السبت... يوم الحسم

أجندة نتنياهو وترامب في غزة... من الاحتلال إلى الضمّ

فلسطينيون يسيرون أمام فندق غرب غزة تعرض لأضرار جسيمة جراء الحرب الإسرائيلية 
(أ ف ب)
فلسطينيون يسيرون أمام فندق غرب غزة تعرض لأضرار جسيمة جراء الحرب الإسرائيلية (أ ف ب)
تصغير
تكبير

من ادعائه أنه «يملك غزة» إلى إعلانه أن الفلسطينيين «ليس لديهم حق العودة»، تَمَيَّزَ خطاب الرئيس دونالد ترامب ونهجه تجاه الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بالارتجال المتهوّر، مستخدماً لغة الإنذارات النهائية والتهديد.

ففي أحد تصريحاته الأكثر إثارة للقلق، أصدر ترامب تحذيراً صارخاً لـ «حماس»: «إذا لم يتم إطلاق سراح جميع السجناء بحلول ظهر يوم السبت، فسيتم إلغاء وقف النار، وسيُطلق العنان للجحيم على حماس». وهذا الإنذار يسلط الضوء بشكل أكبر على السياسة الخارجية التي تنتهجها إدارته.

وقد أدى نهج ترامب، الذي يحرّكه عدم فهمٍ للقضايا العميقة الجذور في المنطقة، إلى سياساتٍ مصمَّمة لتعزيز صورته الشخصية أكثر من تعزيز السلام أو الاستقرار في الإقليم. وليس أدلّ على ذلك من الاقتراح المثير للجدل الذي عبّرت عنه خطته لشراء غزة وامتلاكها، وتحويلها إلى مشروع تطوير عقاري، وربما تسليم أجزاء منها إلى دول أخرى في الشرق الأوسط.

وإذ صرّح الرئيس الأميركي صراحةً أنه لن يكون هناك حق العودة للفلسطينيين في ظل سيطرته على غزة، وهي الخطوة التي تتجاهل بشكل صارخ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي، فإن هذه المناورة الجيو - سياسية غير المسبوقة تطرح مخاوفَ قانونيةً وديبلوماسيةً وإستراتيجيةً خطيرة كما تثير غضب الفلسطينيين الذين يرفضون أن يتم التعامل معهم كسكان للبيع.

وأدت تعليقات ترامب إلى تعقيد وقف النار الهش بالفعل في غزة، حيث أشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى نيته تقويض المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار، في حين فشل في الالتزام الكامل بشروط المرحلة الأولى. وأدى تجاهله للالتزامات الإنسانية التي نصّت عليها إلى تَفاقُم التوترات ووضْع الاتفاق برمّته في خطر.

ولم تبدأ المفاوضاتُ في شأن المرحلة الثانية بعد، إذ يزور وفدٌ فني إسرائيلي منخفض المستوى قطر حالياً لمناقشة الجوانب الفنية فيها وذلك بعد أكثر من أسبوع من الموعد المنصوص عنه في اتفاق وقف النار. ويثير هذا التأخير المزيد من المخاوف من أن تل أبيب تعطّل العملية، وربما تستخدم المحادثات الجارية كستار دخان لتجنّب المزيد من الالتزامات في حين تعمل على تقويض اتفاق وقف النار الأوسع.

ودَفَعَ هذا الموقف المتحدّي «حماس» إلى تعليق المفاوضات حتى يتم تنفيذ المرحلة الأولى بالكامل، وخصوصاً لجهة ضمان استمرار المساعدات الإنسانية، وعودة النازحين الفلسطينيين، والالتزام بالشروط المُتَّفَق عليها. ومع ذلك، يمكن أن يَستخدم نتنياهو مثل هذه الخطوة كذريعة لإعلان أن «حماس» تنتهك وقف النار، وبالتالي تمهيد الطريق لحملة عسكرية متجددة.

وبدل شنِّ هجومٍ شامل آخر على الفور، قد يفكر نتنياهو بالاستفادة من تحذير ترامب بإلغاء وقف النار بحلول السبت إذا لم يتم تبادل الأسرى الإسرائيليين. ومن شأن هذه المناورة المحسوبة أن تسمح لإسرائيل بتشديد قبضتها على غزة من جديد، وإضعاف مقاومتها، وتعزيز طموحاتها الأوسع في الضم.

وفي ظل عدم وجود خطة واضحة للحُكْم بعد الحرب في غزة، ومع افتقار كل من الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إستراتيجية طويلة الأجَل، فإن تصرفات نتنياهو تؤكد حقيقةً مفادها أن السيطرة العسكرية غير المحدّدة تظل الهدف الافتراضي، وليس أي محاولة حقيقية للتوصل إلى حل سياسي.

من ناحية أخرى، أصبحت عودةُ الفلسطينيين من الجنوب إلى شمال غزة عبر ممرّ نتساريم - وهي المنطقة التي أكملت إسرائيل انسحابها منها - رمزاً قوياً للصمود والنصر الفلسطيني. وقد أحبطتْ هذه الحركة بفعالية خطةً التقسيم التي وَضَعَها اليمين الإسرائيلي المتطرف وأوقفت طموحاتهم للاستيطان في شمال غزة.

وتشكل عودة الآلاف من الفلسطينيين إلى أرضهم رمزاً لتحدي أجندة الضم التي يتبنّاها نتنياهو ووزير المال المتطرف بتسلئيل سموتريتش. وعلاوة على ذلك، استعرضت المقاومة الفلسطينية معداتها العسكرية الكاملة، كما عرضت الأسلحة الإسرائيلية التي حصلت عليها حديثاً والتي تم الاستيلاء عليها أثناء الحرب. ومن خلال المشاهد بالزيّ العسكري النظيف وفي المركبات الجديدة وإظهار تشكيلاتها المنظمة للغاية وجّهت «حماس» رسالة واضحة: إن ادعاء نتنياهو بأن المقاومة الفلسطينية هُزمت كاذب تماماً، وأنه بعيداً من بروباغندا الانهيار التي تروّج لها تل أبيب، فقد خرجت المقاومة ومباشرة بعد الحرب أقوى وأكثر تنظيماً وأكثر قدرة من أي وقت وهو ما يضرب السردية الإسرائيلية عن النصر، وكتبت خلف الأسرى الإسرائيليين الذين أُطلق سراحهم أن المقاومة هي البديل للحُكم بعد حرب غزة، في تحدٍّ مزدوج لإسرائيل وأميركا.

ترامب: «نحن ملتزمون بامتلاك غزة والاستيلاء عليها»

صرّح ترامب بشكل لا لبس فيه أنه جدي في شأن شراء غزة وامتلاكها. وأوضح: «في ما يتعلق بإعادة بناء القطاع، فقد نعطيه لدول أخرى في الشرق الأوسط لبناء أجزاء منه. نحن مصمّمون على امتلاكه، والاستيلاء عليه. سنجعله مكاناً جيداً جداً للتنمية المستقبلية. لن يكون للفلسطينيين حق العودة إلى غزة بموجب خطتي للاستيلاء عليها».

ويترجم هذا التصريح نظرية ترامب وسلوكه في ما خص التعامل مع غزة كسلعة وليس أرضاً يسكنها ملايين الفلسطينيين الأصليين الذين تربطهم علاقات تاريخية عميقة. وقد أثار الاقتراح بالفعل معارضةً دولية شرسة لتَجاهُله الصارخ للسيادة الفلسطينية وحقوق الإنسان.

بعد عودته من زيارته للولايات المتحدة، قال نتنياهو إنه اتفق مع ترامب على مستقبل غزة، مشيراً إلى أنه يجب تدمير «حماس» وعدم السماح لها بحُكْم القطاع. ومع ذلك، دفع الرئيس الأميركي نحو التطهير العرقي لغزة، مبرراً ذلك بأنه «موقت»، على الرغم من عدم وجود إطار واضح لِما سيأتي بعد الحرب. إذ ليس لدى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل خطة ملموسة لحُكْم غزة بعد الحرب سوى تهجير السكان.

وقد فشلت إسرائيل في نزع سلاح المقاومة الفلسطينية أو إطلاق سراح السجناء بالوسائل العسكرية لمدة 15 شهراً. وعلى الرغم من الجهود الدؤوبة، فشلتْ إسرائيل أيضاً في تقديم بديل لحماس، تاركة غياب الخطة كخطة وحيدة، وهو الوضع الذي يخدم إطالة أمد السيطرة العسكرية بدل تعزيز الحل السياسي.

وفي ردّ مباشر على خطة ترامب - نتنياهو، رفضتْ مصر والمملكة العربية السعودية في شكل قاطع أي نقل قسري للفلسطينيين. وأوضحت وزارة الخارجية السعودية والحكومة المصرية أنهما تقفان بحزم مع الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه وقضيته العادلة. ويقوّض هذا الموقف الثابت أي جدوى لمقترح ترامب - نتنياهو الذي يفتقر إلى الدعم الإقليمي الذي يوحي بأنه يمكن تنفيذه.

دعم سموتريتش المشروط لتبادل الأسرى

صرح بتسلئيل سموتريتش أنه لن يدعم صفقة تبادل الأسرى إلا إذا تم نزع السلاح من غزة بالكامل. ووفق سموتريتش، فإن أي تبادل يتطلب من الفلسطينيين تسليم جميع أسلحتهم وتفكيك حماس وطرد قادتها. ومن دون هذه الشروط، تَعَهَّدَ بمعارضة المرحلة الثانية من المفاوضات ورفْض أي تسوية.

كما زَعَمَ سموتريتش أن تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار من شأنه أن يؤدي إلى الانسحاب من ممر فيلادلفيا والسماح لحماس بالبقاء في السلطة، وهي النتيجة التي يعتبر أنها غير مقبولة. وهو حذّر من أن مثل هذا السيناريو يمكن أن يُفْضي إلى انهيار حكومة نتنياهو.

ويتمتع وزير المال الاسرائيلي بقوة سياسية كبيرة داخل ائتلاف نتنياهو، ومع ذلك، فإنه لا يمثل غالبية الحكومة، حيث يؤيد العديد من الوزراء قرار نتنياهو بالمضي قدماً في المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار بما يتماشى مع المصالح الأميركية والالتزامات الدبلوماسية. وعلاوة على ذلك، يظل التركيزُ الأساسي لسموتريتش على الضفة الغربية، حيث ان هدفه الرئيسي هو ضمّ المزيد من الأراضي الفلسطينية، وليس غزة، التي لا يراها أولوية فورية. ولذلك فمن غير المرجح إلى حد كبير أن تسقط حكومة نتنياهو إذا وافقت غالبية الوزراء، وربما الكنيست، على المرحلة الثانية من وقف النار.

وبينما يَحدث التطهيرُ العرقي الذي يشكل انتهاكاً لكل مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، يقف العالم متفرجاً، في الوقت الذي لا ينبغي حماية المَسيرة السياسية لرئيس وزراء إسرائيلي واحدٍ على حساب وجود شعب بأكمله، وخصوصاً عندما يواجه هذا الزعيم مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو الدعم الثابت من جانب الرئيس الأميركي الذي يتعاطى مع العالم بمنطق الصفقة العقارية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي