بعد تعثّر الكثير من المشروعات الصغيرة والمتوسطة بسبب جائحة كورونا، وتوقّف «الصندوق الوطني لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة» عن تمويل مشروعات جديدة منذ الجائحة، فضلاً عن تفاقم أزمة البطالة المقنعة المزمنة في القطاع الخاص، أسوة بالقطاع العام، تضاعفت الحاجة إلى تبنّي خطّة إستراتيجية متكاملة لإصلاح سوق العمل الكويتي، تكون من بين أهدافها الرئيسة تشجيع وتحفيز الخريجين الكويتيين على العمل في القطاع الخاص، بالتزامن مع تخفيف البطالة المقنّعة في القطاع الخاص، ثم القضاء عليها.
بالنسبة لأزمة البطالة المقنّعة في القطاع العام، فهي مزمنة. وتكفي الإشارة إلى الندوة الانتخابية التي حضرتها في عام 1996، في مقر عبدالوهاب الهارون، النائب والوزير سابقاً.
ما سمعته في هذه الندوة حول الأزمة من حيث التشخيص والحلول، لا يختلف «في خطوطه العريضة» عن ما صرّح به جل الوزراء والنوّاب المتعاقبين بشأن الأزمة، منذ ذلك المساء إلى اليوم. والأزمة استمرّت في التفاقم، وتسلّلت إلى القطاع الخاص.
المسؤولية عن تفاقم الأزمة مشتركة بين العديد من الأطراف، ومن بينها المجتمع. ولكن مسؤولية السلطتين التشريعية والتنفيذية أعظم. فبعنوان التصدّي للبطالة، المجلس شرّع قوانين ترقيعية أو شعبوية، والحكومة أصدرت لوائح تنفيذية وقرارات مشوّهة في الصياغة أو التطبيق، والسلطة التشريعية تهاونت أو انحرفت في ممارسة دورها الرقابي.
الهارون، من السياسيين القلائل الذين أبدوا تحفّظهم على الكوادر والزيادات المتلاحقة، التي أقرّت بأهداف سياسية، خلال مرحلة سياسية معروفة، لفئات عديدة من العاملين في الجهات الحكومية. حيث أوضح أنه تحفّظ على الكوادر التي زادت الفوارق والمميزات المادية وغير المادية لصالح العاملين في القطاع العام على حساب العاملين في القطاع الخاص، في الاتجاه المعاكس للتوصيات المنبثقة من دراسات تخصّصية وفيرة لإصلاح سوق العمل الكويتي.
أزمة البطالة (الظاهرة والمقنعة) اليوم أكثر تفاقماً مما كانت عليه قبل ثلاثين سنة، في 1996، ومعالجتها باتت أصعب بكثير. فالاختلالات المسببة للأزمة، كالاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، تفاقمت باستمرار خلال الثلاثين سنة الأخيرة.
فعلى سبيل المثال على استفحال الاختلالات الاقتصادية، عند مقارنة المرحلة الحالية بمرحلة تسعينات القرن الماضي، نجد أن اليوم الفرص الاستثمارية الخالقة للوظائف أقل نسبياً، ونجد أيضاً أن جاذبية القطاع العام للكويتيين اليوم أسطع.
وبالنسبة لتفاقم الاختلالات الاجتماعية، أظهرت دراسات أن نظرة المجتمع السلبية لبعض المهن الفنية تفاقمت، من حيث توسّع نطاق المهن غير اللائقة للكويتي من منظور المجتمع، ومن حيث زيادة نسبة الذين يعتبرون تلك المهن غير لائقة.
وأما بالنسبة للاختلالات التعليمية، نجد أنها لم تعد تقتصر على الفجوة بين التعليم ومتطلبات سوق العمل، كما كانت قبل ثلاثين سنة. فالفجوة اتسعت، والشهادات الأكاديمية الوهمية استشرت.
المقصود بالشهادات الوهمية ليس الشهادات المزورة أو غير المعتمدة، بل تلك الرسميّة التي مُنحت ولا تزال تمنح من جامعات وكليات محلية وخارجية، مُعتمدة لدى التعليم العالي، خرّيجوها غير مؤهلين إطلاقاً (لا علمياً ولا عملياً) لممارسة المهام الوظيفية الأساسية في مجالات اختصاصاتهم.
فالخريج الكويتي حامل الشهادة الأكاديمية الوهمية، عندما يتوجّه إلى القطاع الخاص، بعد طول انتظار الوظيفة الحكومية، غالباً ما يعجز عن التوظّف في القطاع الخاص، إلا في وظيفة صورية تُمكّنه من الحصول على مكافأة دعم العمالة وتساعد جهة التوظيف في استفاء شروط الحصول على المميزات الواردة في قانون رقم (19) لسنة 2000 بشأن دعم العمالة الوطنية وتشجيعها للعمل في الجهات غير الحكومية.
ومن أجل معالجة هذا العجز، أكرر دعوتي إلى منح دكاترة «التطبيقي» إجازة تفرّغ مهني، لمدة فصل دراسي واحد كل ثماني سنوات – مثلاً – للتطوّع بدوام كامل في القطاع الخاص وفق تخصّصه...
اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه.