع معينة من الأسلحة ولا سيما صواريخ مضادة للطائرات. وفي حالة واحدة معروفة على الأقل، طلبت وقف تقدم مقاتلي المعارضة من الجنوب السوري.
ثم ان الإرهاب انتشر كثيرا، منذ انهيار الأنظمة العربية التي كانت تقمعه، من بين ما تقمع، وأصبح في السنوات الخمس الأخيرة ظاهرة عالمية كبيرة جدا، قد يتعذر القضاء عليها، حتى على تحالف عالمي يضم الأميركيين والروس، أو تحالفين ينسقان مع بعضهما البعض. فجزء كبير من المعركة ضد الإرهاب، يجب أن يتركز على هزيمته في نفوس من يمارسونه ومن يؤيدونهم، وهم كثر، وهذا يتطلب وقتا طويلا.
السؤال الثاني هو أين إيران التي طرحت في بداية الحرب الأفغانية المتزامنة مع انتصار ثورتها، شعار «لا شرقية ولا غربية... جمهورية إسلامية»، وظلت على موقف حيادي حتى خروج السوفيات، رغم ابتعادها التدريجي عن المجاهدين الأفغان؟
اليوم إيران في قلب المعركة مع الروس ضد معارضي الأسد، بل على يمينهم. وربما كان استنزاف الكثير من مواردها وموارد «حزب الله» البشرية والمادية، من الأسباب الرئيسية للتدخل الروسي، استباقاً لهزيمة استراتيجية جديدة، أين منها أفغانستان، في حال سقوط الأسد.
والسؤال الثالث هو أين الدول العربية، ولا سيما الخليجية التي أيدت الجهاد الأفغاني، والتي على الأغلب لن تفعلها مرة أخرى، بعدما ذاقت الأمرين مما سمي بـ «الأفغان العرب»، ويمكن على أبعد تقدير، أن تزيد دعمها للمعارضة السورية المعتدلة؟
التدخل العسكري الروسي في سورية ليس تفصيلا. هو عامل تغيير استراتيجي كبير في منطقة تخضع تقليديا للنفوذ الأميركي، وقد يكون من أسبابه أو حججه عدم فاعلية الحرب الأميركية على «داعش». والأرجح ان النقاش الدائر حاليا بين الأميركيين والروس يتناول أساسا حجم هذا التدخل، ومدّته، وامكانية وضعه في سياق واحد مع الحرب الجوية التي تخوضها أميركا بالفعل ضد الجهاديين في سورية والعراق. فإذا نجح الأمر كان به. أما إذا لا فسيكون نزاع حوله.
هل حسبها بوتين «صح»؟ الأغلب أنه اختار وقتا حساسا لا تملك فيه أميركا الغارقة في حملة انتخابية رئاسية، والمائلة عموما إلى تخفيض انخراطها في الشرق الأوسط، إلا سلاحا واحدا ضعيفا للرد عليه هو...العقوبات.