لكل مثل أو قول أو عبرة هدف ومعنى، كما أن هذه الأقوال والأمثال يمكن أن تجير أو يتغير مفهومها باختلاف الزمان والمكان والظروف المحيطة.
كان العرب في السابق يدعون الناس إلى مآدب الطعام في أوقات الفقر، فيقول صاحب العزيمة (تفضل دسّم شاربك) لأن الدسم في ذلك الوقت نعمة، ولا تتوافر لدى الكل أنواع معينة من الطعام نظراً لما يعانيه الناس من شدة الفقر، حتى وصل الحال بأن عجز بعضهم عن توفير قوت يومه. أما الإشارة إلى الشارب، فهو لتدليل أنه من شدة الدسم، سيبتل الشارب بالكامل وهذه كناية عن شدة الدسم في الأكل.
أما (تدسيم الشارب) في زمننا المعاصر، فإنه مازال حاضراً وبقوة على الرغم من ارتفاع نسب الدخل لدى أغلب المواطنين، وتمتعهم بالخدمات التعليمية والصحية وبالمجان، بالإضافة إلى الخدمات الأخرى التي لا تعد وقلما نجدها في بقية الدول ولله الحمد.
(تدسيم الشارب) الذي نعيشه اليوم مختلف عن زمان أول ! فالملاحظ وبكل أسف انتشار ظاهرة الرشاوى بأنواعها المختلفة في سبيل تنفيذ المعاملات اليومية لدى الجهات الحكومية المختلفة، فأضحى لدينا (تدسيم شوارب) من أجل تخليص معاملات وبكل اختصار. ولا يقتصر ذلك على جنسية معينة أو جهة حكومية بذاتها أو فئة محددة ولا لأي تصنيف آخر. لا أعتقد أن أحداً لم يلحظ ذلك ولكننا جميعنا ملزمون أن نعيش ونتعايش مع هذا الوضع، وفي بعض الأحيان نساير ذلك حتى نحصل على حقوقنا المكفولة!
كارثة بكل معنى الكلمة، لن ندرك تماماً مدى خطورتها، إلى أن تتفشى (وهو باعتقادي مسألة وقت) وستؤدي إلى نتائج لم ولن تحمد عقباها. وإذا كنا نتحدث عن التنمية وبناء الوطن، فإننا سنكون وبكل أسف عاجزين على ذلك، خصوصاً إذا ما كان الأساس وبالعامية (مضروب).
ليس القصد أن أتجنى على أحد، ولكن دعونا نفكر ولو للحظة، ماذا لو طبق القانون على الجميع بلا استثناء؟ ماذا لو تساوى أصحاب المعاملات في تنفيذ إجراءات معاملاتهم؟ ماذا لو أخلص كل موظف في أداء عمله وعوقب إذا ما أخطأ؟ ماذا وماذا وماذا!
الشعور بالعدل والمساواة لا يعادله شعور آخر، كما أن الموظف إذا لم يعمل كشخص مؤتمن على أموال الدولة وحقوقها وهيبتها وأن يبتعد عن المنفعة الشخصية في أداء مهامه الوظيفية، فلن ينجز أو يحقق عُشر ما هو مطلوب منه!
استذكرت فيديو أرسل لي عبر «الواتساب»، قبل فترة ليست بالقليلة، يرد فيه الشيخ محمد بن راشد على سؤال وجه له عن انتشار الفساد ووجود مفسدين في الأجهزة الحكومية، فرد بكل بساطة بأنه لا مكان لأي فاسد لدينا، ومن يكشف أنه فاسد، فلن يكون بعدها معنا. أتمنى أن نكون نحن كذلك، فليس عيباً من أن نستفيد من محاسن ومساوئ غيرنا، والله من وراء القصد.
:
[email protected]