بعد تبادل الهجمات العسكرية المباشرة الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني، تنبري حقائق عدة والتي قد تفيض بنتيجة واحدة، سنشرحها.
أما عن الحقائق، فأولاً: إن الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل كان الأول من نوعه منذ حرب 1973، حيث تشن دولة هجوماً عسكرياً على الكيان الصهيوني. وهو الأول كذلك من حيث إن طرف الهجوم ليس عربياً، ما يوسع نطاق الصراع من عربي - إسرائيلي إلى إسلامي إسرائيلي. ولهذا تحرك بعض أدوات الإعلام لتجييش الحس الطائفي لتقطيع هذه المواجهة وجعلها في إطار الصراع الإسرائيلي - الشيعي! لذلك ومسايرة لهذا الاتجاه تحركت بعض الأصوات والأقلام للتقليل من أهمية هذا الهجوم إلى درجة نعته بالتمثيلية أو المسرحية من خلال انبعاث أيديولوجي لتكوين منظور سياسي وهو أخطر ما يواجه التحليل الإستراتيجي الواقعي الذي يقوم على حقائق ورشدانية وحيادية.
ثانياً: إن تبادل الهجمات ( الهجوم الإيراني والهجوم الإسرائيلي على أصفهان ليلة جمعة 19 أبريل 2024) لم يكن بمعزل عن تورط مباشر وغير مباشر لكيانات عسكرية ما يشير إلى توسع نطاق المواجهة على الرغم من الحذر الشديد الذي اتخذته بعض الدول المتورطة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وإلى درجة أقل روسيا.
وهنا تنبري حقيقة مفادها أن الجميع بما فيهم إيران وإسرائيل غير راغبين بتوسيع رقعة الحرب ما يدل على أن الهجمات العسكرية هي مجرد أدوات ساخنة وجادة في إطار تفعيل الحل الديبلوماسي غير المتفق عليه بين جميع الأطراف. ولكن فيما لو استمر هذا التراشق المتبادل في الهجمات قد تنفرط العقدة إلى حرب شاملة أقل مدها كامل إقليم الشرق الأوسط.
ثالثاً: لقد تبين من الهجوم الإيراني أن طهران لديها القدرة على الردع، وهذا ما أدركته الولايات المتحدة قبل الهجوم ولكن لم تدركه إسرائيل إلا بعده. وهذا الاتفاق في الإدراك قد يشكل قاعدة انطلاق أميركية لإعادة تشكيل العقيدة الإستراتيجية الإسرائيلية القائمة على الردع والتمدد إلى الجنوح لقبول حل الدولتين.
رابعاً: إن الهجوم الإيراني، وان لم يخل من مساعدة استخباراتية عسكرية روسية غير مباشرة، إلا أنه يمثل طفرة في إقناع كل من التنين الصيني والدب الروسي بقدرات مخالب الأسد الإيراني التي يمكن الاعتماد عليها في مقابل مناورات وقوة النسر الأميركي.
خامساً: إن محيط فضاء معظم دول الخليج العربية كان في وسط تلك الهجمات المتبادلة، بيد أنها كانت متحفظة في إبداء مواقف سياسية ما قد يشير إلى رأيين. الأول أن هذه الدول لا تملك قراراً أو تأثيراً مباشراً على مجريات الأحداث رغم فداحتها الأمنية وتبعاتها الاقتصادية فيما لو استمرت! والرأي الثاني هو أن هذه الدول لا تريد التورط في هذه المعادلة ولا أن تكون أحد أرقامها بأي حال من الأحوال وهو ما يجعل الحليف الأميركي أقل ثقة بهذه الدول كشريك إستراتيجي! وفي كل الاحوال هناك ثمن لا يمكن تقليل تكلفته إلا من خلال تبني إستراتيجية مستقلة لهذه الدول تقوم على قواعد الحياد الإيجابي المرن.
لا شك من أن هناك حقائق كثيرة يمكن تناولها، لكن أكتفي بهذا المقدار من أجل الوصول إلى نتيجة خطيرة وهي أنه قد بات في حكم المؤكد، بناء على تحليل وليس معلومات، بأن متخذ القرار في إيران سيجنح لامتلاك سلاح نووي في أسرع وقت ممكن، ذلك في سبيل نقل مرحلة الردع من التقليدي إلى الإستراتيجي، وهو ما سيدخل المنطقة برمتها إلى مدار فلك جديد من العلاقات الإقليمية له جاذبيته ونجومه وكواكبه وشهبه وشياطينه وأذنابه!