من لبنان إلى منزل رئيس الوزراء في قيساريا

كيف استهدفت غارة «حزب الله»... نتنياهو وزادت من تعقيدات الصراع الإيراني - الإسرائيلي!

عناصر أمنية قرب مقر إقامة نتنياهو في قيساريا   (أ ف ب)
عناصر أمنية قرب مقر إقامة نتنياهو في قيساريا (أ ف ب)
تصغير
تكبير

- العواقب الإستراتيجية لتأطير الهجوم باعتباره عملية إيرانية

كانت غارة «حزب الله» بطائرة من دون طيار على منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيساريا، بمثابة لحظة محورية في الصراع المستمرّ بين الحزب وإسرائيل.

فهذا الهجوم غير المسبوق لا يشير إلى تصعيدٍ دراماتيكي في التكتيكات العسكرية فحسب، بل يسلّط الضوء أيضاً على الطبيعة المعقّدة والمتعددة الطبقة للمواجهة الإقليمية، لا سيما مع اتهام إسرائيل لإيران بالتورط.

وفي مفارقة بارزة، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أخيراً، أن «قيادة حزب الله مشتتة من دون أي مكان آمن للذهاب إليه».

ومع ذلك، فإن ضربة المسيرة على منزل نتنياهو، تشير إلى أن القادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل هم الآن الذين يواجهون هذه المعضلة بالضبط.

إذ بإظهار الحزب لقدرته على الوصول إلى قلب القيادة الإسرائيلية، يبدو أن تل أبيب أيضاً لا تعرف أين تضع قادتها بشكل آمن، والذين من المرجح الآن أن يكونوا مشتَّتين ومن دون مكان آمن حقاً للذهاب إليه.

ويعكس هذا الهجوم أيضاً، جهداً إستراتيجياً من جانب «حزب الله» لمعاودة فرْض ردعه على إسرائيل بعد مزاعمها عن تدهور قدراته الصاروخية والعسكرية في شكل كبير.

فبعد أسابيع من الغارات الجوية والعمليات العسكرية التي تستهدف بنيته التحتية في لبنان وسورية، ادعت تل أبيب علناً، تحقيقَ نجاح كبير في الحد من تهديد الحزب إلى الحد الأدنى.

ومع ذلك، فإن الضربة الدقيقة على منزل نتنياهو تدحض هذه التأكيدات، ما يدل على أن الحزب لا يحتفظ بقدراته الصاروخية والمسيرات فحسب، بل لديه القدرة على استهداف أهداف رفيعة المستوى في العمق الإسرائيلي ولديه معلومات استخباراتية كافية.

لقد صوّرتْ تل أبيب هذا الهجوم، ليس فقط باعتباره عملاً منعزلاً من جانب الحزب، بل باعتباره عملية مدعومة من إيران، ما يضعه في السياق الأوسع أي الصراع الإسرائيلي - الإيراني على الهيمنة الإقليمية. ويسمح هذا التأطير لإسرائيل بتسليط الضوء على دور طهران باعتبارها الراعي الرئيسي للحزب، عسكرياً ومالياً، ويخدم لتبرير رد أكثر عدوانية، ربما يستهدف الأصول الإيرانية في سورية أو حتى داخل إيران نفسها.

لقد كان دور طهران في عمليات الحزب نقطة خلاف لفترة طويلة بالنسبة لإسرائيل. فقد زوّدت طهران الحزب بأسلحة متطورة، بما في ذلك المسيرات والصواريخ الموجهة بدقة، ما يجعل من الممكن لهذه المجموعة تنفيذ هجمات متزايدة التعقيد ضد أهداف إسرائيلية.

ومن خلال ربط الضربة، بإيران، تؤكد إسرائيل على فكرة أن الحزب لا يتصرف بشكل مستقل ولكنه «قوة بالوكالة تنفذ الأهداف الاستراتيجية الأوسع لطهران». كما يساعد هذا التأطير إسرائيل، على حشد الدعم الدولي، ولا سيما من الحلفاء الغربيين الذين ينظرون إلى طهران كقوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة.

ونتيجة لهذا، لا يُنظر إلى الهجوم على أنه مجرد مناوشة إقليمية، بل إنه جزء من الصراع الجيوسياسي الأكبر بين إسرائيل وإيران، ما يرفع المخاطر ويوسع نطاق الصراع.

خرق الدفاعات

وتؤكد الضربة قدرة الحزب المتنامية على تنفيذ ضربات دقيقة في العمق. وتبلغ المسافة بين جنوب لبنان، حيث يعمل «حزب الله»، وقيسارية ما لا يقل عن 75 إلى 100 كيلومتر.

وهذا المدى القصير نسبياً لمسيرات الحزب، يجعل الهجوم أكثر إثارة للقلق، لأنه يوضح القدرة على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، مثل «القبة الحديدية» و«مقلاع داود».

ويثير خرقُ الدفاعات الإسرائيلية مخاوفَ بالغةً في شأن فعالية هذه الأنظمة في اعتراض المسيرات، والتي يصعب اكتشافها وتحييدها أكثر من الصواريخ التقليدية.

ويشير استخدام الحزب لتكنولوجيا الطائرات من دون طيار المتقدمة، والتي من المرجح أن يتم تزويدها أو تطويرها بمساعدة إيرانية، إلى أن محيط دفاع إسرائيل قد يكون فيه نقاط ضعف كبيرة.

التأثير النفسي والأخلاقي

إن التأثير النفسي لنجاح الحزب في استهداف مقر إقامة نتنياهو هائل. فهو يضرب في قلب القيادة، ويرمز إلى أن حتى أكثر الشخصيات حمايةً في كامل جغرافية إسرائيل هي في متناول الحزب.

وبالنسبة لكيانٍ يفاخر بالأمن القوي، خصوصاً لنخبته السياسية، فإن هذا الهجوم من شأنه أن يهز ثقة الجمهور في قدرة الحكومة على حماية قادتها وسكانها.

بالنسبة للجمهور الإسرائيلي، فإن الحادث يشير إلى مستوى جديد من التهديد. فقدرة «حزب الله» على الضرب في العمق، بعيداً عن الحدود الشمالية، تقوّض الشعورَ بالأمن الذي يشعر به العديد من الإسرائيليين. ويتحدّى الهجوم فكرة أن الهيمنة العسكرية وأنظمة الدفاع المتقدمة يمكنها حماية القادة والبنية التحتية والشركات والسكان بالكامل من التهديدات الخارجية. ومن المرجح أن يزداد القلق العام، ولا سيما إذا ظهرت تفاصيل أخرى عن الضربة.

ومن شأن الضربة أن تجبر القيادة السياسية والقادة العسكريين على الانتقال الفوري، إلى أماكن آمنة وغير معلنة لضمان سلامتهم والحفاظ على الاستمرارية في صنع القرار.

وفي حين أن هذا الانتقال ضروري، فإن من شأنه أن يؤكد على خطورة الموقف. وسيدرك الجمهور بشكل حاد أن حتى كبار المسؤولين ليسوا محصنين ضد وصول صواريخ ومسيرات «حزب الله».

إن نقل المقر الرئيسي من المرجح أن يتم بشكل سري، ولكن التدابير الأمنية المشددة والتحركات العسكرية المرئية تشير إلى أن القيادة الإسرائيلية تتخذ احتياطات غير عادية.

تعزيز المعنويات

بالنسبة لـ «حزب الله»، فإن الضربة الناجحة تمثل انتصاراً كبيراً، عسكرياً ورمزياً.

لطالما صور الحزب نفسه على أنه قوة المقاومة الرئيسية ضد العدوان الإسرائيلي، وتؤكد هذه العملية على تعزيز صورته كقوة عسكرية موثوقة قادرة على تحدي إسرائيل بشكل مباشر.

ومن خلال استهداف مثل هذه الشخصية البارزة بدقة، يرسل الحزب رسالة واضحة مفادها بأنه يحتفظ بالقدرة على الضرب، حسب الرغبة، بغض النظر عن أنظمة الدفاع المتقدمة والاستعداد العسكري العالي.

كما من شأن العملية أن تعزز الروح المعنوية داخل «حزب الله»، لأنها توضح قدرة على الصمود والفعالية العسكرية المستمرة رغم جهود إسرائيل لتدهور بنيته التحتية.

كما تثبت الضربة حقيقة أن قدرات الحزب لا تزال سليمة.

تحدٍ مباشر لنتنياهو

ويشكل الهجوم على منزل نتنياهو أيضاً تحدياً مباشراً لرئيس الوزراء شخصياً. فقد وقع بعد وقت قصير من احتفال تل أبيب بمقتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، في رفح، ما يمكن اعتبار التوقيت بمثابة «عمل انتقامي».

كما جاءت الضربة، في أعقاب بيان لـ «حزب الله» أعلن فيه أن الصراع دخل مرحلة جديدة، تتضمن استخدام الصواريخ الدقيقة والمُسيّرات لاستهداف ليس فقط الأهداف العسكرية ولكن أيضاً الشخصيات السياسية والقواعد الجوية، ما يرفع بشكل كبير من المخاطر في الصراع ويضع قيادة إسرائيل مباشرة في خط النار.

«عملية إيرانية»!

إن قرار إسرائيل بتأطير الضربة باعتبارها عملية إيرانية، وليس مجرد عمل للحزب، يخدم أغراضاً استراتيجية عدة.

أولاً، يؤكد على دور طهران كداعم أساسي للحزب، سواء مالياً أو عسكرياً.

ومن خلال ربط الضربة بإيران، يمكن لإسرائيل وضع الهجوم في السياق الأوسع لصراعها المستمر مع طهران، بدلاً من كونه عملاً محلياً من قبل جهة فاعلة غير حكومية.

إن تأطير الهجوم باعتباره عملية إيرانية يسمح لإسرائيل أيضاً بتبرير استجابة عسكرية أوسع نطاقاً قيد الإعداد.

إذا تم تصوير الهجوم كجزء من استراتيجية إيران في المنطقة، فإن إسرائيل تبرر تصعيدها في ردها، مما قد يستهدف الأصول الإيرانية في سورية وداخل إيران نفسها.

وتعمل هذه الرواية على تحويل الصراع من مناوشة حدودية مع الحزب إلى مواجهة جيوسياسية أكبر مع إيران، ما يرفع المخاطر بشكل كبير.

إضافة إلى ذلك، فإن تصوير الهجوم على أنه إيراني يساعد إسرائيل على حشد الدعم الدولي. فالحلفاء الغربيون، خصوصاً الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ينظرون إلى إيران باعتبارها قوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.

إن الضربة الجوية الإسرائيلية المرتقبة، تهدف إلى تقليص نفوذ «حزب الله» في المنطقة، وتخفيف الضغط عن تل أبيب من شركائها الدوليين. كما يسمح هذا الإطار لإسرائيل بتحويل الانتباه بعيداً عن أي إخفاقات في أنظمتها الدفاعية، والتركيز بدلاً من ذلك على التهديد الأوسع الذي يشكله نفوذ إيران في المنطقة.

العواقب الإستراتيجية

إن التأثير النفسي على القيادة العامة والسياسية الإسرائيلية، عميق، مما يثير تساؤلات حول فعالية أجهزة الأمن الإسرائيلية وقدرتها على حماية قادتها ومواطنيها.

بالنسبة لـ «حزب الله»، فإن الضربة تمثل انتصاراً كبيراً، حيث تعزز معنوياته وتعزز صورته كقوة عسكرية هائلة قادرة على الضرب في العمق، كما تشير إلى أنه مستعد وقادر على استهداف شخصيات سياسية بارزة.

إن قرار إسرائيل بتأطير الهجوم باعتباره عملية إيرانية يزيد من تعقيد الموقف، ويوسع نطاق الصراع ويبرر العمل العسكري المحتمل.

ومع تصاعد الصراع، قد تثبت الغارة على مقر إقامة نتنياهو أنها لحظة حاسمة، تعيد تشكيل المشهد الإستراتيجي في الشرق الأوسط وتضع المسرح لمزيد من المواجهة بين إسرائيل و«حزب الله» وإيران.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي