الأمل الهش في العودة والمصالحة يقدم لحظة نادرة من التفاؤل في منطقة مزّقتْها عقود من الاضطرابات

وقفُ إطلاقِ نارٍ هش أم دائم... بين إسرائيل و«حماس»؟

المدفعية الإسرائيلية تقصف غزة قبل ساعات من سريان الاتفاق (رويترز)
المدفعية الإسرائيلية تقصف غزة قبل ساعات من سريان الاتفاق (رويترز)
تصغير
تكبير

إن موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي على اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة «حماس» بدءاً من صباح اليوم الأحد، يمثل لحظة مهمة في الحرب الأكثر تدميراً على غزة منذ أكتوبر 2023.

وقف إطلاق النار، الذي أقرته حكومة مكونة من 24 وزيراً، كان محفوفاً بالتوترات السياسية والذي سيسفر عن استقالة إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، الذي أكدت اعتراضاته، الانقسامات العميقة داخل قيادة إسرائيل.

ولا يختلف هذا التفاهم عن الاتفاق الذي اقترحه الرئيس الأميركي جو بايدن والمفاوضون الإسرائيليون في مايو 2024، والذي وافقتْ عليه «حماس» حينها ورفَضه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحت ضغط من بن غفير.

واليوم، يكشف قبول نتنياهو لاتفاق مماثل، ليس فقط عن حدود الإستراتيجية العسكرية لحكومته ولكن أيضاً عن الحقائق السياسية والإنسانية المتغيّرة على الأرض وعن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلَنة وبقاء حماس في القطاع غير مهزومة.

إن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه أخيراً، هو اتفاق متعدد المراحل مصمم لتوفير إطار لحل طويل الأمد.

وفي حين سيتم إطلاق المرحلة الأولى بنجاح، فإن الجزأين الثاني والثالث لايزالان يفتقران إلى جداول زمنية محددة ويعتمدان على الإرادة السياسية والوساطة الخارجية، بما في ذلك التأثير المحتمل من الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب على نتنياهو الذي سيحاول اللعب على بنوده من مفهومه الخاص و«حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها».

العودة: تحول رمزي وإستراتيجي

ربما يكون الجانب الأكثر عمقاً في وقف إطلاق النار هو الوعد بالعودة للفلسطينيين. ويسمح الاتفاق بالحركة غير المقيدة للنازحين من جنوب غزة إلى ديارهم في الشمال، وهو بند يحمل ثقلاً رمزياً هائلاً.

وبالنسبة لشعب ترتبط هويته ارتباطاً عميقاً بحق العودة، فإن هذا التطور يشكل تحدياً كبيراً لإسرائيل.

إن اتفاق وقف النار يعكس النفوذ المستمر للدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط. ورغم رفضه في مايو 2024، فقد أرسى الاقتراح السابق الذي قدمه بايدن الأساسَ للاتفاق الحالي.

وشكل تركيز إدارة بايدن على الإغاثة الإنسانية الفورية والاستقرار الطويل الأمد هيكل الاتفاق، حتى مع إدخال رئاسة ترامب المقبلة شكوكاً جديدة.

إن موقف ترامب من الجزأين الثاني والثالث من الاتفاق سيكون محورياً. وقد يحدد نهجُ إدارته في التعامل مع العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية إذا كانت هذه المراحل تؤدي إلى سلام دائم أو الانهيار إلى صراع متجدد.

صمود «حماس»

بالنسبة للحركة، يمثل وقف إطلاق النار نتيجة مختلطة. إذ عسكرياً تم تدمير جزء كبير من بنيتها التحتية وقتْل عدد لا يستهان به من قادتها وعناصرها... لكنها تستقطب الآلاف من المتطوعين - حسب ما أكده وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.

ومع ذلك، فقد نجحت - وهو نصر كبير في حد ذاته - في البقاء والالتحام مع العدو يومياً. إضافة إلى ذلك، فإن قدرة «حماس» على تحمل الهجوم الإسرائيلي الأشرس والأكثر وحشية والتدمير وتأمين إطلاق سراح السجناء سيعزّز مكانتها.

إن مرونة المجموعة تضمن أنها ستظلّ لاعباً رئيسياً في غزة، وقادرة على إعادة بناء قواتها وبنيتها الأساسية بمرور الوقت. وهذا الوجود الدائم يتحدى مزاعم إسرائيل بالنصر ويثير تساؤلات حول فعالية إستراتيجيتها العسكرية في الأمد البعيد.

وستنصب الجهود على إعادة بناء قدرات الحركة وأخذ العبر من الحرب، وهذا يثير المخاوف في إسرائيل في شأن احتمال نشوب صراعات مستقبلية.

المرحلة الأول: إطلاق سراح السجناء وخفض التصعيد الفوري

تركز المرحلة الأولى، المقرَّر أن تستمر 42 يوماً، على الأهداف الإنسانية والأمنية الفورية. ومن بين هذه الأهداف إطلاق 33 رهينة إسرائيلياً تحتجزهم الحركة في غزة، وهو التطور الذي أشاد به نتنياهو باعتباره انتصاراً.

بالنسبة لحماس، فإن الإفراج المتبادل عن أكثر من 1000 سجين فلسطيني، بما في ذلك أولئك الذين يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة إلى القدس والضفة الغربية المحتلة وغزة ودول أخرى، يُعد إنجازاً كبيراً، ويعزز روايتها للمقاومة والتزامها بالقضية الفلسطينية.

وسيشكل وصول الأسير الأول المحرر إلى أهله المسمار الأول في نعش حكومة نتنياهو التي لن تصمد حتى أكتوبر 2026، يوم الانتخابات المقبلة.

وعلاوة على ذلك، يتضمن الجزء الأول شرطاً إنسانياً رئيسياً: تدفق المساعدات إلى غزة والعودة غير المقيدة للفلسطينيين النازحين إلى جنوب غزة إلى ديارهم في الشمال.

هذا العنصر الرمزي والعملي، الذي يسمح لعشرات الآلاف بالعودة إلى أراضيهم المهجورة والمدمرة، يشكل تحولاً عميقاً.

وبالنسبة للعديد من الفلسطينيين، فإن هذه «العودة» ليست مجرد حركة مادية، بل هي استعادة عاطفية وسياسية عميقة لحقوق حُرموا منها لعقود من الزمن منذ نكبة 1948 وما تلاها.

ومع ذلك، فإن الجزءان الثاني والثالث من الاتفاق مثقلان بالغموض. ومن المتوقع أن تعالج هذه المراحل قضايا أوسع نطاقاً مثل إعادة إعمار غزة، وحل الأراضي المتنازع عليها مثل ممر فيلادلفيا ونتساريم، ومستقبل القدرات العسكرية لحماس.

إن غياب المواعيد النهائية الثابتة يهدد بإطالة أمد المفاوضات إلى أجل غير مسمى، وهو الوضع الذي قد يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار.

التنازلات المحسوبة لنتنياهو وممرا فيلادلفيا ونيتساريم

إن قبول نتنياهو بوقف النار يسلط الضوء على موقفه السياسي الهش. فبعد أشهر من القتال العنيف، فشلت إسرائيل في تحقيق هدفها الأساسي: تأمين إطلاق سراح الرهائن بالوسائل العسكرية وتحقيق «نصر كامل» من خلال القضاء على حماس.

وعلى الرغم من نشر أحد أكثر الجيوش تقدماً في العالم، فإن الحملة الإسرائيلية اللا أخلاقية قتلت وجرحت أكثر من مئتي ألف فلسطيني وتركت غزة في حالة خراب ولكنها لم تقضِ على قيادة حماس أو بنيتها التحتية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الجانب المثير للجدل بشكل خاص في وقف إطلاق النار هو الانسحاب المخطَّط له من ممر فيلادلفيا والتخلي النهائي عن منطقة نتساريم.

ولطالما صوّر نتنياهو كلا المنطقتين على أنهما ضرورتان لا غنى عنهما لأمن إسرائيل.

والاتفاق على التخلي عن هذه المناطق يقوّض هذا السرد، ما يجبر نتنياهو على مواجهة انتقادات المتشددين داخل ائتلافه وفي الشارع الإسرائيلي الذي تحمل الحرب للوصول إلى أهداف لم تتحقق.

وينظر المتشددون في إسرائيل إلى هذه التنازلات باعتبارها خيانة، في حين ينظر إليها الفلسطينيون باعتبارها خطوات أساسية نحو العدالة والاستقلال وعودة شريان الحياة إلى القطاع المنكوب.

استقالة بن غفير وبقاء سموتريش

إن استقالة بن غفير الآتية - وزير الأمن الوطني والمشرف على الشرطة والأمن الداخلي، والسجون والفظائع التي ترتكب ضد السجناء - تؤكد على الانقسامات الداخلية في حكومة نتنياهو.

وقد اعترف بن غفير، الذي عارض وقف النار علناً، بدوره في إفشال اتفاق مايو 2024. ولا تعكس استقالته استياءه من تنازلات نتنياهو فحسب، بل تشير أيضاً إلى التوترات المتزايدة داخل الفصائل السياسية اليمينية المتطرفة في إسرائيل.

ويركّز الوزير المتطرف على تأكيد السيادة اليهودية، خصوصاً في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وهو يدافع عن سياسات تمييزية بشكل علني ضد الفلسطينيين، بما في ذلك الدعوات إلى الطرد الجماعي للعرب «غير الموالين».

ويستخدم بن غفير خطاباً تحريضياً في كثير من الأحيان، وقد ارتبط اسمه بجرائم ضد الإنسانية وانتهاك اتفاقية جنيف. وقد اقتحم مجمع المسجد الأقصى (جبل الهيكل) مراراً، الأمر الذي أدى إلى تصاعد التوترات.

أما بتسلئيل سموتريتش الذي يشغل منصب وزير المال ويتولى أيضاً مسؤوليات تتعلق بالإدارة المدنية في الضفة الغربية، بما في ذلك تطوير المستوطنات والبنية الأساسية، فقد رفض الاتفاق دون أن يهدد بالاستقالة.

إذ إن سياسته موجّهة نحو زيادة الدعم الحكومي للمستوطنات والحدّ من الفوائد الاقتصادية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة واحتلال وقضم أكبر عدد ممكن من الأراضي الفلسطينية وتوسيع جغرافية إسرائيل نحو الدول المجاورة.

الخلاصة: أمل هش

إن وقف النار يشكل نقطة تحول في صراعٍ حدّد ملامح الشرق الأوسط لعقود من الزمن.

وفي حين تُقَدِّمُ المرحلة الأولية من الاتفاق بصيصاً من الأمل، فإن الطريق إلى الأمام محفوف بالتحديات.

فبالنسبة للفلسطينيين، يرمز الوعد بالعودة إلى الانتصار على القوة العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط والاعتراف بحقوق وجودهم على أراضيهم. في حين يعكس الاتفاق بالنسبة للإسرائيليين الحقائق المعقدة المتمثلة في تحقيق التوازن بين الأمن والدبلوماسية والسياسة الداخلية.

إن نجاح وقف إطلاق النار في نهاية المطاف سيعتمد على استعداد جميع الأطراف للانخراط في حوار هادف ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع.

أما سؤال: هل يمثّل هذا الاتفاق خطوةً نحو السلام الدائم أم مجرد توقف موقت للأعمال العدائية، فالجوابُ عليه يبقى رهن المستقبل.

وفي الوقت الحالي، يقدم الأمل الهش في العودة والمصالحة لحظة نادرة من التفاؤل في منطقة مزّقتْها عقود من الاضطرابات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي