مشروع قانون «الحشد الشعبي»... صراع على هوية بلاد الرافدين وسيادتها
العراق أمام ثلاثة سيناريوهات... قاسية
- العراق يجد نفسه مجدداً في قلب صراع إستراتيجي
- تشريع السيادة والمخاطرة بالعقوبات أو التراجع والحفاظ على الاستقرار الهش
يجد العراق نفسه مجدداً في قلب صراع إستراتيجي. فقد أشعل مشروع قانون لمأسسة قوات «الحشد الشعبي» جدلاً حاداً في بغداد، وأثار قلقاً في واشنطن ولندن، حيث حذّر المسؤولون من أن إقراره سيتجاوز الخطوط الحمر.
وقد هددت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالفعل بفرض عقوبات، ليس فقط على العراق كدولة، بل أيضاً على شخصيات سياسية مؤثرة.
ويكمن في جوهر اعتراضات واشنطن قلق جيو - سياسي أوسع نطاقاً مرده إلى أنه لا يمكن للولايات المتحدة قبول ترسيخ نفوذ إيران من خلال حليف غني بالطاقة وقادر عسكرياً في قلب العالم العربي. إذ إن وجود قوات «حشد شعبي» راسخة قانونياً لن يمثل قوة مقاومة قوية للمصالح الإسرائيلية فحسب، بل سيمثل أيضاً حصناً منيعاً ضد حرية المناورة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
ومن شأن هذا التطور أن يُعقّد قدرة واشنطن وتل أبيب على القيام بعمليات تخريب ضد طهران، سواءً بتقييد الوصول عبر حدود العراق أو بتعزيز هيكل أمني متحالف مع إيران ومعادٍ لأجندة التطبيع الإسرائيلية.
بالنسبة إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، لا يمكن أن تكون التحديات مرتفعة. فمن جهة، تعتبر أكثرية الكتل الشيعية في الإطار التنسيقي - العمود الفقري لائتلافه الحاكم - قوات «الحشد الشعبي» عنصراً أساسياً لسيادة العراق وأمنه.
ومن جهة أخرى، تخشى إدارته من أن يؤدي الصدام المباشر مع واشنطن إلى تدمير الاقتصاد العراقي الهش وتفكيك الاستقرار المحدود الذي تحقق منذ هزيمة «داعش». ويكشف هذا التوتر عن معضلة بغداد المتمثلة في صعوبة التوفيق بين الضرورات السياسية الداخلية والقيود الصارمة التي تفرضها القوى الخارجية.
يتكون البرلمان العراقي من 329 مقعداً، ويتطلب إقرار أي قانون 166 صوتاً على الأقل - أي غالبية بسيطة. وهنا يكمن جوهر المسألة السياسية.
نظرياً، يُمكن للكتل الشيعية في الإطار التنسيقي، والتي تسيطر مجتمعةً على ما يقارب 170 مقعداً، أن تُقرّ مشروع القانون. إلا أن الوحدة داخل الكتلة غير مضمونة، في حين مازالت الأحزاب السنية والكردية تُعارضه بشدة، حيث يُجادل النواب السنة بأن قوات «الحشد» متورطة في انتهاكات في المحافظات ذات الغالبية السنية، ويخشون أن يُؤدي منحها ترسيخاً قانونياً كاملاً إلى تكريس اختلال التوازن الطائفي.
في الوقت نفسه، تنظر الأحزاب الكردية إلى مشروع القانون على أنه مناورة مركزية من بغداد تُقوّض الفيدرالية وتُقوّض الحكم الذاتي الكردي. فمن دون شرعية عابرة للطوائف، يُخاطر التشريع بتعميق الانقسامات السياسية. ولكن من الناحية العددية البحتة، مازال في إمكان الكتلة الشيعية وحدها تحقيق فوز برلماني إذا حافظت على تماسكها، وهذه الوحدة مازالت بعيدة المنال.
الانتخابات كنقطة ضغط
تُفاقم الانتخابات التي تلوح في الأفق هذه المعضلة. تُجادل بعض الفصائل بتأجيل مشروع القانون حول «الحشد» إلى ما بعد الاستحقاق الانتخابي، مُؤجّلةً المواجهة مع الغرب. بينما يدفع آخرون لتسريع إقراره، مراهنين على أن الاعتراف الرسمي بمشروع قانون الحشد سيعزز مكانة السوداني لدى الناخبين الشيعة بتصويره مدافعاً عن سيادة العراق ضد الاملاءات الأجنبية، ويجدد ولايته كرئيس للوزراء.
بالنسبة إلى السوداني، فإن التوقيت خاطئ: فالتسرع المفرط يُعرّضه لعقوبات اقتصادية قبل الانتخابات، بينما يُعرّضه التأخير لخطر تنفير قاعدته الشيعية.
المسودة الحالية المرتبطة بمأسسة الحشد ليست سابقة. فقد تم الاعتراف رسمياً بقواته بموجب القانون العراقي الرقم 40 لعام 2016، الذي ضمّها تحت قيادة رئيس الوزراء. ومع ذلك، فقد احتفظت قوات الحشد بتسلسل قيادي خاص بها، وآلية ميزانية منفصلة، ونفوذ سياسي غالباً ما كان ينافس نفوذ الدولة.
وتهدف المسودة الجديدة إلى حل هذه المسائل الرمادية، ومنح الحشد تكافؤاً كاملاً مع الجيش والشرطة الاتحادية، وميزانية مستقلة، وحماية قانونية ضد الحل أو التدخل الخارجي. أما بالنسبة إلى المؤيدين - خصوصاً الفصائل الشيعية ضمن الإطار التنسيقي - فإن مشروع القانون يُقنن حقيقةً وُلدت من تضحياتٍ دموية:
حاربت قوات الحشد، «داعش» عندما كادت الدولة أن تنهار. أما بالنسبة إلى المنتقدين، فهي خطوةٌ خطيرةٌ نحو ترسيخ ما يُزعم أنه جيشٌ موازٍ «متحالفٌ مع إيران» في قلب الدولة العراقية.
ويُصوّر مشروع القانون وضع قوات الحشد على قدم المساواة القانونية الكاملة مع الجيش والشرطة الاتحادية، مع ضمان ميزانية مستقلة لها ضمن ميزانية الدولة وحماية سلطة قيادتها من الحل أو التدخل السياسي الخارجي. ستُرتقي هذه الأحكام مجتمعةً بقوات الحشد من كونها قوةً مساعدةً شبه مستقلة إلى هيئة عسكرية مؤسسية بالكامل، ما يُعزز ديمومتها ضمن هيكل الدفاع العراقي.
الخطوط الحمر
كان رد فعل واشنطن ولندن حاداً. إذ حذر مسؤولون أميركيون بغداد على نحو خاص من أن دعم قوات الحشد سيتجاوز الخط الأحمر: سيعني أن الدولة العراقية ستشرع رسمياً الجماعات المسلحة التي مازالت الولايات المتحدة تصنفها كمنظمات إرهابية.
من بين هذه الفصائل كتائب «حزب الله»، «عصائب أهل الحق»، وحركة «النجباء»، وهي فصائل متهمة باستهداف قواعد أميركية بالصواريخ والطائرات المسيرة، وتنفيذ عمليات بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني.
بالنسبة إلى صانعي السياسات الأميركيين، لا يمكن للعراق استضافة القوات الأميركية في الوقت الذي يدمج فيه خصومهم في هيكله العسكري.
ويتوافق الموقف البريطاني مع الرؤية الأميركية في شكل وثيق. إذ تخشى لندن من أن يؤدي اضفاء الطابع المؤسسي على نفوذ الحشد إلى ترسيخ العراق كدولة تابعة لإيران وزعزعة استقرار التوازنات في المنطقة. وقد أوضحت واشنطن ولندن أن العواقب ستتبع ذلك - من فرض عقوبات على شخصيات عراقية إلى قيود محتملة على التدفقات المالية.
إعادة الانتشار
ويتزامن الجدل حول مشروع قانون قوات الحشد مع تحول كبير في الوجود العسكري الأميركي في العراق. بموجب اتفاقية من مرحلتين بين واشنطن وبغداد، من المقرر أن تنتهي مهمة التحالف بقيادة الولايات المتحدة في سبتمبر 2025، عندما تُخلي القوات مواقع رئيسية بما في ذلك مطار بغداد الدولي (معسكر فيكتوريا) وقاعدة عين الأسد الجوية في الأنبار.
وستشهد المرحلة الثانية، الممتدة حتى سبتمبر 2026 على الأقل، استمرار القوات الأميركية في ظل شراكة ثنائية معدلة، مع التركيز على التدريب ومهام مكافحة «داعش»، لا سيما عبر الحدود السورية.
وكجزء من إعادة التمركز هذه، تشير التقارير إلى أن القوات الأميركية ستتمركز في قاعدة حرير بأربيل في المنطقة الكردية، ما يقلل من وجودها في وسط العراق وغربه.
بالنسبة إلى السوداني، فإن الانسحاب له أهمية رمزية: فهو يسمح له بتقديم استعادة السيادة العراقية على المنشآت العسكرية الرئيسية، بينما يحول إستراتيجياً دور الولايات المتحدة نحو كردستان كمركز للعمليات الإقليمية.
ومع ذلك، فإن الانسحاب ليس خالياً من المخاطر. مازالت التهديدات الأمنية قائمة، خصوصاً من فلول «داعش»، ومازال العراق يعتمد على الدعم الغربي للاستخبارات والقوة الجوية.
على الصعيد المحلي، يمكن للسوداني استخدام هذه الخطوة لتصوير نفسه على أنه يُوازن العلاقات بين واشنطن وطهران، مع تخفيف الضغط على الميليشيات المتحالفة مع طهران والدوائر القومية التي تُطالب بانهاء الوجود الأجنبي.
زيارة لاريجاني لبغداد
خلال الحرب الإسرائيلية - الأميركية التي استمرت 12 يوماً ضد إيران، أصبح المجال الجوي العراقي ممراً عملياتياً للمقاتلات الإسرائيلية. ووفقاً لمصادر إقليمية وعراقية، لم يكتفِ الجيش الأميركي بالموافقة على استخدام أجواء العراق، بل نسق استخدامه بنشاط لتسهيل عمليات القصف الإسرائيلية.
عبرت الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي العراقي في طريقها إلى أهداف إيرانية، وتم تزويدها بالوقود عند عودتها بدعم لوجستي أميركي. بالنسبة إلى بغداد، أظهر هذا التطور في شكل صارخ مدى ضآلة سيطرتها الفعلية على مجالها الجوي طالما بقيت القوات الأميركية متمركزة في البلاد.
حمل هذا الواقع نتيجتين خطيرتين. أولاً، عرّض لخطر سياسة الحياد المعلنة للعراق في المواجهة بين واشنطن وتل أبيب من جهة وطهران من جهة ثانية. بسماحه لأجوائه بأن تكون بمثابة منصة اطلاق ومنطقة تزود بالوقود، ما بدا وكأن العراق أنجر فعلياً إلى حرب إقليمية سعى إلى تجنبها.
ثانياً، عرّض الأراضي العراقية لخطر الانتقام: لو اختارت إيران ضرب نقاط العبور، لكان العراق قد أصبح ساحة معركة.
وقد غذّت هذه الديناميكيات زخماً متجدداً وراء مشروع قانون قوات الحشد.
ويرى الكثيرون داخل الإطار التنسيقي والفصائل الشيعية المتحالفة معه أن استخدام الولايات المتحدة للمجال الجوي العراقي من دون مشاورات يُجسّد تآكل السيادة.
ويجادلون بأن اضفاء الطابع المؤسسي على الحشد لا يقتصر على الاعتراف بدوره ضد «داعش» فحسب، بل يشمل أيضاً بناء قوة ردع قادرة على فرض سيطرتها على سماء العراق وأراضيه، ومنع البلاد من أن تصبح ممراً للحروب الخارجية.
وقد ازداد الشعور بالالحاح بعد الزيارة الأخيرة لمدير الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بغداد، حيث وقّع اتفاقية تعاون دفاعي. واستغلّ مؤيدو الحشد هذه الاتفاقية، التي وُضعت كخطوة نحو تعميق الاستقلال الأمني عن واشنطن، كمبرر إضافي لتسريع مشروع القانون قبل الانتخابات المقبلة.
النفوذ الأميركي: العقوبات والتمويل
إنّ أقوى سلاح أميركي ليس عسكرياً، بل مالياً. إذ تُمرّر عائدات النفط العراقي - التي تُشكّل أكثر من 90 في المئة من ميزانية الدولة - عبر البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ويمرّ كل دولار تجنيه بغداد من صادرات النفط الخام عبر الرقابة الأميركية قبل تحويله إلى الحسابات العراقية.
وقد برهنت واشنطن بالفعل على نفوذها بتقييد تدفقات الدولار بحجة تدابير مكافحة غسل الأموال، وهي خطوة هزّت أسواق العملة العراقية وغذّت التضخم.
في حال أقرار مشروع قانون الحشد، أشار مسؤولون أميركيون إلى أنه قد يتبع ذلك خطوات أكثر صرامة: تأخير التحويلات، وتشديد الامتثال، وقطع الوصول إلى الدولار، أو حتى تجميد حساب شركة تسويق النفط الحكومية (سومو) في شكل مباشر.
أيّ من هذه الإجراءات من شأنه أن يُشلّ حركة بغداد وقدرة الحكومة على دفع الرواتب وتمويل الواردات، ما يُغرق البلاد في أزمة مالية ويُخفض قيمة الدينار العراقي المحلي.
إلى جانب هذه الأدوات الاقتصادية، مازالت العقوبات المُستهدفة خياراً مُحتملاً. يُمكن وضع قادة الحشد، بمن فيهم أبو فدك المحمداوي وقيس الخزعلي وهادي العامري (الذي يُصر على تمرير مشروع القانون) على لائحة العقوبات، بينما قد يُواجه السياسيون العراقيون ضمن الإطار التنسيقي الذين يرعون القانون أو يُصوتون عليه، القائمة السوداء.
كما يُمكن تقييد الشركات المرتبطة بشبكات مشتريات الحشد، ما يُضيق الخناق على الركائز السياسية والمالية لهيكل دعم الحشد.
لماذا الآن؟
تُفسر ديناميكيات عدة سبب عودة النقاش حول قانون الحشد إلى الواجهة في هذه اللحظة بالذات...
أولاً، تُعطي الهيمنة السياسية للإطار التنسيقي زخماً للمقترح: فمع توحد الكتل الشيعية إلى حد كبير واعتماد السوداني على دعمها، يعتقد المُؤيدون أن الظروف مُواتية لدفع مشروع القانون إلى الأمام.
ثانياً، تدفع التيارات الإقليمية في الاتجاه نفسه. فمع تعزيز إيران لنفوذها في لبنان واليمن، من شأن مأسسة قوات الحشد أن تعزز نفوذ طهران في العراق، ما يُرسّخ حلفائها في البنية الأمنية للدولة.
ثالثاً، مازال العراق يواجه ثغرات أمنية رغم الهزيمة الإقليمية لـ«داعش». ويُصرّ مؤيدو مشروع القانون على أن الجيش الوطني وحده لا يستطيع مواجهة هذه التحديات، وأن قوات الحشد الأيديولوجية وحدها هي القادرة على سدّها.
وأخيراً، يُقدّر بعض القادة العراقيين أن اهتمام الولايات المتحدة موزع على أزمات أخرى، من أوروبا الشرقية إلى بحر الصين الجنوبي، وأن استعداد واشنطن لبذل جهد سياسي لمعاقبة بغداد قد يكون محدوداً - مع أن هذا قد يُثبت أنه سوء تقدير خطير.
ثلاثة سيناريوهات
وتمتد المخاطر إلى ما هو أبعد من العراق. فبالنسبة إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لا يُعدّ مشروع القانون مجرد تشريع محلي، بل جزءاً من توجه إقليمي. بدأ «حزب الله» في لبنان، و«أنصار الله» في اليمن، كتشكيلات هجينة، ثم اندمجت في هياكل الدولة، ما أدى إلى طمس الخطوط الفاصلة بين الميليشيات والمؤسسات والجيوش الوطنية.
قد يشير إضفاء الطابع المؤسسي على قوات الحشد إلى أن العراق يسير على المسار عينه، ما يزيد من ربط البلاد بـ«محور المقاومة»، ويقدم لطهران نموذجاً للتكامل الدائم بالوكالة.
يُعيد هذا الوضع أيضاً إلى الأذهان لحظات ماضية في تاريخ العراق. عندما صدر القانون الرقم 40 في عام 2016، جاء ذلك بعد أعوام من التعايش المضطرب بين الميليشيات والدولة.
في ذلك الوقت، تسامحت واشنطن مع تكامل محدود لقوات الحشد لأن القتال ضد «داعش» لم يترك سوى خيارات محدودة. اليوم، مع تراجع التنظيم وتفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، أصبح هامش التسوية أضيق بكثير.
هذا هو جوهر معضلة العراق. بالنسبة إلى المؤيدين، يتمحور مشروع قانون قوات الحشد حول السيادة: ترسيخ مكانة المقاتلين الذين دافعوا عن الدولة عندما لم يستطع أحد غيرهم ذلك. بالنسبة إلى المعارضين، يتعلق الأمر بالتبعية لإيران.
وتلوح في الأفق السياسي الآن ثلاثة سيناريوهات بالنسبة إلى بغداد. الأول هو إقرار مشروع القانون من دون تغيير. إذا نجحت الكتل الشيعية في الإطار التنسيقي في التوحد، فقد يُوافق البرلمان على الاقتراح ويُرفع رسمياً قوات الحشد إلى ذراع مؤسسية كاملة للدولة.
ومع ذلك، فإن هذا النصر سيأتي بتكلفة باهظة: سيواجه العراق فوراً خطر العقوبات الأميركية والقيود المالية وعزلة دبلوماسية أوسع، ما يجعل اقتصاده الهش أصلاً عُرضةً للضغوط الخارجية.
السيناريو الثاني هو تعديل مشروع القانون. قد يختار المؤيدون تخفيف بعض أحكامه لتهدئة المخاوف السنية أو الكردية أو الدولية - على سبيل المثال - من خلال الاعتراف بتضحيات قوات الحشد ضد «داعش» من دون وضعها على قدم المساواة الكاملة مع الجيش الوطني.
قد يقلل هذا النهج من ردات الفعل الخارجية، لكنه يخاطر بتنفير القيادة القوية لقوات الحشد وأنصارها الشعبيين، الذين قد يعتبرون القانون المخفف خيانة لتضحياتهم.
السيناريو الثالث هو تعثر مشروع القانون تماماً. قد تجبر المعارضة السياسية المتزايدة، إلى جانب الضغط الأميركي والمخاوف الاقتصادية، الإطار التنسيقي على تعليق المبادرة. وقد يؤدي هذا التأخير إلى تجنب المواجهة مع واشنطن موقتاً، ولكنه سيكشف أيضاً عن حدود هيمنة الشيعة في البرلمان ويخاطر بتآكل صدقية الإطار التنسيقي بين قاعدته الشيعية، التي تعتبر إضفاء الطابع المؤسسي على الحشد أمراً أساسياً لسيادة العراق.
تحمل كلٌّ من هذه النتائج مخاطرها وتنازلاتها الخاصة، ما يؤكد أن قانون الحشد ليس مجرد مسألة تشريعية، بل هو اختبار حاسم لقدرة العراق على الموازنة بين السيادة والبقاء.
الخلاصة
مشروع قانون الحشد ليس مجرد مبادرة تشريعية، بل هو صراع على هوية العراق وتحالفاته الإقليمية والدولية وسيادته. يُكرّم هذا القانون، بالنسبة إلى المؤيدين، من قاتلوا «داعش»، ويضمن هيمنة الشيعة على النظام السياسي العراقي، ويحافظ على أمن الحدود في وجه القوى الأيديولوجية.
أما بالنسبة إلى المعارضين فإنه يُهدد التوازن الطائفي، ويُرسّخ النفوذ الإيراني، ويُخاطر بفرض عقوبات مُعيقة. أما بالنسبة إلى واشنطن ولندن، فهو اختبارٌ لموقف العراق في منطقةٍ مُمزقةٍ بالفعل بفعل الحروب بالوكالة.
أوضحت الولايات المتحدة موقفها: لن تقبل بهيئة عسكرية مُدمجة في الدولة تُعلن عداءها لوجودها الطويل، وعلى الأرجح نظراً إلى اعتماد العراق على عائدات النفط التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، فإن واشنطن تمتلك الأدوات اللازمة لفرض إرادتها.
يقف العراق الآن عند مفترق طرق: إما تشريع السيادة والمخاطرة بالعقوبات الاقتصادية، واما التراجع والحفاظ على الاستقرار الهش. والنتيجة لن تحدد مستقبل «الحشد» فحسب، بل ستحدد أيضاً طبيعة استقلال العراق في عالم لا يتم فيه قياس القوة فقط من خلال الميليشيات والبرلمانات، بل أيضا من خلال الحسابات المصرفية وتدفقات النفط.