نتنياهو ووقف النار... بعد 27 يوليو ليس كما قبله
مع دخول الحرب في غزة عامها الثاني، يتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضغوط متزايدة من القيادة العسكرية والحلفاء السياسيين والشركاء الدوليين. ومع ذلك، ورغم الدعوات المتزايدة لوقف النار، شنّ الجيش الإسرائيلي أول هجوم كبير له على ديرالبلح منذ بدء الحرب.
يشير هذا التصعيد الأخير إلى أن نتنياهو لا يستعد للتوصل إلى اتفاق قبل 27 يوليو، وهو اليوم الأخير من الدورة الصيفية للكنيست التي تستمر ثلاثة أشهر. بعد ذلك، قد يتغير المشهد السياسي، ما يزيد في شكل كبير من فرص وقف النار.
إن عطلة الكنيست ليست مجرد إجراء تشريعي شكلي، بل هي عتبة سياسية حاسمة. حتى 27 يوليو، يتعين على نتنياهو خوض غمار لعبة صعبة، وتحقيق التوازن بين شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف الذين يعارضون أي وقف للنار لا ينهي «حماس» ويهجر الفلسطينيين.
ومع ذلك، بمجرد بدء عطلة الكنيست، تحصل حكومة نتنياهو على مهلة لمدة ثلاثة أشهر من عمليات تصويت حجب الثقة والتهديدات البرلمانية، ما يعني أن هذه النافذة ستسمح له بالتصرف بحرية أكبر دون المخاطرة بالانهيار الفوري لائتلافه.
وما يزيد من إلحاح هذا الجدول الزمني الإعلان الأخير من رئيس أركان الجيش الحالي إيال زامير، أن «عملية عربات جدعون قد حققت الأهداف التي حددتها القيادة السياسية». وهذه أوضح إشارة إلى أن الجيش يعتبر مهمته المركزية المتمثلة في احتلال 75 في المئة من غزة قد اكتملت، حتى لو فشل في تحرير جندي واحد من أصل 20 جندياً وضابطاً ما زالوا على قيد الحياة في الأسر.
وأكد زامير، أن القوات الإسرائيلي سيطرت على معظم القطاع، وفككت الكثير من البنية التحتية لـ«حماس»، وأضعفت قدراتها القتالية ولكن من دون أن تقضي على تلك القدرات. وفي خطوة أكدت هذا الاتجاه، أعلن زامير أيضاً عن خفض قوات الاحتياط بنسبة 30 في المئة، مما يشير إلى تحول رسمي بعيداً عن العمليات القتالية عالية الكثافة.
في إسرائيل، يُعد هذا التخفيض مهماً - فالاحتياطيون هم العمود الفقري للحرب الممتدة. ويعكس تسريح ما يقارب ثلثهم من الخدمة تقييماً داخلياً رصيناً: لم تعد عمليات الانتشار واسعة النطاق ضرورية. لم تعد الحرب تتصاعد بل تتراجع.
وعلى الرغم من ذلك، ما زال القتال مستمراً وما زالت أوامر الإخلاء تصدر في المناطق المركزية مثل دير البلح. لقد خدم بعض الجنود والضباط لأكثر من 500 يوم على نحو متتالي، والإرهاق آخذ في التزايد وفقدت إسرائيل أكثر من 893 جندياً و20 ألف جريح في غزة منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023. ويدفع هذا الاستنزاف تالياً القيادة العليا للجيش إلى الدعوة للتحول من القتال واسع النطاق إلى الاحتواء.
في هذه الأثناء، يظهر متغير جديد خطير: تركز «حماس» علناً على أسر المزيد من الجنود الإسرائيليين خلال العمليات الحالية. وقد حذر كبار مسؤولي الدفاع الإسرائيليين من أن كل توغل بري إضافي في المناطق الكثيفة يزيد من خطر الاختطاف. ويمكن أن تؤدي أزمة الرهائن الأخرى إلى إعادة إشعال الغضب العام ووضع حكومة نتنياهو تحت رقابة أكثر صرامة، خصوصاً بعد الوعود السابقة بإعادة جميع الأسرى إلى ديارهم.
مفاوضات الدوحة
ووصلت المفاوضات في الدوحة - بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة - إلى مرحلة حساسة وواعدة، تتضمن وقف نار نهائياً على مراحل، وإطلاق سراح الرهائن والسجناء الفلسطينيين، والانسحاب الإسرائيلي من المراكز الحضرية الرئيسية في غزة، بما في ذلك ممر موراغ الذي يفصل رفح عن خان يونس.
وما زالت الخلافات حول حدود الخريطة والتسلسل قائمة، لكن الوسطاء يعتقدون أنها قابلة للحل والعقدة الأكبر هي إنهاء الحرب.
اتهمت «حماس» إسرائيل بالمماطلة، لكن الضغط العسكري السياسي على نتنياهو يشير إلى أن الوقت ينفد. وعلى الرغم من ذلك، من غير المرجح أن يوقع على اتفاق قبل نهاية الشهر الجاري.
ومع انعقاد جلسات الكنيست، يمكن لوزراء اليمين المتطرف مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش معارضة أي اتفاق علناً، ما قد يؤدي إلى انهيار ائتلاف الحكومة. ولكن بعد بدء العطلة، يتلاشى هذا التهديد. وسيتم إغلاق الكنيست لمدة ثلاثة أشهر، ما يزيل أي آلية إجرائية لإجبار نتنياهو على ترك منصبه. وهذا يمنحه الوقت، ليس فقط لتوقيع اتفاق، ولكن لإدارة التداعيات السياسية.
مناطق عازلة
ماذا يمكن لنتنياهو أن يفعل في هذا الوقت؟... أولاً، قد يستخدم العطلة لدفع وقف النار بهدوء، معتمداً على التعب العام ونجاح الجيش المعلن في تهدئة غضب اليمين المتطرف. يمكنه بعد ذلك سحب القوات من معظم مناطق غزة - ولكن ليس كلها - تاركاً مناطق عازلة على طول محيط القطاع مع الاستمرار في المطالبة بالسيطرة الإستراتيجية وحرية العمل بعد عودة نصف السجناء الإسرائيليين في صفقة تبادل. وهذا من شأنه أن يرضي جزئياً السياسيين الرئيسيين ومسؤولي الأمن مع الحفاظ على صورة الحزم.
ثانياً، قد يسمح نتنياهو لشركائه من اليمين المتطرف بالغضب ولكنهم يبقون في الائتلاف، معتقداً أنه من دون كنيست فعال، لن يكون لديهم طريق فوري لإسقاطه. قد يراهن على أن غرائزهم السياسية ستمنعهم من إثارة الانتخابات، وبدلاً من ذلك تمنحهم الوقت للتنفيس دون عواقب حقيقية.
لكن هناك سيناريو ثالث أكثر طموحاً: قد يدفع نتنياهو عمداً إلى تفكك الائتلاف، ما يسمح للحكومة الحالية بالسقوط أثناء العطلة من دون إثارة انتخابات فورية. مع وجود ثلاثة أشهر للمناورة، يمكنه محاولة إعادة بناء ائتلاف جديد - ربما ائتلاف يضم عدداً أقل من اللاعبين اليمينيين المتطرفين وعناصر وسطية أكثر - أو الاستعداد لإجراء انتخابات مبكرة على منصة جديدة توفير الأمن وإعادة الرهائن واستعادة الاستقرار.
ويواجه نتنياهو أيضاً تمرداً من جانب آخر: فقد خرجت الأحزاب الدينية المتطرفة، خصوصاً شاس ويهودية التوراة المتحدة، من الائتلاف بسبب تعامل الحكومة مع إعفاءات الخدمة العسكرية للحريديم.
وقد أثارت إشارات نتنياهو الأخيرة بشأن فرض قواعد التجنيد على الحريديم غضب قيادتهم بشدة وانتهكت تقليد الإعفاء الذي دام 75 عاماً. وإذا اندفعت هذه الفصائل إلى جانب بن غفير وسموتريتش، فقد يجد نتنياهو نفسه يواجه ليس فقط تآكل الائتلاف، ولكن انهياراً قوياً.
التكاليف الاقتصادية والدبلوماسية
وتستمر التكاليف الاقتصادية والدبلوماسية في الارتفاع. وقد حذر بنك إسرائيل من الأضرار طويلة المدى التي تلحق بالناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد، وأصبح قادة الأعمال أكثر صراحة بشأن العبء غير المستدام الذي تفرضه الحرب على الاقتصاد.
في الوقت نفسه، تُصعّد إدارة الرئيس دونالد ترامب ضغوطها، مُشيرةً إلى أنه في حال عدم التوصل إلى وقف إطلاق نار قريباً، فقد تواجه إسرائيل عواقب وخيمة - ليس فقط من حيث الدعم الأميركي المُتأزم، بل أيضاً من حيث تحوّل مواقف حلفاء أميركا الرئيسيين، الذين بدأ العديد منهم في النأي بأنفسهم دبلوماسياً.
ويشمل ذلك 25 دولة، على رأسها المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، على سبيل المثال لا الحصر.
وأصبح تجاهل الخطر المُحدق بمكانة إسرائيل العالمية أكثر صعوبة، وأصبحت المعايير المزدوجة الصارخة المحيطة بالحرب ومُحرجة للبعض للدفاع عنها.
في النهاية، فقدت العملية المستمرة في غزة مبررها المنطقي.
يقول الجنرال الإسرائيلي الأعلى، الذي حل محل رئيس الأركان السابق لتحقيق رغبات نتنياهو، إن الأهداف قد تحققت ليمهد إنهاء الحرب وأن ساعة المعركة قد توقفت عن الدوران. وينتهي العد التنازلي السياسي مع سقوط المطرقة في 27 يوليو. بعد ذلك، قد يبدأ مسار إنهاء الحرب أخيراً.