قيم ومبادئ

وصلتُ الخمسين وبشوف نفسي!

تصغير
تكبير

مقولة وصلتُ الخمسين وبشوف نفسي، طالما سمعتها في الدواوين المرموقة، خصوصاً من رجال الطبقة المخملية ينقلونها عن زوجاتهم. فتقول لزوجها (العيال ربيتهم وعلمتهم وزوجتهم واستقلوا كلاً في بيته وانتهت مسؤوليتي والحين بشوف نفسي) وسط استغراب الزوج لهذا الطلب وذهابه بعيداً في التفكير مع جمود عينيه وتشتت الأفكار حول المعنى والغاية من هذا الطلب وسببه؟

هذا ما تطلبه بعض الزوجات وبطبيعة الحال لا أعفي الأزواج في هذه المقاربة عن المسؤولية.

فهل هو تخلٍ عن الرسالة أو استنكار لضياع العمر أو رغبة في القفز للمجهول؟ فهل فعلاً ينتهي دور المرأة والرجل للبحث عن أدوار في الخارج، أم أنها مرحلة محطة عمرية لها أحكامها الخاصة؟

هذا التقلّب الحاد في المزاج، بسبب طبيعة النفس البشرية التي لا تثبت على حال... فهي كثيرة التقلّب والتلون في الساعة الواحدة فضلاً عن اليوم والشهر والعام والعُمر. فتجدها تارةً تذكر وتارةً تنسى وتُقبل وتُعرِض وتُنيب وتجفو وتحب وتبغض وتفرح وتحزن وترضى وتغضب وتطيع وتعصي وتتقي وتفجر إلى أضعاف ذلك من حالاتها وتلونها... وأشدها خطراً على الإنسان (النفس الأمّارة بالسوء) فإنها تأمر صاحبها بكل سوء وهذا من طبيعتها إلا من وفقها الله وثبتها وأعانها... وما تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق من الله وحده.

وهذا يجرنا إلى الحديث عن أنواع النفوس... والذي نعرفه أن النفوس الزكيّة العلوية تعشق صفات الكمال فأحب شيء إليها، العلم والعبادة والعفّة والجود والصبر والثبات وذلك لمناسبة هذه الأوصاف لجوهر النفس الطيبة المطمئنة... بخلاف النفوس الدنيئة فإنها بمعزل عن هذه الصفات.

وهناك نفس سَبَعية غضبية وهي تميل إلى القهر والغي والعلو في الأرض والتكبر على الحق وغمط الناس أي احتقارهم. ونفس رابعة حيوانية شهوانية في محبتها إلى الأكل والشرب واللهو واللعب والزهو والغفلة بالمظاهر... وهذا النوع من النفوس أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات.

ورسالتي لجميع الأزواج، أن نعلم أن الإنسان لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته لا يعرف التفاوت بين ما مُنع منه وبين ما ذُخِرَ له بل هو مولع دائماً بحب العاجل وإن كان دنيئاً وبقلِّة الرغبة في الآجل وإن كان علياً. «أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير»

وان نعلم أيضاً أن النفس البشرية، فيها كِبْر إبليس وحَسَد قابيل وجرأة نمرود واستطالة فرعون... وفيها حرص الغراب ورعونة الطاووس وحقد الجمل ووثوب الفهد وصولة الأسد ومكر الثعلب وخِفّة الفراش، غير أن الرياضة والمجاهدة تُذهب ذلك.

وفي القرآن الكريم إرشاد وتوضيح لهذه الفئة العمرية «فإذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب» إذا تفرغت من أشغالك ولم يبق في قلبك ما يعوقه فاجتهد في العبادة والدعاء وافتح باب الرحمن وأغلق بقية الأبواب، فإن ما هو آت عليك شديد وعصيب وأنت الآن في آخر محطة من محطات العمر (فمن أحسن في ما بقي غُفر له ما مضى ومن أساء في ما بقي أُخِذ بما مضى وبما بقي)... فهل وصلت الرسالة؟!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي