No Script

رؤية ورأي

مَن سرق أولويات الشعب النيابية؟

تصغير
تكبير

ثبت علمياً قبل عشرات السنين قدرة وكفاءة وسائل الإعلام في ترتيب أولويات الشعب. ويُعتقد أن البداية التأسيسية لنظرية «الأجندة» أو «ترتيب الأولويات» كانت في 1922 من قِبل الصحافي والمعلّق والمؤلف السياسي والباحث الأكاديمي الأميركي والتر ليبمان Walter Lippmann. كما يُعتقد أن البروفيسور نورتون لانغ Norton Long أحد أبرز الباحثين الذين أنعشوا النظرية بعد تجاهلها تماماً على مدى عقدين من الزمن.

خلص لانغ، في 1958 إلى أن «الصحافة هي المحرك الرئيس في تحديد الأولويات على المستوى المحلي، لأن للصحافة دوراً كبيراً في تحديد ما سيتحدث عنه معظم الناس، وما سيعتقده أغلب الناس كحقائق، بل حتى ما سيعتبره أكثرية الناس الطريقة المثلى للتعامل مع المشكلات».

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاستنتاجات متّسقة مع تصريحات من النائب السابق فيصل المسلم، بأن «من يملك الرأي العام يملك القرار».

لست متخصّصاً في علم الإعلام ولا في علم السياسة أو علم الاجتماع، ولكنني كلما قرأت أكثر بشأن نظرية «ترتيب الأولويات»، ازددت قلقاً على حلم الإصلاح الشامل من خطر تنظيمات إعلامية «عميقة» نشطة محليّاً، وكلما انكشف وبان أكثر الإفساد الذي تمارسه تلك التنظيمات الإعلامية انجلى أكثر كيف حَوّلت تلك التنظيمات الإعلامية استجوابات واهنة إلى زلازل نيابية هزّت كراسي الحكومة، بعد أن ضلّلت الرأي العام وفق منهجية ثبتت أكاديمياً كفاءتها وفاعليتها، تضمّنت نشر مقاطع فيديو من مرافعات النوّاب المستجوبين تحوي معلومات مغلوطة ومنقوصة، من دون نشر نفي وإنكار الرئيس أو الوزير المستجوب. وأيضاً انجلى أكثر كيف أُسقط استجوابا النائبين حمدان العازمي ومهلهل المضف بالمنهجية ذاتها، ولكن في الاتجاه المعاكس.

وكذلك، اتضح أكثر سبب تغاضي متديّنين عن أكاذيب بواح نطقها سياسي متديّن، وسبب تسامح ليبراليين مع نائب ليبرالي تهاون مراراً في الذود عن حرّيات الشعب الدستورية، وسبب إشادة أكاديميّين بنائب أكاديمي استمرأ التهرّب من عضوية اللجنة التعليمية إلى لجان غير متّسقة مع تخصّصه وخبراته، وسبب تساهل مهتمين بملف «البدون» مع نائب يدعي تبنّي ملفهم ولكنه وقّع على خرائط تشريعية وقوائم أولويّات نيابية خالية تماماً من ملفّهم...

حتى بالنسبة للتشريعات الإصلاحية، تمكّنت التنظيمات الإعلامية «العميقة» من تنفيذ ما حذّر منه البروفيسور لانغ، وهو النجاع في تسويق تشريعات معيبة لتصبح «ما يعتبره أكثرية الناس الطريقة المُثلى للتعامل مع المشكلات».

فعلى سبيل المثال، نجد أن قانون «تأسيس شركات إنشاء المدن الإسكانية» (الذي تتناقض بعض بنوده مع أهدافه المذكورة في مذكرته الإيضاحية والذي انتقده بشدة وزير الإسكان الأسبق الدكتور عادل الصبيح) تعتبره شريحة واسعة «الطريقة المثلى» لمعالجة أزمة السكن. وكذلك الحالة نفسها بالنسبة لقوانين الإصلاح السياسي، كقانون «رد الاعتبار» وقانون «المفوضية العامة للانتخابات» اللذين كانا محل انتقاد واسع من قبل قانونيين معتبرين، فضلاً عن رد القانون الأول وتجميد الثاني.

ومن باب التبسيط، أسأل من ما زال يعتقد أن قانون «المفوضية العامة للانتخابات» إنجاز إصلاحي: هل تجاهل القانون تعزيز معايير النزاهة في جوانب مفصلية بالانتخابات؟ أو هل أوجب القانون التوثيق بالصوت والصورة (كشبكات الكاميرات المنتشرة في معظم مباني الكويت) كامل إجراءات التصويت وإجراءات نقل وفرز صناديق الاقتراع؟

بناء على ما سبق، ومن أجل الإصلاح الشامل الحقيقي، أحذرك في الانتخابات المنظورة من الامتثال للديكتاتوريات الإعلامية «العميقة». تمسّك بأولى أوليّات حلمك الإصلاحي، كردم هوّة التمييز الفئوي وفق المادة (29) من الدستور، ولا تتخلّ عنه لصالح قائمة من أولويات أخرى لمجرّد تواتر تسميتها عبر منصّات التواصل الاجتماعي بالقائمة «الوطنية». فعادة هي قائمة «طينية» رغم بريقها الإعلامي... اللهم أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي