حرب غزة انتهت عملياً... وبقيت العمليات القتالية

أطفال فلسطينيون في موقع غارة إسرائيلية استهدفت رفح (رويترز)
أطفال فلسطينيون في موقع غارة إسرائيلية استهدفت رفح (رويترز)
تصغير
تكبير

أعلن رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي أن «إسرائيل لم تنجز المهمة حتى الآن»، بعد سبعة أشهر من التدمير والعمليات العسكرية في قطاع غزة، ليردّ رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق اللواء عاموس يلدن بأن «الحرب انتهت وما يجري هو أقل من مجرّد قتال».

وهكذا، من الواضح أن الحرب لا تسير في الاتجاه الذي تريده إسرائيل ولا أميركا اللتان انتظرتا أكثر من أسبوع ليأتيهما الجواب على ورقة التفاوض من حركة «حماس»، التي أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه سيفكّكها وسينهي سلطتها على غزة، ويقتل ويعتقل قادتها وجميع أعضائها، وكذلك وافقتْ أميركا على القضاء عليها وهي التي أرسل وزير الخارجية أنتوني بلينكن مدير الاستخبارات وليام بيرنز إلى القاهرة – ومرات عدة إلى قطر – للتفاوض معها.

وهذا اعتراف بهزيمة الطرفين الأميركي - الإسرائيلي في الحرب على غزة التي تدلّ جميع نتائجها على أنها انتهت وان ما يجري هو مكابرة على الاعتراف بالخسارة قبل الرضوخ النهائي لمَطالب «حماس».

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن «أميركا لا توافق على عملية اقتحام رفح وأن هناك طريقة أخرى لهزيمة «حماس» بعيداً عن العمل العسكري»، ولهذا التصريح دلالة كبيرة، إذ يشير إلى أن الطريقة التي تتبعها إسرائيل منذ سبعة أشهر لم تؤد إلى النتيجة المرجوة خصوصاً بعد تأكيداتٍ إسرائيلية أن «حماس»، عادت إلى الشمال والجنوب، وتالياً فهي موجودة في كامل القطاع الذي انسحب منه الجيش الإسرائيلي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن سوليفان يشير بطريقة غير مباشرة إلى القضاء على «حماس»، بغير الأسلوب العسكري. وهو يعني إعادة الإعمار التي تتطلّب سنوات طويلة تراوح بين عشر إلى عشرين سنة لأن إدخال احتياجات إعادة الإعمار والمواد الأساسية يمرّ حُكْماً بالمعابر التي تسيطر عليها إسرائيل. تالياً فإن سوليفان يعتبر أن ما لم تحصل عليه أميركا وإسرائيل بالعمل العسكري تستطيع الحصول عليه من خلال منع أو إبطاء العملية الاقتصادية والإعمارية، أملاً في أن ينقلب المجتمع الغزاوي على«حماس»من أجل الحياة الأقلّ وطأة.

ولكن بغض النظر عما سيحصل بعد حرب غزة، فإن إسرائيل تعيش حالة تخبط، انتقلت فيها من دعمٍ مطلق من المجتمع الإسرائيلي لقادته يوم السابع من أكتوبر إلى خلافٍ مطلق لم يطفئه التدمير الشامل لغزة وقتل 35.000 وجرح نحو 80.000. بل إن نتنياهو يجهل ما الخطوة التالية الصائبة التي ستساعده على البقاء في منصبه وتجنب المحاسبة.

فالأهداف المرسومة للحرب فشلت ولم تتحقق، وأصبح نتنياهو رهينةً بيد الوزراء المتشددين في حكومته الذين يهددونه بالاستقالة إذا أوقف الحرب. وهو يتعرض لانتقادات حادة من الشارع الإسرائيلي الذي لا يشكل الخطر الحقيقي على بقائه كرئيس للوزراء لتمتُّعه بدعم الأكثرية الإسرائيلية المتطرّفة ما دامت الحرب دائرة.

ولكن مشكلته الكبرى هي رفح التي رَفَعَ من سقف أهميتها لدرجة أن الانغماس فيها من دون تحقيق الأهداف ستُعرّيه من ورقة التوت الباقية ما دامت العمليات العسكرية لم تصمت. ولكن«حماس»، تعتبر أنها دفعت ضريبة الدم في الأشهر السبعة الماضية، وتالياً فهي لن تتنازل عن بند إنهاء الحرب وسحْب جيش الاحتلال وإعادة الإعمار مع ضمانات دولية تُلْزِم إسرائيل بالتنفيذ.

ودخلت عوامل جديدة تصبّ في مصلحة حماس وتعطيها قوة إضافية: فقد أعلن الحوثيون إقفال البحر المتوسط على الواردات والصادرات الإسرائيلية إذا اشتعلت جبهة رفح.

وهذا ما حسّن موقف المقاومة الفلسطينية التي اعتبرتْها ورقة ضغط تستطيع استخدامَها لتتشدّد في المفاوضات. أما العامل الآخَر فهو موقف الجامعات الأميركية، حيث اندلع ما أسمته الصحافة الإسرائيلية بـ «انتفاضة الجامعات»، التي نقلتْ الضغط على إسرائيل من الساحة المحلية والشرق أوسطية لمحور المقاومة إلى الساحة الدولية حيث أصبحت إسرائيل الأكثر مكروهة عالمياً.

وهذا ما يضغط على الإدارة الأميركية، التي تعاني من نتائج الحرب على غزة جراء جرائم إسرائيل التي لم تسكت عنها الشعوب ولا طلبة الجامعات في العالم الغربي. وآخِر العنقود هو التغيير في موقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي أصبحت تطرح الانسحاب تدريجياً من معبر نتساريم الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها، ليسمح بعودة سكان القطاع الشماليين إلى منطقتهم. وقد أجمع قادة الأجهزة الأمنية على«ضرورة استعادة الأٍسرى لأن الحرب وصلت إلى طريق مسدود».

يَعتبر التيار الأيديولوجي المتطرف في حكومة نتنياهو أن أي صفقة هي استسلام لحماس وستضع إسرائيل في خطر وجودي، ولهذا لا يمكن أن يدعموا نهاية الحرب. إلا أن غياب الأهداف المستقبلية القابلة للتحقيق وضيق النافذة على الرئيس جو بايدن وعلى إسرائيل يجعل مطلبهم بإكمال القتال من دون جدوى.

ويَعتبر الإسرائيليون أن «حماس»، ستصل في المرة المقبلة إلى بئر السبع - التي تُعتبر عاصمة النقب وهي ثاني أكبر مدينة بعد القدس من حيث عدد السكان - إذا لم يتم القضاء على الحركة. إلا أن أكثر من 200 يوم من القتال نَقَلَ إسرائيل من الخسارة الإستراتيجية إلى الهزيمة المستدامة ما لم تعقد صفقةً تعيد الأسرى والنازحين، وينسحب جيش الاحتلال ويتيح إطلاق عملية إعادة الإعمار كما تريدها حماس. وقد دخلت أميركا بثقلها لإنقاذ إسرائيل من أزمتها وخسارتها دون أي ضمانة لبقاء نتنياهو في منصبه.

لقد انتهت الحرب وبقي القتال الذي لن يعيد الأسرى ولكنه يطيل عمر نتنياهو في الحُكْم وهو الذي ينتظر معجزة لن تقدّمها له «حماس»، للنزول عن الشجرة أو مواجهة المحاسبة على فشله.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي