فرصة نادرة لواشنطن لوضع قواعد الربط الإقليمي من الصفر

ممر «جسر ترامب»... لماذا تُعارض روسيا وإيران؟

ترامب متوسطاً باشينيان وعلييف في البيت الأبيض (أ ف ب)
ترامب متوسطاً باشينيان وعلييف في البيت الأبيض (أ ف ب)
تصغير
تكبير

... يوم الجمعة الماضي، وقّع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، اتفاقية نقل تاريخية في البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تمنح حقوق تطوير ممر نقل إستراتيجي يربط أذربيجان بجيب ناختشيفان عبر مقاطعة سيونيك جنوب أرمينيا - والذي أعادت واشنطن تسميته بـ «طريق ترامب للسلام والازدهار الدوليين» (TRIPP)، ويُشار إليه في شكل غير رسمي باسم «جسر ترامب».

ترامب أشاد بالمشروع باعتباره محركاً للإنعاش الاقتصادي والترابط الإقليمي، متعهداً باستثمارات أميركية كبيرة كجزء من جهد أوسع لتعزيز نفوذ الولايات المتحدة في جنوب القوقاز. ومع ذلك، قوبلت المبادرة بمعارضة شديدة من طهران وموسكو. وحذّر علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، من أن إيران ستتحرك - بدعم روسي أو من دونه - لمنع تحقيق هذا الممر.

بالنسبة إلى إيران وروسيا، يمثل المشروع أكثر بكثير من مجرد ممر. من الناحية الإستراتيجية، فهو يوفر طريقاً مباشراً يمكن أن يُضعف هيمنتهما طويلة الأمد في المنطقة، ما قد يُغير التوازن الجيو- سياسي لمصلحة تركيا والولايات المتحدة.

وتُعيد هذه الخطة إحياء، في شكلها الحديث، الرابط القديم الذي يعود إلى الحقبة السوفياتية، والذي كان يربط أذربيجان بنخجوان عبر الأراضي الأرمنية.

وقد انهارت هذه الخطوط خلال حرب ناغورني - كاراباخ الأولى في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات. وذكر وقف النار لعام 2020، الذي توسطت فيه روسيا بعد حرب كاراباخ الثانية، «فتح» الاتصالات الإقليمية ولكنه لم يشترط ممراً خارج الحدود الإقليمية. لذا فإن ما هندسته واشنطن الآن ذو طابع جيو- سياسي أكثر بكثير: طريق مباشر تحت السيادة الأرمينية، ولكنه مفتوح لحركة المرور الأذربيجانية بضمانات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع استبعاد كل من روسيا وإيران من السيطرة التشغيلية.

سيونيك... ممر عبر التاريخ والسيادة

مقاطعة سيونيك، التي سيمر عبرها «جسر ترامب»، ليست مجرد شريط أرضي، بل هي ركيزة أساسية في الدولة الأرمينية. تاريخياً، كانت متنازعاً عليها، وكانت بمثابة منطقة دفاعية حاسمة خلال انهيار الاتحاد السوفياتي، ومازالت رمزية للغاية في الخطاب الوطني ليريفان.

فأي ترتيب يُنظر إليه على أنه يُضعف سيادة أرمينيا هنا ويُخاطر بإشعال فتيل السياسة الداخلية، ويوفر لروسيا وإيران ذريعة لإعادة تأكيد نفوذهما.

بالنسبة إلى القادة الأرمن، فإن الموافقة على مثل هذا الممر هي مقامرة محسوبة: فهي تُبشر بانفتاح اقتصادي على الغرب، لكنها تُخاطر بردود فعل داخلية عنيفة وتلاعب خارجي.

لماذا ترى إيران تهديداً إستراتيجياً؟

بالنسبة إلى طهران، الجغرافيا هي السياسة. حدودها القصيرة مع أرمينيا هي بوابتها البرية الوحيدة إلى القوقاز، وتالياً إلى موانئ جورجيا على البحر الأسود. فالطريق المباشر بين أذربيجان ونخجوان وتركيا، والذي يلتف حول الأراضي الإيرانية، يُقوّض مكانة إيران كدولة عبور ضرورية.

وقد حذّر القادة الإيرانيون مراراً وتكراراً من أن مثل هذا الممر من شأنه أن «يقطع» اتصالهم بالشمال، مما يُقلّل من نفوذهم السياسي وفرصهم الاقتصادية.

فمخاوف إيران ليست رمزية بحتة. فثمة مسائل مهمة على المحك كعائدات الجمارك، وتدفقات الشحن، والقدرة على ربط التجارة الإقليمية بأولوياتها الأمنية الخاصة.

فخطة «جسر ترامب» ستُمرّر البضائع على طول مسار يُعيق «طريق نهر آراس» الموازي لإيران، ما يحرم طهران من ورقة المساومة الوحيدة التي استخدمتها بثقة في جنوب القوقاز.

ومن الناحية الإستراتيجية، ستُنشئ هذه الخطة شرياناً لوجستياً متحالفاً مع الولايات المتحدة وتركيا على طول الحدود الشمالية الغربية لإيران، وهي منطقة حساسة بالفعل نظراً لعلاقات أذربيجان الدفاعية والاستخباراتية الوثيقة مع إسرائيل، عدوة إيران اللدودة.

لماذا ترى روسيا تآكلاً في نفوذها؟

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، نصّبت روسيا نفسها الحكم النهائي في جنوب القوقاز، بنشرها قوات حفظ سلام، وحراسة الحدود الأرمنية، والسيطرة على جزء كبير من البنية التحتية في المنطقة.

وجسر ترامب يتحايل على كل هذا الواقع. فقد تم التفاوض عليه من دون أولوية موسكو، وهو يُرسّخ الرقابة الاقتصادية والسياسية الغربية في ممرّ يمتدّ بالقرب من الجناح الجنوبي لروسيا.

فالخسارة عملية ورمزية. إذ من دون أدوار جمركية أو أمنية في الممر، لا تستطيع روسيا استخدام أدوات نفوذها التقليدية - السيطرة على أسعار الشحن، وأنظمة التفتيش، وبروتوكولات الأمن.

ومن الناحية الإستراتيجية، ترى موسكو خطر وجود عمود فقري للبنية التحتية مجاور لحلف الناتو في منطقة لطالما اعتبرتها امتداداً لمجالها الأمني.

وبعيداً عن التجارة، غالباً ما تُشكّل الممرات المادية ناقلات لجمع المعلومات الاستخبارية والتنقل السريع. إذ يمكن تكييف مرافق الجمارك، وخطوط الألياف الضوئية الآمنة، ومراكز اللوجستيات لأغراض المراقبة أو لتسهيل الحركة السرية لأفراد الأمن الحلفاء. أما بالنسبة إلى موسكو وطهران، فإن الإشراف الغربي على جسر ترامب يثير احتمال وجود منصة استخبارات شبه دائمة على أطرافها - دون العبء السياسي لقاعدة عسكرية أجنبية رسمية.

أنقرة وواشنطن والمكاسب الإستراتيجية

بالنسبة إلى أنقرة، يُمثل الممر تحقيقاً لهدف إستراتيجي طال انتظاره: ربط بري مستمر من تركيا عبر نخجوان إلى أذربيجان، ثم عبر بحر قزوين إلى آسيا الوسطى. يُعد هذا «الممر الأوسط» بديلاً بالفعل للطرق الشمالية لروسيا والطرق الجنوبية لإيران؛ ويُعززه جسر ترامب بثقل دبلوماسي واقتصادي أميركي.

ومن خلال ترسيخ طريق مادي تحت إشراف غربي، تكتسب الولايات المتحدة موطئ قدم في جزء من أوراسيا بعدما افتقرت تاريخياً إلى نفوذ مباشر. وإلى جانب التدفقات التجارية، يوفر الممر بنية تحتية محتملة ذات استخدام مزدوج - مراكز لوجستية آمنة، وشبكات اتصالات أساسية، ومرافق تفتيش - من شأنها تحسين الوعي الظرفي والقدرة على الحركة للقوات الأميركية وقوات حلفائها من دون إجراءات التمركز العسكري.

وكذلك يتقاطع الممر أيضاً مع إطارين جيو- اقتصاديين أوسع نطاقاً. الأول هو ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC)، الذي تدعمه روسيا وإيران والهند، والذي يربط المحيط الهندي بأوروبا عبر الموانئ الإيرانية والسكك الحديدية الروسية. وبجذب التجارة بين الشرق والغرب نحو محور تركيا وبحر قزوين، يُضعف جسر ترامب المنطق التجاري لممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC)، ويُحوّل الشحن بعيداً عن الطرق التي استثمرت فيها موسكو وطهران بكثافة.

الثاني هو مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI). فبينما تُشجّع بكين على طرق برية متعددة، بما في ذلك المسار الشمالي عبر روسيا و«الممر الأوسط» المركزي، فإن معياراً أميركياً على طول جسر ترامب قد يُوجّه أجزاءً من الشحن الأوراسي نحو الأنظمة التنظيمية والأمنية المُحددة في واشنطن وبروكسل وأنقرة. هذا لا يُعيق بالضرورة الشحنات الصينية، ولكنه يُقوّض قدرة بكين على إملاء شروط الربط البري، خصوصاً إذا تم دمج الممر في إستراتيجية البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي.

النفوذ الإسرائيلي في أذربيجان

يعود الوجود الإسرائيلي في أذربيجان إلى ما قبل الممر، ويرتكز على واردات الطاقة - إذ يُمثل النفط الأذربيجاني حصة كبيرة من إمدادات إسرائيل - وعلى تعاون دفاعي واسع النطاق، بما في ذلك الطائرات المسيرة المسلحة والذخائر التي استُخدمت في صراعي كاراباخ عامي 2020 و2023.

كما وردت تقارير واسعة النطاق عن تعاون استخباراتي يستهدف الحدود الشمالية لإيران خصوصاً خلال الحرب الأخيرة. ومن المعقول أن تستفيد شراكات إسرائيل الحالية في باكو في شكل غير مباشر من أي بنية تحتية أميركية.

وأصبح للاتحاد الأوروبي، من خلال برنامجه «البوابة العالمية»، مصلحة في نجاح الممر، ما يجعل أي انقطاعات فيه مكلفة ليس فقط لأذربيجان وأرمينيا، بل لسلاسل التوريد الأوروبية أيضاً. تُعقّد هذه الجهات المعنية الإضافية حسابات موسكو وطهران، إذ إن أي محاولة لتقويض هذا الطريق قد تُثير رد فعل غربياً أوسع.

لماذا ستستمر معارضة موسكو وطهران؟

من غير المرجح أن تُذعن روسيا ولا إيران لجسر ترامب من دون مقاومة. ستواصل طهران الترويج لبديلها على نهر آراس، مستغلةً القنوات الدبلوماسية، وإذا لزم الأمر، مُوجّهةً إشارات عسكرية على طول حدودها الشمالية لردع أي ترتيب تراه مُقوّضاً لسلامة أراضيها.

وقد تسعى موسكو إلى إعادة تثبيت نفسها من خلال صيغ تفاوض جديدة، أو حوافز شحن على طول الممر الدولي بين الشمال والجنوب، أو الضغط الهادئ على أرمينيا وأذربيجان لتخفيف النفوذ الأميركي والتركي.

ويُدرك كلاهما (موسكو وطهران) أن البنية التحتية لا تقتصر على نقل البضائع فحسب؛ بل تشمل ترسيخ المعايير والممارسات والتبعيات.

بمجرد أن يُرسي الممر هذه الأنماط، يتبع النفوذ الشحن. بالنسبة لموسكو، فإن فقدان هذا الدور في جنوب القوقاز سيمثل تراجعاً تاريخياً.

أما بالنسبة لطهران، فسيمثل ذلك خسارة آخر شريان شمالي موثوق لها في منطقة تتحالف بسرعة مع منافسيها.

«جسر ترامب» أكثر من مجرد رابط طرق. إنه إعادة ترتيب للمشهد الجيو- سياسي لجنوب القوقاز - محور تركي - أميركي يتخطى إيران وروسيا، ويتنافس مع مشاريع النقل الرئيسية الخاصة بهما، وربما يُعيد تشكيل تدفقات التجارة عبر أوراسيا.

وهو يمنح أذربيجان نفوذاً أكبر، وأرمينيا تنويعاً محفوفاً بالمخاطر بعيداً عن الاعتماد على روسيا، وتركيا طريقاً مباشراً إلى آسيا الوسطى. بالنسبة لواشنطن، إنها فرصة نادرة لوضع قواعد الربط الإقليمي من الصفر.

لهذا السبب، ستقاوم موسكو وطهران بقوة. فهما لا تريان في هذا الممر مجرد خسارة في رسوم العبور أو تراجع في المكانة، بل تحولاً هيكلياً يصعب عكسه بمجرد تشغيله. وفي الجغرافيا السياسية الأوراسية، كما في التجارة، نادراً ما تُستعاد الطرق المفقودة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي