وسط جدل دولي ... إسرائيل تبدأ احتلالاً كاملاً لقطاع غزة

دخان غارات إسرائيلية دامية على مخيم جباليا للاجئين (شينخوا)
دخان غارات إسرائيلية دامية على مخيم جباليا للاجئين (شينخوا)
تصغير
تكبير

على الرغم من الضغوط المتزايدة من أقرب حلفائها الغربيين، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عملية احتلال عسكري شامل لقطاع غزة.

وقد تم تقسيم القطاع إلى خمس مناطق عملياتية، ما يمثل تصعيداً حاسماً في حرب تجاوزت الـ 600 يوم من القتال المستمر.

ويمثل الاحتلال العسكري الكامل لغزة، في إطار عملية «مركبات جدعون»، تصعيداً كبيراً في النزاع القائم، وقد قوبل بإدانات دولية واسعة وأثار تساؤلات حرجة حول أهداف العملية وتبعاتها الإنسانية.

بدأ الجيش الإسرائيلي توغلاً متزامناً من الشمال ومن خان يونس في الجنوب، في خطوة تشير إلى محاولة إستراتيجية للسيطرة على مناطق مدمرة سابقاً، والتي تشهد الآن اكتظاظاً باللاجئين.

ومع توغل القوات في عمق غزة، يثير غياب خطة للتفاوض حول إطلاق الأسرى الإسرائيليين وخطة ما بعد النزاع، بالإضافة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، أسئلة عميقة حول أهداف العملية على المدى الطويل، وقانونيتها.

مرحلة جديدة في حرب طويلة

يمثل الهجوم الأخير تحولاً إستراتيجياً، إذ تم نشر خمس فرق نخبوية - الفرق 252، 36، 143، 98، و162 - إلى جانب ألوية النخبة من ناحال وغولاني.

وتتألف هذه الوحدات في الغالب من جنود محترفين، وهو تحول واضح عن الاعتماد السابق على جنود الاحتياط، بعد شهور من الاضطراب الاقتصادي والمعارضة العامة بسبب استدعاء الجنود المدنيين لفترات طويلة.

ويقدّر جيش الاحتلال أن تستمر العملية ما بين 3 إلى 9 أشهر، بهدف «تطهير» القطاع من المقاومة، وسط توقعات بارتفاع أعداد الضحايا بسبب القتال في مناطق حضرية مكتظة بالسكان.

وتتمتع كل فرقة بقدرات متميزة:

الفرقة 252: تضم خمسة ألوية تجمع بين القوات المشاة والآلية.

الفرقة 36: تشمل ثلاثة ألوية آلية ووحدتين خاصتين من المشاة.

الفرقة 143: قوات متمركزة في غزة، أعيد بناؤها جزئياً بعد خسائر فادحة في 7 أكتوبر.

الفرقة 98: تتضمن ثمانية ألوية، منها قوات مظلية وكوماندوس.

الفرقة 162: مزيج من القوات الخاصة والوحدات الآلية.

يركّز التوغل على مناطق سبق أن تعرضت لقصف مكثف، وهو ما يعكس قراراً تكتيكياً بالتحرك في بيئات سبق للجيش العمل فيها. لكن هذه المناطق، التي تعاني من دمار واسع ونزوح سكاني، تنذر أيضاً بمقاومة عنيفة ويائسة.

ومازالت حركة «حماس» وفصائل مقاومة أخرى راسخة في أجزاء كبيرة من غزة، وغالباً ما تعيد السيطرة على المناطق التي ينسحب منها الاحتلال.

ويرى منتقدون أن غياب خطة واضحة لاستبدال «حماس» أو إدارة غزة بعد الحرب، ينذر بإدامة دوامة الصراع.

داخلياً، يُنظر إلى تقدم نتنياهو في غزة باعتباره مناورة سياسية بقدر ما هو خطوة عسكرية.

فحكومته، التي تعتمد على أحزاب اليمين المتطرف، تعتبر أن وقف الحرب قد يعني انهيار الائتلاف الحاكم.

وقد دعا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش علناً إلى تدمير غزة وترحيل سكانها، مؤكداً أن «القطاع يجب أن يُفرغ من الفلسطينيين».

وعلى الساحة الدولية، عمّق تحدّي نتنياهو، عزلة إسرائيل الدبلوماسية، إذ لم يدعم أي حليف التصعيد الحالي. وتجاهلت الحكومة الإسرائيلية دعوات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وشركاء آخرين لوقف إطلاق النار. كما رُفضت محاولات لإيجاد دول ثالثة لاستيعاب الفلسطينيين المرحّلين.

ولم تمر هذه الحملة من دون اعتراض داخل إسرائيل. فقد وجّه زعيم حزب «الديمقراطيون» الوسطي ونائب رئيس أركان الجيش السابق اللواء يائير غولان، أشد الانتقادات العلنية للجهود الحربية حتى الآن.

وفي مقابلة متلفزة على مستوى وطني، ندد بما وصفه بسياسة «العقاب الجماعي، والتهجير القسري، والقتل العرضي للمدنيين».

وقال إن «الدولة العاقلة لا تخوض حرباً ضد المدنيين. لا تقتل الأطفال من أجل المتعة، ولا تتبنى سياسات الترحيل الجماعي».

ووجّه تحذيراً بأن إسرائيل تخاطر بأن تصبح «دولة منبوذة» على غرار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ما أثار جدلاً محتدماً داخل الكنيست والأوساط العسكرية استوجب خروج نتنياهو ليرد عليه ويطلب تجريده من رتبته العسكرية، هو الذي اعتبر "بطل حرب" في إسرائيل.

ماذا بعد؟ وما مصير الأسرى الإسرائيليين؟

يُقدّر أن 58 إسرائيلياً وأجنبياً مازالوا أسرى في غزة، من بينهم من تم إعلان وفاتهم وتُحتجز جثثهم ونحو 21 مازالوا على قيد الحياة.

وقد اندلعت احتجاجات في تل أبيب تطالب بالإفراج عنهم. وتعتقد السلطات الإسرائيلية أن معظم هؤلاء الأسرى موجودون في وسط القطاع، ربما في خان يونس ومدينة غزة.

وقد حُذّر سابقاً من أن اقتراب القوات من مواقع احتجاز الأسرى قد يؤدي إلى إعدامهم.

ويبدو أن العملية العسكرية لا تهدف إلى تحرير الأسرى، إذ صرّح الوزيران سموتريتش وإيتمار بن غفير بأن «الأسرى ليسوا أهم من أمن إسرائيل»، وهو الأمن الذي يعرفانه على أنه يشمل تدمير غزة بالكامل وإعادة احتلالها.

وتجنب نتنياهو الحديث عن سلطة بديلة لغزة، في حين يستخدم المسؤولون عبارات مبهمة عند الحديث عن السيطرة طويلة الأمد.

أما إعادة الإعمار، فلا يبدو أنها ضمن جدول الأعمال. ما هو واضح أن هناك نية إستراتيجية لجعل غزة غير صالحة للعيش لشريحة كبيرة من سكانها الفلسطينيين.

وقد أثار هذا الغموض تحذيرات من منظمات حقوق الإنسان وحكومات أجنبية. فالخطر لا يقتصر على كارثة إنسانية، بل يتزايد القلق من اندلاع نزاع أوسع.

زاد هذا الهجوم من تفاقم الوضع الإنساني الكارثي. وقد أبلغ عن مقتل أكثر من 52000 فلسطيني، مع تدمير واسع للبنية التحتية. وأدى الحصار إلى ظروف مجاعة، حيث حذّرت وكالات الإغاثة من وفيات جماعية بين الأطفال بسبب منع المساعدات.

وتواجه حكومة نتنياهو ضغوطاً دولية متزايدة، مع دعوات من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا لإنهاء الهجوم ورفع القيود المفروضة على المساعدات.

إسرائيل عند مفترق طرق

يمثل الاحتلال الكامل لغزة نقطة تحول عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً. فمع تصاعد الانتقادات الدولية وتفاقم الكارثة الإنسانية، يبدو أن حكومة نتنياهو تراهن على السيطرة الكاملة كحل وحيد للمأزق.

لكن من دون خطة موثوقة لمستقبل غزة، وفي ظل الإدانة العالمية والقلق الداخلي، تخاطر إسرائيل بتحقيق انتصارات تكتيكية تقود إلى هزيمة إستراتيجية.

وقد يكون ثمن الاحتلال أعلى من أي معركة فردية: إنه خطر أن يُعاد تشكيل مكانة إسرائيل في العالم ومستقبل المنطقة...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي