النموذج التقليدي للبنوك لم يعد قائماً بذاته في مواجهة زخم الابتكارات الهائل
النظام المصرفي الجديد... تحوّلات جذرية وتحديات متصاعدة في عصر التكنولوجيا وتغير العملاء
- 305 مليارات دولار حجم سوق التكنولوجيا المالية المتوقع عالمياً بـ 2025
- 11.76 في المئة نمواً سنوياً مركّباً بين عامي 2022 و 2025
- تزايد الاعتماد على القنوات الرقمية يتزامن معه تنامي خطر الهجمات السيبرانية
- التحوّل الرقمي يتطلّب كوادر مؤهلة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والأمن السيبراني
يشهد القطاع المصرفي العالمي تحوّلات جذرية وغير مسبوقة، مدفوعة بقوة التكنولوجيا الرقمية وتغيرات عميقة في تفضيلات العملاء. فلم يعد النموذج التقليدي للبنوك قائماً بذاته في مواجهة هذا الزخم الهائل من الابتكارات والتوقعات المتجددة، وعليه بدأت الأسواق تشهد ملامح نظام مصرفي جديد يتسم بالمرونة، والتركيز على العميل، والتكامل التكنولوجي، ولكنه في الوقت نفسه يواجه تحديات كبيرة تتطلب حلولاً مبتكرة واستراتيجيات استباقية.
أحدثت التكنولوجيا المالية (FinTech) ثورة حقيقية في الصناعة المصرفية، حيث ظهرت شركات ناشئة تقدم حلولاً مبتكرة وفعّالة في مجالات الدفع، والإقراض، وإدارة الأصول، والتأمين. هذه الشركات، التي غالباً ما تكون أكثر مرونة وأقل تكلفة من البنوك التقليدية، تستقطب شريحة متزايدة من العملاء الباحثين عن تجارب رقمية سلسة ومريحة.
وفقاً لتقرير صادر عن شركة «Statista»، يتوقع أن يصل حجم سوق التكنولوجيا المالية العالمي إلى نحو 305 مليارات دولار في 2025، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 11.76 في المئة بين عامي 2022 و 2025. هذا النمو الهائل يعكس مدى تبني العملاء للحلول المالية الرقمية.
فعلى سبيل المثال، أدت تطبيقات الدفع عبر الهاتف المحمول مثل «Apple Pay» و«Google Pay» إلى تغيير الطريقة التي يُجري بها الأفراد معاملاتهم اليومية. كما أن منصات الإقراض الرقمي سهلت الحصول على التمويل للأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
تغير التفضيلات
ولم يعد العملاء راضين عن الخدمات المصرفية التقليدية. إنهم يتوقعون تجارب رقمية سلسة ومتكاملة، وإمكانية الوصول إلى الخدمات المصرفية في أي وقت ومن أي مكان. كما أنهم يبحثون عن حلول شخصية تلبي احتياجاتهم الفردية.
وأظهر استطلاع أجرته شركة «بي دبليو سي» أن 71 في المئة من المستهلكين يتوقعون تفاعلات شخصية مع الشركات، وأن البنوك التي لا تستطيع تلبية هذه التوقعات تخاطر بفقدان عملائها. هذا يتطلب من البنوك الاستثمار في تحليل البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لفهم احتياجات العملاء بشكل أفضل وتقديم خدمات مخصصة لهم.
أبرز التحديات
رغم الفرص الهائلة التي تتيحها التكنولوجيا، تواجه الصناعة المصرفية التحديات التالية:
1 - المنافسة المتزايدة: فلم تعُد المنافسة تقتصر على البنوك التقليدية، بل امتدت لتشمل شركات التكنولوجيا المالية والشركات التقنية الكبرى التي بدأت في تقديم خدمات مالية.
2 - الأمن السيبراني والاحتيال: مع تزايد الاعتماد على القنوات الرقمية، يزداد خطر الهجمات السيبرانية وعمليات الاحتيال، ما يتطلب استثمارات ضخمة في تدابير الأمان. تشير تقارير حديثة إلى أن خسائر الاحتيال عبر الإنترنت في القطاع المالي تتزايد بشكل ملحوظ.
3 - التنظيمات والقوانين: تحتاج البنوك إلى التكيف مع المنظومة التنظيمية والرقابية المتغيرة باستمرار، والتي تهدف إلى حماية المستهلكين وضمان استقرار النظام المالي في ظل التطورات التكنولوجية.
4 - تحديث البنية التحتية القديمة: يُعاني العديد من البنوك التقليدية من بنية تحتية تكنولوجية قديمة تعيق قدرتها على تبني التقنيات الجديدة بسرعة وكفاءة.
5 - جذب المواهب والاحتفاظ بها: يتطلّب التحوّل الرقمي وجود كوادر مؤهلة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والأمن السيبراني، وهو ما يمثل تحدياً في ظل المنافسة الشديدة على هذه الكفاءات.
أبرز الأسواق
وتشهد أسواق عدة حول العالم تحولات كبيرة في القطاع المصرفي، ولكن بعض المناطق تبرز بشكل خاص. منها آسيا، إذ تعتبر هذه المنطقة رائدة في تبني التكنولوجيا المالية، حيث تشهد نمواً هائلاً في استخدام تطبيقات الدفع الرقمي والخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول. دول مثل الصين والهند وسنغافورة تقود هذا التحوّل. على سبيل المثال، وصل معدل استخدام الدفع عبر الهاتف المحمول في الصين إلى مستويات قياسية.
كما يشهد السوق الأوروبي نشاطاً متزايداً في مجال التكنولوجيا المالية، مدفوعاً بأنظمة مثل توجيهات خدمات الدفع (PSD2) التي تسهل الوصول إلى بيانات العملاء المصرفية لجهات خارجية مرخصة، مما يشجع على ظهور خدمات مبتكرة.
إضافة إلى ذلك، تشهد الولايات المتحدة وكندا نمواً قوياً في قطاع التكنولوجيا المالية، مع تركيز خاص على مجالات مثل الإقراض عبر الإنترنت وإدارة الثروات الرقمية.
وتسجل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نمواً ملحوظاً في تبني الخدمات المصرفية الرقمية، مدفوعة بارتفاع نسبة الشباب المتعاملين مع التكنولوجيا وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية. على سبيل المثال، تتبنى العديد من البنوك الخليجية إستراتيجيات طموحة للتحوّل الرقمي.