No Script

من الخميس إلى الخميس

روح التحدّي تعودُ من جديد

تصغير
تكبير

في حقبة التسعينات من القرن الماضي كان المواطن الكويتي مليئاً بالحسرة، حسرة من الخذلان الذي صاحب غزو بلاده، ذلك الغزو البربري الذي احتفلنا قبل يومين بالقضاء عليه وعودة الكويت حرّة أبيّة.

في تلك الحقبة، حقبة التسعينات من القرن الماضي كانت مشاعر الوطنية لدى الشعب الكويتي عميقة جداً يصحبها رغبة بالتحدي وتفاؤل بالمستقبل، كان وهج الإصلاح يتحرّك بأسرع من قدرات الفساد، من أجل ذلك تمت إعادة بناء الكويت بسواعد شابة راغبة في التغيير، كل الطاقات كانت في تلك الحقبة تدور حول الردّ على أعدائنا ومعاقبتهم وتشجيع روح البناء القوية، وكان الناس حولنا يسيرون في اتجاه واحد، العمل والبناء، كان التناغم صفة ما نراه وما نسمعه.

في حقبة الألفين، وفي أول خمس سنوات فيها بدا واضحاً أن روح الفساد ما زالت تتنفس تحت تراب الوطن، بدأت التجمعات القديمة تُعيد إصلاح شباكها، وبدأ الصراع يعلو رويداً رويداً، كان الفساد كعادته يحمل أكثر من رأس، وفي كل رأس عقل مبرمج، وبدأت بذرات الفتن الساكنة تتفتح، يومها انشغل الشعب الكويتي في صّد تلك الأفكار، لاسيما في محاولات تغريب الشعب الكويتي وإخراجه عن قيمه العربية والإسلامية، وقد خسر المُصلِحون معارك وربحوا أخرى لكن روح التفاؤل لم تضعف يوماً.

وفي الخمس سنوات التالية، أي بعد خمس عشرة سنة من الغزو، كان المجتمع الكويتي على باب نسيان محنة الغزو وتلاحمه فيها، في تلك الأعوام اختار الفساد طريقه في ضرب بنية الوحدة، فبدأت محاولات تقسيم المجتمع طائفياً واجتماعياً، وبدأ الصراع بين مكونات المجتمع، الصراع الاجتماعي والطائفي، وكان أكثر الصراعات قسوة على المجتمع هو صراع القيم، ومحاولة تغريب المجتمع الكويتي بنشر التعليم الأجنبي، ومحاربة ثقافة أمتنا العربية والإسلامية ولغتنا الجميلة، انشغل القليل من المثقفين آنذاك بالنصائح العامة، وانشغل الكثيرون بالاصطفاف والدفاع عن النفس، كانت معظم تعليقات المواطنين مُنشغلة بالصراع وكأن هناك إرادة أقوى تَفرض على الكويت ما لا يريده شعبها ، أما الفساد فكان ينمو بعيداً عن الخلاف حيث مصدر الدخل ومغارات علي بابا.

وما أن انتهت العشرة الأولى للقرن الحادي والعشرين حتى بدا واضحاً أن الفساد نجح في تأصيل الخلاف في المجتمع الكويتي، وبدأت شُعلة التفاؤل تبهت، فكانت معظم الآراء في البداية تتمنى عودة روح التفاؤل بيننا، وكأن هناك من يحاول خنقها.

بدا واضحاً في تلك الحقبة أن هناك قوى ما تريد نشر الإحباط، وتشجع كسر القوانين، ونشر الواسطة، وحرق الطبقة المتوسطة بغلوّ الأسعار، والتفرقة بين أبناء الشعب بالمزايا والمعاشات، وتشجيع الفاسدين، وإبعاد الشرفاء، وتجنيس من لا يستحق على حساب من يستحق، وحصر المناقصات على مجاميع معينة واعتبار العمل الحكومي إما بطالة وإما تخليص مصالح، كان هناك من يرى نفسه فوق الوطن، ثم تطور الوضع في العشرة الثانية للقرن الواحد والعشرين، استولى التعليم الخاص على مفاصل الدولة، وتم تكديس الطلبة بأعداد كبيرة فضاعت جودة التعليم لصالح الكسب المالي فتراجع التحصيل العلمي ويوشك أن ينهار.

نحن الآن في الحقبة الثالثة للقرن الواحد والعشرين فهل تعود لنا روح التحرير والخوف على الوطن، أتمنى أن يتحقق شعار الكويت الجديدة ونعيد للشعب روح التحدي للبناء والتنمية، فإن أكثر ما يضر الأمم ضعف التعليم، واختلال ميزان العدالة، حكومتنا إذا صَدَقَت قد لا تقطع أصابع الفساد لكنها تعيدها مرة أخرى إلى جرابها ليعود بعدها الأمل والتفاؤل.

الدول لا تُبنى بالأغاني والتخاطب باللسان الأجنبي بل تُبنى بثقافة الوطن وقِيَمِهِ وتُبنى بسواعد أبنائها الذين يملؤهم الأمل.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي