No Script

رؤية ورأي

استنكار بيان «الداخلية» في الميزان الانتخابي

تصغير
تكبير

جُل المراقبين والمحلّلين السياسيين متفقون على أن نسبة التغيير في الانتخابات المنظورة لن تكون كافية لإخراجنا من المستنقع السياسي الذي غاصت فيه الكويت ومشاريعها للإصلاح والتنمية.

غاصت منذ أن تنازلنا نحن الشعب عن سيادتنا الدستورية، سيادة الأمّة في نظام الحكم الديموقراطي، وسلمناها جهلاً وطمعاً بأيدي سُرّاق المال العام ومناديب وأدوات لفاسدين طامحين للسلطة والزعامة.

لن نخرج من هذا المستنقع ما لم نستعد سيادتنا الدستورية عبر تنمية قدراتنا على تقييم وتقويم المرشحين والنوّاب. وقد يكون أحدث مثال على سوء التقييم هو إشادتنا باستنكار نوّاب سابقين بيان وزارة الداخلية، بشأن منع إقامة التجمّعات والمسيرات الذي نُشر في يوم السبت الماضي قبل موعد الوقفة التضامنية مع غزّة.

فالعديد منهم استندوا في استنكارهم هذا البيان على حكم «عدم الدستورية» الذي صدر من المحكمة الدستورية في مايو 2006 ضد المرسوم بقانون رقم (65) لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمّعات. وهذا الاستناد معيب بالنسبة لمعظمهم في جزئية واحدة أو أكثر. ولذلك يفترض أن يتضرّروا انتخابياً من هذا الاستنكار وليس العكس. ومن أجل التوضيح، سأشير إلى ثلاث جزئيات معيبة.

الجزئية الأولى هي أن الحكم المذكور بعدم الدستورية جزئي، لا يشمل كامل المرسوم بقانون. فالمحكمة الدستورية حكمت بعدم دستورية المادتين (1) و (4) من المرسوم بقانون، ومعهما النصوص المتعلّقة بـ«الاجتماع العام» الواردة في مجموعة من مواد المرسوم بقانون. وأما النصوص والمواد المتعلقة بالمواكب والمظاهرات و«التجمعات» فما زالت سارية حتى اليوم. وحيث إن بيان وزارة الداخلية لم يُشر إلى «الاجتماعات العامة»، واقتصر على الإشارة إلى منع إقامة «التجمّعات» والمسيرات دون ترخيص مسبق، لذلك إشارة هؤلاء المرشحين والنوّاب السابقين إلى حكم المحكمة الدستورية في تصريح الاستنكار لم تكن في محلها، وتوحي أنهم إما تجاهلوا أو كانوا يجهلون هذه الجزئية. وكذلك، كان الأولى بهم أن يدفعوا بتكييف الوقفة التضامنية كـ«اجتماع عام» مباح دستورياً في مقابل التكييف القانوني الحكومي للوقفة كـ«تجمع عام» يحتاج إلى ترخيص مسبق وفق القانون.

الجزئية الثانية تكمن في تجاهل مجلس 2023 أهمية وأولوية تنقيح أو تعديل المرسوم بقانون رقم (65) لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمّعات. فمن جانب، قُدّم اقتراح بقانون بشأن تنظيم الاجتماعات والمواكب والمظاهرات والتجمّعات في كل من مجلس 2020 والمجلس المبطل الثالث، لذلك كان ينبغي أن يُقدّم ويُقر في مجلس 2023، أو يشرّع قانوناً آخراً يعتبر ساحة الإرادة موقعاً رسمياً للاجتماعات العامة، «هايد بارك» الكويت.

ومن جانب آخر، سبق أن نَشرت وزارة الداخلية في السنوات الأخيرة بيانات مماثلة تحظر التجمهر في ساحة الإرادة، والكثير من نواب مجلس 2023 كانوا من بين الذين استنكروا تلك البيانات. فكيف نُشيد باستنكارات يتبعها تقصير تشريعي يسمح بتكرار المُستَنكر؟

وأما الجزئية الثالثة، فهي أن حكم المحكمة الدستورية ذاته تضمّن حيثيّات حضارية يُناهضها بعض الذين استشهدوا به، ويتجاهلها بعض آخر منهم. لذلك لا يليق بهؤلاء الاستشهاد به. فقد جاء في حيثيات الحكم «أن الحريات العامة إنما ترتبط بعضها ببعض برباط وثيق بحيث إذا تعطلت إحداها تعطّلت سائر الحريات الأخرى، فهي تتساند جميعاً وتتضافر ولا يجوز تجزئتها أو فصلها أو عزلها عن بعضها، كما أن ضمانها في مجموع عناصرها ومكوناتها لازم، وهي في حياة الأمم أداة لارتقائها وتقدمها، ومن الدعامات الأساسية التي لا يقوم أي نظام ديموقراطي من دونها».

ثم أُشير إلى ما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور حول أهمية ومفصلية مجموعة من الحريّات كمقوّمات وضمانات للحرية السياسية، ومن بينها مقومات الحرية الشخصية وحرية العقيدة وحرية الرأي وحرية الصحافة والطباعة والنشر.

الشاهد أنه لا يليق أخلاقياً بمن يناهض أو يتجاهل بعض الحريّات أن يستشهد بحكم أسّس على أن الحريات الدستورية مجموعة ضرورية متكاملة لا تتجزأ.

الخلاصة:

إذا أردنا الخروج من المستنقع السياسي فعلينا التمعّن أكثر عند تقييم أداء النوّاب السابقين... اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي