من الخميس إلى الخميس

التواصل هو الطريق الصحيح

تصغير
تكبير

في زيارة للولايات المتحدة عام 1946، خسر ونستون تشرشل Winston Churchill رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، خسِرَ الكثير من المال في مباراة بوكر مع كل من هاري ترومان Harry S. Truman ومستشاريه، لاحقاً عبّر تشرشل عن هذه الخسارة بقوله إنّ هذه الخسارة كانت أفضل استثمار عمله في حياته، وطبعاً لا يخفى المقصَد من جملة رئيس الوزراء البريطاني، لقد خسِر اللعِبَ لإرضاء الرئيس الأميركي ومستشاريه؛ من أجل المحافظة على الدعم الكبير والعلاقة المميزة التي حظيت بها بريطانيا من الولايات المتحدة، هذا الدعم الذي كان هو السبب في تفادي خسارتها في الحرب العالمية الثانية.

في السياسة لا بد من إرضاء قادة الدول الكبرى؛ وجعلهم مسرورين؛ ففي النهاية ما يتحدث به الغرب عن العدل والإنصاف والديموقراطية كلها أمور تمر من بوابة مزاج القادة ورضاهم، هذا هو المعنى الخفي لكلمة ونستون تشرشل، ومهما حاولنا إخفاء الحقيقة ترُدُّنا جملة تشرشل الساخرة إلى حقيقة السياسة العالمية.

الأميركان يديرون العالم بما تُمليه عليهم ثقافتهم، وأيضاً بما يُمليه عليهم مزاج قادتهم، ولأن الأميركان يملكون أكبر قوة عسكرية في العالم؛ ويملكون اقتصاداً متيناً يؤمِّن استمرارية هذه القوة الهائلة، لأنهم كذلك فلا مجال للدول الضعيفة أو حتى القوية إلا أن تتقرّب ممن يديرون هذه الدولة؛ ويحاولون التواصل معهم والعمل على تحسين علاقتهم معها، هذه هي معادلة السياسة الواقعية اليوم.

من يرد تحقيق المكاسب لدولته ولشعبه فعليه باستثمارات ونستون تشرشل، أما العنتريات والشعارات على حساب القُدُرات والواقع فهي مغامراتٌ بحق الوطن وآمال الشعوب.

لن تطلب منك القوى الكبرى أن تبيعَ بلدك؛ ولا أن تبقى مُتخلفاً؛ أو تُحارب التنمية في بلدك، وحتى لو فعلت بعضاً من ذلك فلن تُعاديك إذا رفضت طلبها، كل ما هو مطلوب من القادة أن يتعلموا من قادة حافظوا على الود والاحترام مقابل استثمارات ربحوا منها أمن بلدهم وسعادة شعوبهم.

تمرُّ أمتنا اليوم بمفترق طرق فهناك من يدعو بشعارات جوفاء إلى محاربة أميركا بل والموت لها، من أجل كرامة الأمة؛ بينما كرامة شعوبهم تُهدر كل يوم بأيديهم؛ وأيدي أعوانهم الذين يسرقون الشعوب، ويُتاجرون بقضاياهم، بل ويبيعون أوطانهم لدولٍ مُتخلفة تستخدمُهُم كورقةٍ للمتاجرة بهم، فتجد تلك الشعوب تُعاني من الجهل والفقر والتخلف، من ناحية أُخرى تجدُ من يطلب من القادة دخول ملعب السياسة والتواصل الحضاري بين قيادات العالم لتحقيق مصالح الدول وشعوبها.

إن من أهم قيم الإسلام هي الاستماع إلى الآخر؛ والتواصل مع الجميع، ففي النهاية لن يتنازل المُسلم الصالح عن حق من حقوق الله؛ لكنه بالتواصل قد يُعيد الحقوق لشعبه وينال ما يحقق الأمن لوطنه.

لن تفقِد كرامتك بالتواصل ولكن قد تفقد كل شيء بالتجاهل والمتاجرة بالشعارات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي