أرقام ومقارنات... إسرائيل ضربت غزة بما يُعادل ثماني قنابل هيروشيما
- قوة نارية تفوق مجموع حربي العراق وأفغانستان مجتمعتين
- الحرب على غزة رسالة لإنهاء الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين
أسقطت إسرائيل أكثر من 125 ألف طن من المتفجرات على غزة منذ بداية حربها. وقد تبدو الأرقام في حد ذاتها مجردة، ولكن عند مقارنتها بالتاريخ والحروب وحتى حجم الأسلحة النووية، (بعيداً عن الإشعاعات التي تولدها) تتضح الصورة أكثر: لقد تعرض القطاع لواحدة من أشد عمليات القصف في العصر الحديث، وهي حملة أعادت تشكيل المشهد الطبيعي وحدود المعاناة الإنسانية.
يُترجم الـ 125.000 طن من المتفجرات إلى 125 كيلوطن من مادة «تي إن تي» المكافئة. هذا هو المعيار القياسي المستخدم لمقارنة قوة المتفجرات. إنها كمية من القوة النارية نادراً ما أُطلقت على منطقة واحدة في التاريخ، وهي بالتأكيد غير مسبوقة في جيب صغير مكتظ بالسكان كغزة. إذ تبلغ مساحة القطاع 365 كيلومتراً مربعاً فقط، ومع ذلك فقد تعرض لمستويات من القصف تضاهي حروب منتصف القرن العشرين الشاملة.
هيروشيما وناغازاكي... مقارنات نووية
بلغت قوة القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما في أغسطس 1945 نحو 15 كيلوطن. تلتها ناغازاكي بعد ثلاثة أيام بقوة 21 كيلوطن تقريباً. وقد أسفر الهجومان معاً عن مقتل أكثر من 200 ألف شخص في غضون أسابيع، إما على الفور أو بسبب الإشعاع والإصابات.
وبناءً على ذلك، تعرض قطاع غزة لما يعادل ثماني قنابل هيروشيما، أو ست قنابل ناغازاكي، مضغوطة في أقل من عامين.
وعلى عكس الانفجارات النووية، لا تُنتج المتفجرات التقليدية تساقطاً إشعاعياً، لكن حجم الدمار من حيث الانفجار والقوة النارية والإبادة الحضرية متقارب في شكل كبير. بالنسبة إلى واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية على وجه الأرض - حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني - فإن التكلفة البشرية كارثية.
ولغاية اليوم، تدل الاحصاءات الصادرة عن هيئة الصحة الفلسطينية عن سقوط نحو 65.000 قتيل وأكثر من 215 ألف جريح.
مقارنة بالعراق وأفغانستان
عندما غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003، صُممت حملة «الصدمة والرعب» لإغراق بغداد بالقوة النارية. وعلى مدار حرب العراق بأكملها (2003 - 2011)، تشير التقديرات إلى أن القوات الأميركية وقوات التحالف أسقطت ما بين 14 ألفاً و20 ألف طن من الذخائر.
في أفغانستان، أسقطت الطائرات الأميركية 7423 قنبلة عام 2019 وحده - وهو العام الأعنف في تلك الحرب - أي ما يعادل تقريباً 20 ألف طن من المتفجرات.
بالمقارنة، استوعبت غزة أكثر من ستة أضعاف القوة النارية لحرب العراق بأكملها، وأكثر من ستة أضعاف ذروة القصف في أفغانستان، مضغوطةً في جزء صغير من الوقت وفي مساحة أصغر من معظم مدن العالم الكبرى.
سوابق تاريخية لقصف المدن
يستحضر حجم الدمار في غزة ذكريات تاريخية لمدن تحولت إلى أنقاض. ففي دريسدن (1945)، ألقت قاذفات الحلفاء نحو 3900 طن من المتفجرات، فأغرقت المدينة الألمانية بقنابل حارقة، مما أسفر عن مقتل ما يُقدر بـ 25 ألف شخص.
أما غزة، فقد استوعبت 32 ضعفاً من الدمار الذي لحق بدريسدن.
في حلب (2016)، دمرت الحملة الجوية السورية والروسية المدينة بقصف مكثف. وتشير التقديرات إلى استخدام عشرات الآلاف من الأطنان من المتفجرات على مدى أشهر.
أما غزة، فقد تجاوزت الآن هذا الرقم، حيث بلغت 125 ألف طن، في منطقة أصغر، مع تركيز أكبر.
في الموصل (2017)، سوّى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مناطق بأكملها بالأرض لهزيمة «داعش». ووصف مسؤولو الأمم المتحدة لاحقاً هذه العملية بأنها أعنف معركة حضرية منذ الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، حتى هناك، كان حجم المتفجرات أقل بكثير مما تتحمله غزة الآن.
التمركز في قطاع صغير
ما يجعل غزة فريدة ليس فقط من حيث القوة النارية، بل أيضاً من حيث التركيز الجغرافي والديموغرافي.
- المساحة: تبلغ مساحة غزة 365 كيلومتراً مربعاً فقط، أي أنها أصغر من ديترويت، وفيلادلفيا (الولايات المتحدة)، وفلورنسا (إيطاليا)، وبلباو (إسبانيا)، أو إربد (الأردن).
- الكثافة السكانية: يعيش أكثر من 6000 شخص في كل كيلومتر مربع، مما يجعلها واحدة من أكثر الأمكنة ازدحاماً على وجه الأرض. ومع نتائج الحرب الدائرة، اصبح وجود السكان في بقعة أقل بكثير بعد احتلال إسرائيل لاكثر من 40 في المئة من القطاع.
- نسبة المتفجرات: 125.000 طن على مساحة 365 كيلومتراً مربعاً، تعني 342 طناً من المتفجرات لكل كيلومتر مربع - أي ما يعادل زلزالاً في كل حي. إذا طُبقت النسبة عينها على الولايات المتحدة، فسيعني ذلك إسقاط أكثر من 34 مليون طن من المتفجرات في جميع أنحاء البلاد - وهو حجم دمار هائل.
- البُعد الإنساني: وهو يتجاوز الأرقام، إذ لا تسقط المتفجرات على أرض خالية بل تصيب المنازل والمدارس والمستشفيات والأسواق والمساجد وملاجئ الأمم المتحدة.
لقد تحولت البنية التحتية في غزة بالفعل إلى أنقاض: أكثر من 70 في المئة من المنازل مدمرة أو متضررة وآلاف المدنيين مدفونون تحت الأنقاض وقد انهارت أنظمة المياه والكهرباء والرعاية الصحية تحت وطأة الحصار والقصف.
إن استخدام هذه القوة النارية الساحقة لا يُغير ساحة المعركة فحسب، بل يُغير أيضاً إمكان بقاء المدنيين على قيد الحياة، وهذا هو هدف الحكومة الاسرائيلية النهائي. في هذا السياق، يبدو الموت رحيماً بالعديد من الفلسطينيين، العالقين بين الجوع والمرض والتشرد والقصف المتواصل.
المنطق العسكري الإسرائيلي
يُبرّر المسؤولون الإسرائيليون القصف بزعم استهداف البنية التحتية لـ«حماس» وأنفاقها ومواقعها المخبأة داخل المناطق المدنية. الهدف المعلن هو تدمير قدرة الحركة على المقاومة. إلا أن حجم الدمار يتجاوز بكثير الضرورة التكتيكية.
كما لاحظ المحللون، وُجِّهَ جزءٌ كبيرٌ من القوة النارية الإسرائيلية نحو الأبراج السكنية والأحياء وما يُسمى «الممرات الإنسانية» - وهي مناطق يُؤمر فيها المدنيون بالفرار. تُشير هذه الإجراءات إلى إستراتيجية تهجير من خلال التدمير، بدلاً من أهداف عسكرية محدودة.
أصبح هدم الأبراج الشاهقة، على وجه الخصوص، شكلاً من أشكال الحرب الاستعراضية. يُمنح السكان 15 دقيقة للفرار، وتشاهد أحياء بأكملها الأبراج وهي تنهار وتتحوّل إلى غبار.
حتى أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أعلن أن «أبواب الجحيم» تُفتَح على غزة - كما لو أن القطاع لم يعش بالفعل ما يقارب عامين من الجحيم.
الرسالة ذات شقين: للفلسطينيين، تُشير إلى هيمنة مطلقة واستحالة المقاومة؛ وللجمهور الدولي، تُبرز الردع - ستذهب إسرائيل إلى أبعد من أي دولة أخرى في نطاق الإبادة الحضرية.
الهدف الإستراتيجي... حرب بلا نهاية
بعيداً عن المنطق العسكري، يعكس الاستخدام المكثف للمتفجرات حسابات رئيس الوزراء نتنياهو السياسية.
- تجنب المساءلة: إذا انتهت الحرب بسرعة، سيواجه بنيامين نتنياهو انتخابات ومحاسبة على إخفاقاته في أكتوبر 2023، بما في ذلك عجزه عن إعادة الرهائن إلى ديارهم، لذا فإحياء. الحرب التي لا نهاية لها تحميه من هذا المصير.
- ترسيخ السلطة: يسمح الصراع المطول لنتنياهو بالحكم في حالة طوارئ دائمة، مما يُجمّد السياسة الداخلية ويُؤجّل تسويات ما بعد الحرب. وهكذا، فإن 125 ألف طن من المتفجرات ليست مجرد أدوات عسكرية، بل هي أدوات للبقاء السياسي.
لقد زاد قصف إسرائيل من عزلتها. إذ يُعرب الحلفاء الأوروبيون عن قلقهم، ويُدين العالم العربي الحملة، وحتى في واشنطن، التي كانت في السابق أكثر ساحاتها أماناً، بدأ صبر الكونغرس ينفد.
ومع ذلك، فقد كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مراراً وتكراراً أن «القرار يعود لإسرائيل»، مانحاً نتنياهو الضوء الأخضر للاستمرار. بل تشير التقارير إلى أن إدارة ترامب درست إدارة غزة مباشرة بعد الحرب، مُرسِّخةً بذلك أهداف إسرائيل من خلال القوة الأميركية. في هذا السياق، لا يُغفَل عن القوة النارية الإسرائيلية فحسب، بل يُشرِّعها ضمنياً حليفها الأقوى.
... ثمن 125 ألف طن
ماذا يعني 125 ألف طن من المتفجرات؟ هذا يعني أن غزة تحملت ما يعادل ثماني قنابل هيروشيما، لم تُلقَ على قواعد عسكرية، بل على واحدة من أكثر المناطق المدنية كثافة سكانية في العالم.
هذا يعني قوة نارية تفوق مجموع حربي العراق وأفغانستان مجتمعتين، مضغوطة في أقل من عامين. هذا يعني أن دريسدن تضاعفت، وحلب، والموصل تفوقتا. الأهم من ذلك كله، أنها تعني سياسة تدمير متعمدة: هدم غزة، وإجبار أهلها على النزوح، وإعادة رسم الخريطة بمحو إمكان الحياة الطبيعية. الدرس واضح.
الحرب على غزة ليست مصممة للانتهاء، بل للاستمرار، بقوة النيران كوسيلة ورسالة لإنهاء الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين.