أذكر قبل سنوات طويلة أنني كنت أقود سيارة في مدينة بافلو الأميركية، وعندما أقبلت على الإشارة الحمراء شاهدت أن سيارات عدة لا تلتزم وتتجاوز الإشارة، وتبعتها، لكن اكتشفت فيما بعد أننا نسير في موكب عزاء وأن السيارة السوداء التي في الأمام تحمل متوف وخلفها سيارات أهله والمُعزون، واستنتجنا أنه مسموح لسيارات العزاء تجاوز الإشارة الحمراء.
المهم تلك حادثة طريفة حيث سرنا في موكب المرحوم ونحن لا نعرفه، ما أود قوله أن الأجانب «عمليين» حتى في العزاء، يجتمع عدد محدود عند القبر وبعد ذلك يذهب كل لعمله، بينما نحن غير ذلك، طقوس العزاء عندنا بها مشقة وتكلف ومُبالغة ومظاهر وتزاحم وغير منظّم وحتى لا سند شرعياً دينياً لها وضررعلى المرافق... هذا الموضوع يشغلني وأردت أن أكتب فيه مع تسلسل زمني للتغيرات.
فترة الخمسينيات في الكويت وما قبلها كما يروى لنا، كانت الصلاة على المتوفى وبعد ذلك عزاء أهله المتواجدين في المقبرة برفع اليد، وبعد ذلك كل شخص يذهب لحاله ولعمله، في الستينيات وبعدها وفي رخاء المجتمع تحوّل العزاء من يوم إلى ثلاثة أيام في فترة الصباح وفي فترة العصر وكان بها مشقة لأهل المتوفى، وفي زمن كورونا وبناء على الإجراءات الصحية ووقت الحظر كان يتم الدفن بحضور أهل المتوفى فقط والعزاء وانتهى الموضوع.
لكن حاليا وبعد كورونا اصبح الدفن والعزاء ليوم واحد في المقبرة فقط، وهذا فيه مشقة كُبرى حيث تضطر للذهاب للمقبرة إذا المتوفى لك معرفة به وبأهله وهذا واجب، لكن اقتصار العزاء ليوم واحد في المقبرة له سلبيات كبيرة.
يلتم مئات المُعزين في فترة واحدة ومئات السيارات، وحتى تشارك يُفترض أن تذهب قبل صلاة العصر وتنتظر حتى الصلاة على المتوفى وبعده تنقل الجثامين وقد تصل لـ8، وتأخذ وقتاً للدفن وبعده يعود اهل المتوفى للوقوف في صف، وإذا احد المتوفين شخصية معروفة، فهناك صف طويل للمعزين وتقف بانتظار أن يتحرك الطابور، واحيانا طابور المُعزين يتعدى الصالة ويقف البعض بالخارج، المهم أحيانا يؤذن المغرب ولم يصلك الدور للتعزية حيث وقوف ملل وتزاحم، وآخر الأمر العزاء بالنظر!.
مصاعب أخرى كمثال، أنا كاتب المقال حتى أشارك بالعزاء بمقبرة الصليبيخات أقود سيارتي 34 كيلو بالذهاب والإياب، وكذلك مئات السيارات مثلي، وهنا نحن نشارك بازدحام الطرق وتساهم عوادم سياراتنا بتلويث الجو وكذلك بالضرر بجودة الطرق، وعند انتهاء العزاء تخرج السيارات مرة واحدة وتدخل الدائري الرابع الذي هو بالأصل مُزدحم.
ولا اعتقد أن دولاً عربية أو خليجية لديها سرادق عزاء أو صالات عزاء في المقابر، حيث أذكر قبل سنوات قد شاركت بعزاء قريبة لنا بالرياض، رحمها الله، وكانت إجراءات الصلاة عليها في مسجد وبعدها نقل الجُثمان للمقبرة للدفن، وبعدها الكل يترك المكان ويُستقبل المعزين في المجالس أو المنازل حيث لا عزاء في المقابر. ما أعنيه أن الإجراءات لدينا تحتاج مراجعة، هنا إذاً ما المخرج؟ وكيف نأتي بحل أفضل، شخصياً أقدم مُقترحي وهو أن نقسّم أهل العزاء إلى فئتين.
الفئة الأولى: هم العائلات والجماعات التي لديها دواوين أو عند وفاة شخصيات معروفة حيث من المتوقع أن يأتي للعزاء في المقبرة أعداد كبيرة من المُعزين، هذه الفئة يفترض ألا تستقبل المُعزين في المقبرة، إنما فقط الصلاة على المتوفى من قبل جماعته ومَنْ يعز عليه ويليه الدفن وبعد ذلك يغادرون على أن يستقبلوا المعزين بعد صلاة العصر في دواوينهم ليوم أو يومين، بمعنى لا استقبال للمعزين في المقبرة.
الفئة الثانية: هم فئة يفضلون استقبال المُعزين في المقبرة وفق رغبتهم ولعدم توفر دواوين لديهم أو لأسباب أخرى.
مقترحات للمسؤولين في البلدية لإيجاد مخارج لتجاوز تلك المشاق، رغم أن البعض يعترض ويقول كلما كثر المصلين على المتوفى مع الدعاء له هذا مكسب له، أقول الذي لم تفده أعماله طوال حياته هل سيفيده دعاء كثرة المصلين، بالنهاية وبالمنطق المقابر يفترض للدفن فقط، وليس لإقامة سرادق عزاء، والله يرحم أموات المسلمين.