نتنياهو يعلن نزع السلاح من جنوب سوريا... ليبدأ احتلال ثلاث مناطق

قوات الاحتلال الإسرائيلي تتوسع في المنطقة العازلة مع سوريا
قوات الاحتلال الإسرائيلي تتوسع في المنطقة العازلة مع سوريا
تصغير
تكبير

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تحول كبير في السياسة، مؤكداً أن تل أبيب ستنفذ نزْع السلاح الكامل من ثلاث محافظات جنوبية سوريا، القنيطرة ودرعا والسويداء.

وتشير مواقف نتنياهو، التي أدلى بها في حفل تخرج عسكري، إلى نية إسرائيل تشديد قبضتها على المنطقة وتوسيع احتلال المزيد من الأراضي السورية، بذريعةِ المخاوف في شأن السكان الدروز في السويداء.

وفيما دخلت دبابات الاحتلال الإسرائيلي محافظة درعا وتقدّمت نحو محافظة السويداء التي يسكنها الدروز بشكل أساسي، دان كبار القادة الدروز «أي تدخل خارجي» في سيادة سوريا، لكن قدرتهم محدودة للغاية في مواجهة القوة المتفوقة المحتلة.

تعهد نتنياهو بتأمين جنوب سوريا

بعد انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، أصبحت المناطق الجنوبية من سوريا بمثابة نقطة محورية لخطط التوسع الإسرائيلية وتعويضاً عن الفشل في تحقيق الأهداف كاملةً في غزة ولبنان. وفي كلامه الأخير، أوضح نتنياهو أن إسرائيل «لن تتسامح مع وجود الجيش السوري الجديد أو الجماعات المتمرّدة جنوب دمشق»، وقال متخذاً موقفاً غير قانوني: «لن نسمح لقوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد بدخول المنطقة الواقعة جنوب دمشق (...) ونطالب بنزع السلاح الكامل في جنوب سوريا، في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء. وبالمثل، لن نتسامح مع أي تهديد للمجتمع الدرزي في المنطقة».

ويولي إعلان نتنياهو اهتماما كبيراً للمجتمع الدرزي، وهم أقلية دينية منتشرة في جميع أنحاء سوريا ولبنان وإسرائيل. وفي حين رفضت غالبية الدروز في مرتفعات الجولان المحتلة تاريخياً الجنسية الإسرائيلية، فإن الدروز الإسرائيليين يخدمون في الجيش، ما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى التوترات التي لا تنتهي.

وعزّز وزير الدفاع يسرائيل كاتس تصريحات نتنياهو، مؤكداً أن القوات الإسرائيلية أنشأت مواقع عسكرية متعددة، بما في ذلك اثنان على جبل الشيخ وسبعة داخل المنطقة العازلة. وقال «ستبقى قواتنا لفترة غير محددة لحماية مجتمعاتنا وإحباط أي تهديد».

ويشكّل استمرار وجود إسرائيل في جنوب سوريا تحدياً مباشراً لقرارات مجلس الأمن واتفاقية وقف إطلاق النار التي توسّطت فيها الأمم المتحدة عام 1974، والتي أنشأت منطقة عازلة منزوعة السلاح بين الأراضي التي تحتلّها إسرائيل وبين سوريا.

وكانت الاستجابة الدولية لإعلان نتنياهو الأخير متباينة. فقد أكدت الإدارة الحالية للولايات المتحدة - التي منحت مرتفعات الجولان السورية المحتلة لإسرائيل في ولاية دونالد ترامب الأولى - أن «إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها». من ناحية أخرى، دعت روسيا إلى «احترام السيادة السورية» لكنها امتنعت عن التدخل المباشر.

التوسع العسكري الإسرائيلي في جنوب سوريا

لقد توسع الوجود الإسرائيلي في جنوب سوريا منذ سقوط الأسد. إذ كان احتلال جبل الشيخ مكسباً استراتيجياً بشكل خاص لتل ابيب، حيث يوفر نقطة مراقبة عالية الارتفاع حاسمة لكل العمليات العسكرية والمراقبة. واستولت إسرائيل في البداية على الجزء الجنوبي من الجبل خلال حرب الأيام الستة عام 1967 وعزّزت موقفها هناك خلال حرب يوم الغفران عام 1973.

وتشير التطورات الأخيرة إلى أن إسرائيل تعمل على ترسيخ نفسها بشكل أكبر في سوريا وفي المواقع المرتفعة على الجانب الآخَر من الحدود، في لبنان. ومع وجود موقعين عسكريين راسخين الآن على جبل الشيخ وسبعة مواقع إضافية، فإنها تعمل على إنشاء ممر عسكري يمتدّ عميقاً في الأراضي السورية، ليس بعيداً عن العاصمة دمشق.

ويشير هذا التوسع في البنية التحتية العسكرية إلى أن أهداف تل أبيب تتجاوز المخاوف الأمنية الفورية (غير الموجودة). فمن خلال إنشاء وجود قوي في سوريا، تضع إسرائيل الأساس لسيطرة طويلة الأجَل على المناطق الاستراتيجية الرئيسية، إذ إن المواقع العسكرية التسعة التي أنشأتها أخيراً تخدم أغراضاً استراتيجية متعددة:

* توافر التضاريس المرتفعة لجبل الشيخ لإسرائيل خطَّ رؤيةٍ مباشراً إلى كل من سوريا ولبنان، ما يجعلها أصلا حاسماً لمراقبة تحركات الميليشيات المدعومة من إيران و«حزب الله».

* من خلال نشر القوات في المنطقة العازلة، تمنع إسرائيل فعلياً إعادة تشكيل القوة العسكرية السورية في الجنوب، ما يضمن إضعاف أي إدارة سوريا مستقبلية.

* إسقاط القوة العسكرية: يسمح وجود هذه المنشآت العسكرية لإسرائيل بنشر القوات بسرعة وشنّ ضرباتٍ استباقية في حال وجود تهديد محتمل.

* التأثير النفسي والسياسي: يوجّه الوجود الإسرائيلي المتزايد رسالةً مفادها أن تل أبيب ليس لديها نية للتخلي عن السيطرة على جنوب سوريا.

في أعقاب الحرب في سوريا وسقوط بشار الأسد، قامت إسرائيل بتفكيك البنية التحتية العسكرية السورية بشكل منهجي، ونفّذت سلسلةً من الضربات المدمّرة التي تركت القوات المسلّحة للبلاد ضعيفة بشكل كبير. ومن خلال حملة جوية استمرت لسنوات، استهدفت تل أبيب أصولاً استراتيجية رئيسية، ما أدى إلى شل قدرة سوريا على إعادة تأسيس قدراتها الدفاعية.

كان أحد الأهداف الرئيسية لإسرائيل أنظمة الدفاع الجوي السورية. من خلال ضرب أنظمة صواريخ «S-300» و«Pantsir»، الروسية باستمرار، جعلت إسرائيل سوريا غير قادرة تقريباً على تحدي التفوق الجوي الإسرائيلي. وقد سمح تدمير هذه الأنظمة للطائرات المقاتلة الإسرائيلية بالعمل مع الإفلات من العقاب تقريباً فوق المجال الجوي السوري، ما حدّ من قدرة دمشق على ردع أو الرد على التوغلات المستقبلية.

وكان التركيز الرئيسي الآخَر على مستودعات الأسلحة والقواعد العسكرية التي كانت بمثابة نقاط إمداد رئيسية لإيران وحزب الله. وقد نجحت الضربات الإسرائيلية مراراً وتكراراً في تحييد مخزونات الأسلحة، ومنْع استخدامها ضد القوات الإسرائيلية أو نقلها إلى الفصائل المتحالفة في جميع أنحاء المنطقة. كما استهدفت إسرائيل البنية التحتية للقوات الجوية السورية، وقصفت القواعد الجوية ومدارج الطائرات في جميع أنحاء البلاد. وأدت هذه الضربات فعلياً إلى شل قدرة سوريا على إجراء العمليات الجوية، وتعطيل جزء كبير من أسطولها الجوي وتقليص قدرتها على القتال الجوي أو الدعم اللوجستي.

وبعيداً عن القوة الجوية التقليدية، سعت إسرائيل أيضاً إلى تعطيل الرادار السوري ومراكز القيادة، وقدرات الاتصالات والمراقبة العسكرية. ومن خلال استهداف هذه العقد الحرجة، قوّضت القوات الإسرائيلية قدرة سوريا على تنسيق جهود الدفاع ما جعلها عرضة لمزيد من الضربات.

وكانت البحرية السورية، التي تشكل بالفعل قوة صغيرة في المنطقة، ضحية أخرى للهجمات الإسرائيلية. فقد أدت الضربات الجوية على المنشآت البحرية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى إضعاف الكثير من القدرات العسكرية البحرية السورية، ومنْع أي عمليات بحرية ذات مغزى.

وقد امتد الدمار إلى أساطيل المروحيات السورية، حيث أدت العمليات الإسرائيلية إلى القضاء على عدد كبير من الطائرات. ونَتَجَ عن ذلك تقييد قدرة سوريا على نشر القوات بسرعة أو إجراء مهام الدعم الجوي ما حدّ من قدرة وفعالية ما تبقى من قواتها العسكرية.

وإضافة إلى الضربات، استهدفت القوات الإسرائيلية بشكل منهجي مستودعات الأسلحة الاستراتيجية، ما أدى إلى القضاء على أكثر المعدات العسكرية السورية تقدُّماً. ومن خلال تدمير هذه المخزونات، ضَمَنَتْ إسرائيل أن سوريا تفتقر إلى الموارد اللازمة لدعم العمليات العسكرية رفيعة المستوى أو تطوير أنظمة أسلحة متطورة.

وأخيراً، كانت مرافق تصنيع الأسلحة هدفاً رئيسياً للغارات الجوية الإسرائيلية. ومع تدهور البنية الأساسية لإنتاج الأسلحة المحلية في سوريا بشكل خطير، تظل البلاد معتمدة على الدعم العسكري الأجنبي، وعاجزة عن تجديد مخزوناتها المفقودة. وقد نجحت هذه الاستراتيجية طويلة الأمد في تحييد قدرة سوريا على إعادة بناء جيشها، الأمر الذي ضَمَنَ أن أي محاولة لاستعادة القدرة الاستراتيجية ستعتمد على جهات خارجية.

ومن خلال هذه الحملة العسكرية المستمرة، لم تنجح إسرائيل في القضاء على التهديدات المباشرة فحسب، بل أعادت أيضاً تشكيل التوازن الإقليمي في المنطقة. إذ يؤكد تدمير البنية التحتية الدفاعية السورية على استراتيجية إسرائيل الأوسع نطاقاً لضمان عدم قدرة جارتها الشمالية على فرض أي تحدٍّ أمني مستقبلي. ومن خلال العمليات العسكرية المستمرة والمناورات الإقليمية الاستراتيجية، أوضح نتنياهو أن نفوذ إسرائيل في مستقبل سوريا سيكون حاسماً ودائماً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي