نتنياهو يتحدّى أميركا ويتّجه نحو رفح... للبقاء في السلطة

فلسطينيون نازحون يغادرون رفح إلى وسط غزة (أ ف ب)
فلسطينيون نازحون يغادرون رفح إلى وسط غزة (أ ف ب)
تصغير
تكبير

لا يفوّت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصةً من دون أن يستفز حركة «حماس»، ليُطَمْئن حلفاءه المتطرفين في الحكومة، غير مبالٍ بـ«فيتنام بايدن»، وهي الصفة التي تُطلق على الأزمة التي يتعرّض لها داخلياً الرئيس الأميركي جو بايدن من طلبة الجامعات بسبب دعمه المطلق لإسرائيل في حربها البشعة ونتائجها المدمّرة على الشعب الفلسطيني.

فأميركا تسعى لوقف إطلاق النار ولكنها ترسل السلاح المطلوب وبغزارة لحكومة نتنياهو لتكمل الحربَ التي تُسَبِّب لبايدن أضراراً انتخابية لا يُستهان بها. وقد بدأ جيشُ الاحتلال بتكثيف قصفه للأحياء الشرقية لرفح - قبل تسلّمه رد «حماس» الرسمي على المفاوضات - وبإلقاء المنشورات من الطائرات داعيةً سكان شرق المدينة المكتظة لإخلائها وأن يتجهوا نحو مناطق مدمّرة وغير مهيأة لاستقبالهم وذلك تمهيداً لمعركة رفح التي صمّم نتنياهو عليها.

يتحدى نتنياهو أميركا معطّلاً المفاوضات الجارية التي يقودها مدير الاستخبارات المركزية وليام بيرنز في القاهرة والدوحة. إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه «لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن نفسها حتى ولو اضطرت للوقوف بمفردها لأن القبول بوقف الحرب سيكون بمثابة هزيمة نكراء لإسرائيل، ولسنا في وضع يسمح لنا برؤية حماس تخرج لتعيد سيطرتها على غزة وتعيد تشكيل قوتها العسكرية».

وكان نتنياهو سرّب للإعلام الإسرائيلي الذي سمّاه بالاسم - ضارباً بعرض الحائط حماية المَصدر – «كمصدر كبير» أنه «مع أو من دون اتفاق سيدخل الجيش رفح»، في وقتٍ يجتمع مدير المخابرات المركزية الأميركية مع «حماس» والوسطاء في القاهرة لبحث بنود الاتفاق ومحاولة دفعه إلى الأمام، وهو ما أكد أن نتنياهو يعرقل مجرى المفاوضات من بعيد وعبر الإعلام ويوجّه الرسائل الواضحة بأنه هو فقط مَن يفاوض بالنيابة عن إسرائيل ويعطي الضمانات وأن أي طرف آخر غير مخوّل بذلك ولا يملك القدرة على وقف خطة اجتياح رفح مهما تنازلت «حماس».

والجدير ذكره أن خطة «عدم إنهاء الحرب ودخول رفح»، تحظى بدعم منافسي نتنياهو مثل غادي آيزنكوت وبيني غانتس، وزير حكومة مجلس الحرب المصغّر، وكذلك دعم الجزء الأكبر من المجتمع الإسرائيلي. ولكن بعد سحب غالبية القوات الإسرائيلية من غزة والتركيز على رفح فقط، هل من الصواب القول إن الحرب مازالت دائرة وأين تدور رحاها؟

مما لا شك فيه أن قبول نتنياهو بصفقةٍ مع «حماس» مهما كانت تفاصيلها وتنازلاتها وإذا تضمّنت بند وقف الحرب، فهذا سيعني أنه سيَسقط وتتشرذم حكومته. وتالياً فإن تصريحات نتنياهو موجّهة إلى وزير الأمن

إيتمار بن غفير والمال بتسلئيل سموتريتش لطمأنتهما إلى أن ما اتُفق عليه سابقاً مازال ساري المفعول وأن الحرب مستمرة وأن لا رضوخ حالياً للرغبة الأميركية.

إذ يراهن نتنياهو على عامل الوقت وطول الحرب لبقاء ائتلاف حكومته متماسكاً ومتضامناً معه وتحت رعايته. ولكن الوقت يَضيق لأن مستوطني غلاف غزة ومنطقة الحدود مع لبنان يريدون معرفة مصيرهم ومستقبلهم وهم لن يعودوا إلا بضماناتٍ يقتنعون بها وليس من خلال أقوال رئيس حكومتهم المأزوم. فهم أعطوه الدعمَ اللازم لإكمال الحرب والتصرف كيفما يشاء مقابل نتائج تُقدم لهم يقين الأمن المستقبلي والاطمئنان إلى أن قدرات «حماس» و«حزب الله» ستُدمر ما يحول دون تكرار هجوم مماثل للسابع من أكتوبر 2023 في أي زمن مستقبلي. وهذا اليقين مازال مفقوداً بعد 7 أشهر من الحرب ويبدو أنه مازال بعيد المنال لتبقى المستوطنات التي تم إخلاؤها فارغة وسكانها لاجئين.

فإسرائيل لن تتمكن من العمل العسكري في رفح من دون دعم أميركي، ولن تتوصل لتفاهم مع «حزب الله» من دون وساطة تقودها واشنطن وتقدم فيها نفسها كضامنٍ حقيقي بالنيابة عن إسرائيل. إلا أن نتنياهو يُظْهِر أميركا كطرف غير مؤهَّل للوساطة ولا يؤثّر على القيادة الإسرائيلية. وقد ظهر ذلك من خلال المباحثات الجارية مع «حماس» وعدم انتظار نتنياهو لنتائجها ليعلن إفلاسها مسبقاً.

وتالياً فإنه يتوجب على نتنياهو إعادة بناء الثقة بالمفاوض الأميركي من خلال التنازل أمام حلفائه الثنائي سموتريتش وبن غفير عن خطة الحرب المقبلة ضد رفح ووقف الحرب نهائياً دون أن يتسبب ذلك بسقوطه هو. وهذا مازال غير متوافر اليوم، لتبقى معركة رفح هي الخيار الأفضل على قاعدة إطالة أمد الحرب. إلا أن نتائج المعركة المقبلة غير مضمونة.

إذ يقول إيهود بارك، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إن «عملية رفح لا تعني أننا على بُعد خطوة واحدة من الانتصار المطلق بل أننا في إسرائيل على بعد خطوة من الإخفاق المطلق (بدخول رفح). فإخلاء السكان سيتطلب أسابيع والقتال في رفح قد يستمر شهوراً سيكون فيها المخطوفون في التوابيت ولن يتغيّر الوضع في غزة في شكل جوهري».

وتدرك القيادة الإسرائيلية أنها إذا وجهت ضربة للمقاومة الفلسطينية في رفح ودخل الجيش إلى هناك فإنه سيفعل تماماً ما قام به في جباليا والشاطئ ومدينة غزة وفي الجنوب، في بيت حانون وعبسان الجديدة وغيرها. فقد انسحب جيش الاحتلال وعادت «حماس» ونظّمت كتائبها التي مازالت موجودة في الأماكن التي انسحب منها جيش الاحتلال وتطلق النار والصواريخ على مواقع إسرائيلية وآخِرها موقع معبر كرم أبوسالم ومسكر أميتاي المجاور وكيبوتس كرم أبوسالم، حيث سقط 4 قتلى و14 جريحاً في صفوف جيش الاحتلال الذي فشل في إطلاق صواريخ اعتراضية.

ومع استمرار جولة المفاوضات الأميركية – الفلسطينية في الدوحة بعد القاهرة، أصدرت إسرائيل أوامر للفلسطينيين في رفح بالإخلاء والتوجه إلى «المناطق الإنسانية» في خان يونس والمواصي المدمرتين في جنوب غزة.

وكان نتنياهو ادعى بأن «حماس، تتحمل مسؤولية وصول المفاوضات إلى طريق مسدود». وهذا لم يقنع حتى بعض الوزراء في حكومته مثل وزير الدفاع يوآف غالانت الذي طلب من نتنياهو «قبول الصفقة لأنها جيدة وتعيد المخطوفين». فيردّ سموتريتش بأنه «يتوجب على الجيش دخول رفح وهزيمة العدو»، اعتقاداً منه بأن العمل العسكري يعيد الأسرى الإسرائيليين، وهذا ما لم يحصل في أشهر الحرب الطويلة. فهل يجازف نتنياهو بإغضاب أميركا ودخول رفح رغم المعارضة التي أعلنها وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي أكد أن خطوةً مماثلة ستضر بالعلاقة مع واشنطن؟

يبدو أن صراع البقاء في السلطة يتغلب على حقيقة الواقع الذي يعيشه نتنياهو الذي يعلم أن جيشه غير قادر على تحرير الأسرى ولا القضاء على «حماس»، ولكن يعطيه أشهراً عدة، للبحث عن مخرج يُبْقيه كرئيس للوزراء ويُبْعِده عن المحاسبة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي