فضل شاكر... «مجرم»
هناك أصوات تأتي وتذهب وأغانٍ تتسلل إلى مسامعنا ثم تتلاشى مع الوقت، لكنّ هناك أصواتاً تُدان أمام جمهورها لأنها ببساطة «مجرمة» في قدرتها على اقتحام الوجدان بلا استئذان... هذا ما فعله فضل شاكر بأغنيته الأخيرة «صحاك الشوق»، التي طرحها قبل أيام لتتجاوز خلال ستة أيام فقط حاجز الـ19 مليون مشاهدة، وكأن الناس كانوا في حالة عطش وانتظار لصوت يعيدهم إلى زمن افتقدوه.
فضل شاكر قدّم درساً كاملاً بعنوان «كيف تُغنّى المشاعر»، أخذ الأغنية من جمل بسيطة في ظاهرها إلى عوالم عميقة في باطنها، ليجعل المستمع يعيش كل تفصيلة وكأنه شريك في الحكاية، إحساسه ذلك الذي يحيي القلب ويقتله في آنٍ واحد.
الكلمات التي كتبتها ولحنتها جمانة جمال بدت وكأنها كُتبت خصيصاً ليغنيها فضل، فيها من العذوبة ما يُغري الأذن، ومن الصدق ما يُرغم القلب على الحب من جديد، الألحان لم تتعال على الكلمات، وهنا تظهر الحرفية عندما تخدم النص والعكس صحيح.
أما التوزيع الموسيقي الذي تولاه حسام صعبي، فجاء كأنه قماش أبيض ناصع، يتيح لصوت فضل أن يرسم عليه كل ما يريد، فالبساطة هنا لم تكن فقراً كما يراها البعض، بل ذكاء لأنه اختار أن يترك المساحة الحقيقية للصوت، فلم يكدس الآلات، ولم يضع إيقاعات متنافرة، بقدر ما كانت جملة موسيقية أنيقة تؤكد أن الإبداع أحياناً يُصنع من القليل المدروس وليس الكثير المبعثر، لذلك تبدو الأغنية للسامع وكأنها وُلدت هكذا، بينما في حقيقتها هي بناء موسيقي محكم يخفي وراء عفويته دقة وصعوبة.
نتفق أم نختلف... فضل شاكر فنان لعبته الأساسية الغناء، سواء ركّب صوته فوق الأرض أو تحت الأرض، في النور أو في العتمة، صوته لم يعرف القيود يوماً، وقدره أن يكون صوتاً لا يُمحى مهما كانت الظروف.
نهاية المطاف: العمل الفني حين يولد من عمق المشاعر... يصبح أبسط الطرق للوصول إلى أعقد القلوب.