No Script

رؤية ورأي

تنقيح الدستور

تصغير
تكبير

حُدّد في المواد الدستورية الثلاث (174 – 176) آلية وشروط تنقيح الدستور. ومن بين الشروط ذات العلاقة بموضوع المقال، شرطان: مضي خمس سنوات على العمل بالدستور، وعدم جواز اقتراح تنقيح الأحكام الخاصة بمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في الدستور إلّا بالمزيد من ضمانات الحريّة والمساواة.

وأُوضح في المذكرة التفسيرية للدستور، أن الغرض من الشرط الأوّل (مضي خمس سنوات) هو التمهيد لعملية تنقيح الدستور، وأحد أبرز محاور التمهيد هو تأهيل المجتمع لرعاية التقيّد بالشرط الثاني (التمسّك بضمانات الحرية والمساواة في الدستور وتنميتها)، وذلك عن طريق تنمية «الوعي السياسي» في المجتمع وتنشيط «رقابة الرأي العام»، خلال «فترة تمرين على الوضع الجديد» من الحكم الديموقراطي الدستوري، الذي يُوفّر مجموعة من المقومات والضمانات التي في مجموعها «تفيء على المواطنين بحبوحة من الحرية السياسية، فتكفل لهم – إلى جانب حق الانتخاب السياسي – مختلف مقومات الحرية الشخصية وحرية العقيدة وحرية الرأي وحرية الصحافة والطباعة والنشر...».

المحاولات الرسمية الأولى لتنقيح الدستور كانت جميعها بمبادرات حكومية، ولكنها أجهضت أو سحبت بعدما أدركت الحكومة حجم المعارضة الشعبية لتلك المبادرات. لأن تلك المحاولات كانت مُتعلّقة بمشاريع تنقيح الدستور على نحو مخالف لأحكامه وأركانه، وتحديداً نص المادة (175) من الدستور التي لا تجيز تنقيح الأحكام الخاصة «بمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور»، ما لم يكن التنقيح «بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة».

منذ الربيع العربي في الكويت، تكرّرت المطالبات غير الحكومية لتنقيح الدستور، بذريعة تطوير مشروع الحكم الديموقراطي في الكويت. وتمحورت هذه المطالبات – صراحة أو ضمناً – حول تغليب الطابع البرلماني على الطابع الرئاسي.

رغم استحقاق هذه المطالبات من حيث المبدأ، إلا أنها ملغومة ومحفوفة بالمخاطر. فهي في المقام الأول مُعدّة ومدعومة من قبل نوّاب وسياسيين سيرهم النيابية ملطّخة بالعديد من المواقف والتصريحات المعادية لمبادئ الحرية والمساواة الدستورية، ومعهم نوّاب وسياسيون مصنّفون «حماة» مبادئ الحرية والمساواة، ولكن مواقفهم مهادنة أمام التعديات على المبادئ ذاتها. وفي المقام الثاني، نجد أن رئاسة الدولة – خلال فترة تقديم المطالبات غير الحكومية لتنقيح الدستور – أكثر حرصاً من البرلمان على هذه المبادئ.

فعلى سبيل المثال على المواقف النيابية والرئاسية تجاه مبادئ الحرية، أستذكر برعب موافقة نوّاب الأمّة بأغلبية كاسحة على إقرار قانون «إعدام المسيء»، الذي بموجبه يُعدم الجاني في جريمة رأي، وأستذكر بحسرة تقاعس نوّاب وسياسيين آخرين عن التصدّي الجدّي لهذا القانون القمعي، ثم أستذكر بارتياح رفض وردّ هذا القانون من قِبل رئاسة الدولة.

وأما بالنسبة للمثال على المواقف النيابية والرئاسية تجاه ردم هوّة التمييز الفئوي، فأستذكر الإعلانات المتكرّرة منذ عام 1999 عن وجود رغبة سامية لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية، ثم أستذكر مواقف العديد من النوّاب الحاليين والسابقين المعرقلة والمعيقة لتحقيق هذه الرغبة، وغيرها من تطبيقات الأحكام الدستورية الخاصة بمبادئ المساواة، وأستذكر معها مواقف زملائهم الذين أجّلوا وسوّفوا طويلاً هذه التطبيقات المستحقّة.

مشكلة انقلاب المجلس – على مبادئ الحرية والمساواة – تفاقمت في السنوات القليلة الأخيرة، حيث توافق النوّاب الإسلاميون وغير الإسلاميين ومعهم الحكومة على «أسلمة» القوانين – السياسية والسكنية وغيرهما – بذرائع واهية من قبيل أن نصوص «الأسلمة» «توجيهية»، كما حصل في قانون «إنشاء المفوضية العليا للانتخابات»، حين تبنّى نوّاب ليبراليون مع غيرهم تعميم شرط التقيّد بأحكام الشريعة الإسلامية على جميع الناخبين والمرشحين الرجال والنساء بعد أن كانوا يطالبون بإلغاء الشرط عن النساء.

لذلك، رغم استيفائنا شرط المدّة الزمنية، إلا أننا تراجعنا كثيراً عما كنّا عليه قبل الغزو، من نضج في «الوعي السياسي» وحيوية في «رقابة الرأي العام»، فافتقدنا شرط الأهلية لتنقيح الدستور وفق أحكامه وأركانه. ولاستعادتها علينا أولاً أن نفعّل «رقابة الرأي العام» ثم نحسن الاختيار في الانتخابات، فننتخب رجال دولة لا أبطال وأسارى وسائل التواصل الاجتماعي...

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي