في حادثة تحمل دلالات عميقة، تعرّض سائح كويتي في دولة أوروبية لجرحٍ عميق في إصبعه أثناء حمله حقيبته، اضطر السائح للتوجه مباشرة إلى قسم الطوارئ في مستشفى هناك متوقعاً -كما اعتاد- أن العلاج الطارئ حق إنساني لا يُشترط له مال ولا وثائق. لكن المفاجأة كانت صادمة: 500 يورو هي التكلفة المسبقة التي طُلبت منه قبل خياطة الجرح، وعندما أبرز تأمينه الصحي الدولي، جاء الرد واضحاً: «ادفع الآن، ثم اطلب التعويض في بلدك».
لم يُنظر إلى النزيف كحالة تستوجب إنقاذاً عاجلاً، بل كخدمة مالية لها سعر محدد، يجب سداده قبل الدخول لغرفة العمليات، هذه التجربة، التي تتكرر مع كثير من السائحين، تكشف سلبيات عدة في بعض الأنظمة الصحية الأوروبية أهمها تقديم المال على حياة المريض فحتى في الطوارئ، يحوّل الألم إلى معاملة تجارية ويُضعف جانب الرحمة المفترض في القطاع الصحي.
إن السائح الذي قد لا يتوافر لديه هذا المبلغ في نهاية رحلته لن ينسى التجربة، يحملها معه كصورة ذهنية قاسية عن بلد لا يحترم الإنسان وهو يسمعهم يصيحون ليلاً نهاراً بحقوق الإنسان، تلك الحقوق التي يُهدرونها في أول تجربة إنسانية، إن التعامل المالي الصارم مع الزوار في أقسام الطوارئ يثير أسئلة حول توازن الخدمة الصحية بين الجودة والإنسانية.
على الجانب الآخر، تُظهر دول الخليج -وعلى رأسها الكويت- فلسفة صحية تقوم على مبدأ واضح: «الطوارئ تُعالج أولاً... وكل شيء آخر لاحقاً»، المريض لدينا عند دخوله الطوارئ لا يُسأل عن جنسيته ولا عن قدرته على الدفع. الأولوية لمعالجة النزيف أو الحالة الطارئة، وليس لملء الاستمارات المالية.
في الكويت تُدار أقسام الطوارئ بروح أخلاقية عالية ترى الصحة مسؤولية دولة وليست خدمة تُسعّر، هذه الممارسات الأخلاقية تعزز جاذبية المنطقة وتؤكد مكانتها كوجهة تحترم الإنسان قبل أي اعتبار آخر.
حادثة السائح الكويتي تكشف تبايناً واضحاً بين فلسفتين صحيتين:
• فلسفة أوروبية بيروقراطية ومرتبطة بالرسوم حتى في أبسط الطوارئ.
• وفلسفة خليجية، خصوصاً في الكويت، تقدّم المريض كإنسان أولاً، وتضع العلاج فوق الحسابات المالية.
أتمنى على المتحدث الرسمي باسم دولنا أن يُطالب الدول الأوروبية باحترام حقوق الإنسان، ففي هذا المثل وغيره كثير أدلة على ابتعاد أوروبا اليوم عن المعاملات الإنسانية، وعن احترام حقوق الإنسان، ربما تكفينا هذه المطالبات شرّ تلك التصريحات التي تأتينا منهم حول حقوق الإنسان لدينا، تلك الحقوق التي يفتشون عنها بعدسات مكبرة لدينا متناسين أنفسهم، جرح الإصبع الصغير كان كافياً ليُظهر لنا اتساع الفوارق بين نظامين... نظام يعالج عندما يحصل على المال بعيداً عن حقوق الإنسان، ونظام يعالج لأن الإنسان يستحق العلاج.