ظاهرة الشهادات الوهمية هي مأساة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فارتفاع عدد حامليها ومنافسة قرنائهم حاملي الشهادات نفسها من الجامعات المعترف بها، ومزاحمتهم في الحصول على الوظائف، ونيلهم المميزات المالية والوظيفية الأخرى بعد حصولهم على الشهادات العليا، وكذلك توليهم لمناصب إشرافية وقيادية، كل ذلك لا يمت للدين والأمانة والأخلاق بأي صلة أو معنى !
شاهدنا سابقاً قضايا عدة متعلقة بمواطنين حصلوا على شهادات وهمية من دول لم نسمع عنها وعن تاريخها العلمي، لم يمضِ فيها هؤلاء سوى أيام معدودة، أيام قضوها من أجل سداد رسوم الدراسة، ومعها كذلك رسوم الحصول على الشهادة الوهمية!، بعض هذه الشهادات اُعترف بها عن عمد أو بسبب جهل، وبعضها الآخر رُفض من التعليم العالي، فقامت القيامة وقعدت، لأنهم ادعوا أنهم حصلوا عليها عن جهد وتعب. نعم، فهم فقط تحملوا عناء ومشقة السفر ومنها أصابهم الجهد والتعب!
ولكن السؤال لهؤلاء، هل يستوي مثلا من درس الهندسة لخمس سنوات، قضى فيها جل وقته في الدراسة والتعليم، مع من حصل عليها دون أن يحضر فصلاً واحداً؟، وهل يتساوى من حصل على شهادات الدكتوراه بعد بحث علمي دقيق، مع من حصل على الشهادة دون أن يكتب مقالاً علمياً واحداً؟، وهل يحق لي ولغيري أن نساوي بينها في العمل وفي المميزات والحقوق الوظيفية المختلفة؟
تابعت أخيراً الكاتب بدر خالد البحر، في سلسة من المقالات المنشورة في جريدة «القبس» حول حصول أحد مشايخ الدين على شهادة وهمية من إحدى الجامعات المشبوهة. لا أستطيع ان أجزم صحة ما ذكر في هذه المقالات، ولا عن دقة أدلة الكاتب العديدة حول هذا الموضوع، فأنا لست متخصصاً في هذه المجال. كل ما أثار استغرابي حقاً الدفاع المستميت من قبل البعض عن شيخ الدين المذكور، والذي أقدر علمه ومكانته وثقافته الإسلامية ودوره الكبير في نشر الدين وتعاليمه.
حجة هؤلاء فقط، أن ما لديه من علم يفوق قيمة الشهادة ومسمى (دكتور)، وأن الشيخ ليس بحاجة للشهادة المذكورة لإبراز نفسه، وأن من تتلمذ على يده أكثر ممن تتلمذوا على يد حملة شهادة الدكتوراه وغيرها من الردود. كل ذلك قد يكون صحيحاً، ولكن هل أجبتم عن صحة الشهادة من عدمها؟!، وهل تعلمون أنكم بذلك قد تكونون قد أسأتم لشخصه بدلاً من الدفاع عنه!
الطامة الكبرى، أن المعالجة لهذه القضية لا نجدها عند البعض تتوافق مع المصلحة العامة والوطنية وبما يتماشى مع حاجات البلد ومستقبله. بعضهم يقف مع حملة الشهادات الوهمية بحكم صلة القرابة أو النسب، وبعضهم الآخر لأنهم يمجدون شخوص حامليها من الناحية الدينية أو الطائفية أو القبلية، وهناك فئة ترى أنه لا بأس بذلك طالما لم يتأثروا وظيفياً بهذه الظاهرة.
كل ما أدعو إليه، أن يزن المواطن عقله قبل الحكم على هذه القضية، ويحكم ضميره قبل أن يُقدم على الحصول على هذه الشهادة الوهمية وأن يراعي مستقبل وطنه ومصير زملائه من حملة الشهادات. والله من وراء القصد!
Email:
[email protected]