No Script

من الخميس إلى الخميس

الغزو الأدبيّ

تصغير
تكبير

هل نحن أمام غزوٍ أدبيّ؟

طالت أمتنا أنماطاً عديدة من الغزو ومن الغُزاة، احتلّت منّا أراضٍ؛ وتغيرت فينا ثقافات؛ واستسلمت لغتنا العربية للهجوم الكاسح عليها، والآن نحن أمام غزو أدبي، قبل أيام وضمن مسابقة أدبية فوجئت بأنماط من الكلمات فازت بمسابقة الشعر الفصيح، هي لم تكن شعراً ولم تكن فصيحة، فكيف نالت الفوز؟!

في تاريخنا القديم يُحكى أن رجلاً قدِم من العراق إلى دمشق على جَمَله، فطمع أهل دمشق به لجمال خلقته، فقام أحدهم بالاستيلاء عليه، وادّعى أن هذا الحيوان ملكاً له، ووصل الخلاف إلى حاكم دمشق الذي كان على عداء مع حاكم العراق، ورغم هذا العداء إلا أنه تحرّى العدل فطلب شهوداً، وكان جميع الشهود من أهل دمشق الذين شهِدوا أن هذه الناقة الجميلة للدمشقي، فما كان من الحاكم إلا أن طلب بتسليم الحيوان للدمشقي، وقبل أن ينصرفوا اقترب العراقي من الحاكم وهمس في أذنه قائلاً: مولاي إن هذا الحيوان جَمَلٌ وليس ناقة، فقام الحاكم مُسرعاً وفحص الجمل، ظهرت الحقيقة؛ وأعاد الجمل لصاحبه، وقبل أن ينصرف العراقي حمّله حاكم دمشق رسالة لحاكم بغداد مفادها: أني أنتصر عليك دائماً بقوم لا يُفرّقون بين الناقة والجمل؛ كحجة له على قدرة القيادة في تحقيق النصر رغم كل شيء.

اليوم، نحن أمام شعوب لا تُفرّق بين الشعر والنثر؛ ولا تُفرّق بين الحكاوي والإبداع الأدبي، الفرقُ بيننا وبين تلك القصة أننا لم نعد نملك قادة في مجال الأدب مستعدين للحرب والدفاع عن الأدب المُستباح أمام أعينهم.

اليوم، أدباؤنا الكبار منطوون على أنفسهم؛ ومكتفون بجلسات المحبة والحوار في رابطة الأدباء، بعضهم عزف حتى عن هذا، تركوا الميدان خالياً وقد اقتضت نواميس الحياة ألّا يُترك فراغ دون أن يُملأ، لذا امتلأت دروب الأدب اليوم بغزاة لا يُفرقون بين أنماط الأدب فيخلطون كل الحروف على مذهب اللغويين؛ ولا يتحرون الكلام في مصطلح النحويين، اختلطت الجُمل كما اختلط على أهل دمشق الجَمَل.

فيا أدباءنا الذين نعرفهم أنتم الأمل في وقف ذلك الغزو، فهل أنتم فاعلون؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي