No Script

رؤية ورأي

إعلان «مباحث الجنسية» والانتخابات المنظورة

تصغير
تكبير

استعرضت في مقال سابق معنون «مَن سرق أولويات الشعب النيابية؟» بعض تطبيقات نظرية «الأجندة» أو «ترتيب الأولويات» على المشهدين المحليّين النيابي والسياسي. وأوضحت كيف وَظّفت منظومات إعلامية «عميقة» هذه النظرية لتسويق أولويات الجهات «العميقة» على حساب أولويات الشعب الدستورية الوطنية.

هذه الأيّام، هذه النظرية تَجدّد توظيفها في أزمة إعلان وزارة الداخلية تخصيص مباحث الجنسية خَطّاً ساخناً للإبلاغ عن مزوري ومزدوجي الجنسية. فمن جانب، أبعدت منظومات إعلامية «عميقة» الأضواء عن الأدوار السلبية من قبل بعض النوّاب السابقين، الأدوار التي أسّست ومَهّدت لظهور هذه الأزمة. ومن جانب آخر، سوّقت هذه المنظومات معالجات غير دستورية للأزمة بذرائع جميلة مزيّفة.

فهذه الأزمة مرتبطة بدرجة عالية بحجب ولاية القضاء على القرارات الإدارية النهائية الصادرة في شأن مسائل الجنسية. وولاية القضاء، على القرارات الإدارية النهائية الصادرة في شأن مسائل الجنسية وإقامة وإبعاد غير الكويتيين وتراخيص إصدار الصحف والمجلات ودور العبادة، حجبت بموجب تعديل في القانون رقم 20 لسنة 1981 «بإنشاء دائرة بالمحكمة الإدارية الكلية لنظر المنازعات الإدارية»، شُرّع بقانون صدر في سنة 1982 انبثق من اقتراح بقانون قدّمه مرشّح حالي وأربعة نوّاب قدامى.

ومن جهة أخرى، إعلان وزارة الداخلية لم يكن مفاجئاً في مضمونه، وإن كان مفاجئاً في توقيته. فقد سبق هذا الإعلان إطلاق العديد من الادعاءات النيابية بشأن تضخّم أعداد حاملي الجناسي المزورة، ثم رفض مجالس الأمة مراراً طلبات تشكيل لجان برلمانية للتحقيق في هذه الادعاءات، وأعقبها تبنّي حكومة سمو الشيخ أحمد النوّاف، في برنامج عملها (2022 – 2026) برنامجاً بعنوان «إنشاء هيئة لشؤون الجنسية ومراجعة ملفات الجنسية وحصر ما لحق بها من خلل لتنقيتها من أي شوائب تخالف مقاصد التشريع»، وأخيراً تعاطي مجلس الأمة بهدوء ورويّة مع هذا البرنامج المتوافق تماماً مع الإعلان الأزمة.

وكذلك، داومت مجالس الأمّة المتتالية على تأجيل وتسويف تشريع قانون لبسط ولاية القضاء على مسائل الجنسية، بالرغم من بساطة المعالجة، حيث إنها تتطلب تنقيح جملة واحدة فقط في «قانون المحكمة الإدارية». كما حرصت المجالس المتتالية على تبنّي معالجات انتقائية غير دستورية لمسألة توسيع نطاق ولاية القضاء، معالجات تفاقم هوّة التمييز الفئوي وتبث الشقاق في المجتمع الكويتي، وذلك بالإصرار على استمرارية حجب ولاية القضاء عن تراخيص دور العبادة، رغم كون نص حجب ولاية القضاء عن الفئتين (مسائل الجنسية وتراخيص دور العبادة) في البند نفسه والجملة من القانون.

من بين الأمور الغريبة المرتبطة بأزمة الإعلان، التي تؤكّد انسياق جل المرشحين مع ما تسوّقه منظومات إعلامية «عميقة»، غياب التصريحات الانتخابية المطالبة ببسط ولاية القضاء على رخص دور العبادة، أو على الأقل دمج هذه المطالبة المغيّبة مع المطالبة المتواترة ببسط ولاية القضاء على مسائل الجنسية.

ومن بين ما يزيد من غرابة هذا الغياب، الدعوة إلى تأجيل المطالبة المغيّبة إلى ما بعد إقرار المطالبة المتواترة! فكيف سينجح هؤلاء في إقرار المطالبة المغيّبة منفردة بعد عجزهم عن إقرارها بالتزامن مع المطالبة المتواترة وفق مبدأ تبادل المصالح؟ وغرابة هذا الغياب تزيد أكثر عندما نلاحظ تزامنه مع تجدّد المطالبات بتحصين جناسي ذُريّات المزوّرين، بحجة المحافظة على النسيج الاجتماعي، النسيج الذي لا يراعى عند رفض بسط ولاية القضاء على رخص دور العبادة.

المرحلة حسّاسة وتتطلب وجود نوّاب قادة في مجلس الأمّة، قادرين على تبني مواقف وآراء متوافقة مع القيم والمبادئ والمواد الدستورية خصوصاً تلك المغايرة لما تسوّقه منظومات إعلامية «عميقة»، وليس نواباً إمَّعون ومناديب عن تلك المنظومات في المجلس وعبر الوسائل والقنوات الإعلامية.

وعليه، أناشد الناخبين استبعاد المرشحين الذين طالبوا ببسط ولاية القضاء – بصورة انتقائية فئوية – على مسائل الجنسية من دون رخص دور العبادة. لأن هؤلاء المرشحين – في حال فوزهم – سيكونون إما إمَّعون أو قادةً مُعادين للدستور...

اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي