هل أميركا مستاءة من حرب نتنياهو على غزة... وترْغب في وقْفها؟
يرتفع صوت الإدارة الأميركية للاعراب عن القلق حيال ما يحدث في فلسطين، ويحاول مسؤولوها تصوير الحرب المدمّرة وكأنها خرجتْ عن سيطرتهم وأنهم غير راضين عنها ولا عن مسار سياسة الحكومة الإسرائيلية التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأعضاؤها المتطرّفون من وزراء الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش والتراث عميحاي إلياهو.
فهل الإدارة الأميركية ورئيسها جو بايدن يتّخذان منحى مختلفاً عن نتنياهو وأهدافه ولهما موقف مغاير من الحرب البشعة على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، أم هناك تقارب بين الحليفيْن الإستراتيجييْن؟
لم يتردد بايدن في الإعلان أنه «صهيوني وليس من الضروري أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً»، ليؤشّر إلى مدى التزامه بأمن إسرائيل وشرعيتها كدولة، ودعمه العميق لها بما يتماشى مع السياسة الأميركية المتمثلة بدعم تل أبيب كحليف رئيسي في الشرق الأوسط.
كذلك أعرب عن التزامه الشخصي بأمن إسرائيل اللا مشروط حتى في سياق العمل العسكري الهمجي في غزة والذي أضحى يؤثر على حملة إعادة انتخابه كرئيس لفترة ثانية.
وقد أصبح دعم الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديموقراطي لإسرائيل يمثّل حجر الزاوية في السياسة الخارجية والتي غالباً ما تتجاوز الاعتبارات السياسية الداخلية. وفي تلك الحالة، فإن الإدارات الأميركية تعتقد أن فوائد الحفاظ على تحالف قوي مع إسرائيل أكبر وأهمّ من التكاليف السياسية المحتملة على المدى القصير والأضرار الجانبية التي من الممكن أن تقع بحسب التطورات في الشرق الأوسط.
وبعد السابع من أكتوبر عندما هاجمت «حماس» المستوطنات الإسرائيلية المحتلّة في غلاف غزة، زار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تل أبيب ليعلن أنه موجود «كيهودي» ليؤكد على عمق الدعم الذي يوفّره وسيقدمه لإسرائيل.
وبعد نحو أسبوع، زار بايدن إسرائيل ليعطي «الشرعية» لنتنياهو ليفعل ما يراه مناسباً، فأطلق جيش الاحتلال العنان لأكبر انتقام يحصل أمام عيوم العالم مدمّراً غزة بمن فيها وموقعاً مجازر لا تُحصى وصلت إلى نحو 500 ضحية يومياً.
وقد سئل بايدن مراراً، بعدما رأى العالم الأعداد الهائلة من الضحايا المدنيين وأكثرهم من الأطفال والنساء، إذا كان يدعم وقف إطلاق النار شامل، فكان، ومازال، جوابه بالنفي القاطع.
وتدعم أميركا بكامل قوتها إسرائيل في أهدافها للقضاء على «حماس»، وتطلب من نتنياهو «تخفيف عدد القتلى» وليس التوقف عن ارتكاب المجازر، وهي ساندت جيش الاحتلال بـ 2000 جندي من «قوات الدلتا» وقادة عسكريين لديهم خبرات في حرب المدن، وقدمت الطائرات والسفن المحمّلة بالأسلحة والذخائر، وأطلقت العنان لطائراتها من دون طيار فوق غزة لجمْع المعلومات وارتكاب عمليات الاغتيال، وكانت الوحيدة على منبر الأمم المتحدة الرافضة لوقف إطلاق النار في اجتماعات مجلس الأمن، غير آبهة بتدمير غزة ومدارسها ومؤسساتها وقتل المدنيين وموظفي الأمم المتحدة وتخريب المستشفيات وتدنيس المساجد والكنائس وتهجير السكان قسراً من الشمال إلى الجنوب وكلاهما مناطق غير آمنة بعد تدمير مئات الآلاف من المنازل.
ولم تطلب أميركا من إسرائيل عدم الدخول إلى رفح - آخِر منطقة أقلّ خطراً من الشمال والجنوب - حيث حُشر 1.4 ميلون نسمة في بقعة ضيقة جداً. بل أكدت أنها تقف ضد دخول الجيش الإسرائيلي رفح «من دون خطة». فأخرج نتنياهو الأرنب - الخطة من جيبه ليُرضي حليفه الأميركي ويقدّم له دراسة كاملة عن «ممرات آمنة» كما طلب، بعد انتهائه المزعوم من خان يونس حيث تدور المعارك على أشدّها.
وأرسل بايدن مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي إي) وليام بيرنز إلى المنطقة، ليس لوقف الحرب بل لوقف القتل «موقتاً»، بينما يتبادل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي السجناء من أجل تقديم إنجاز لإسرائيل لتكمل الحرب بعد سحب آخر ورقة تملكها المقاومة. وأرسل نتنياهو موفدين إلى مصر، ليوم واحد «كمستمعين» من دون أن يتمتعوا بأي صلاحية للتفاوض.
نتنياهو في مأزق داخلي يدفعه، إما لاكمال الحرب حتى ولو على حساب الأسرى، وإما للتفاوض لتبادل الأسرى ليستطيع سحق «حماس» من بعدها واستعادة زخم الحرب من جديد بتدميرٍ أكبر وتحقيق أهدافه المعلنة بالقضاء على الحركة وحُكْمها في غزة وتدمير الأنفاق.
وقد أبدى بايدن خشيته من «عدد القتلى المدنيين الفلسطينيين المرتفع» ولم يطلب يوماً من إسرائيل وقف القتل بل تخفيف عددهم. وهذا يؤكد أن أميركا تعمل فقط لتساعد نتنياهو على تحقيق أهدافه وليس لوقف الحرب التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجَماعية والتي دفعت محكمة العدل الدولية لقبول دعوى جنوب أفريقيا المرفوعة ضد إسرائيل بسبب مجازرها وجرائمها، وهذا ما أَغْضَبَ أميركا التي وَصفت الدعوى بأنها «غير مُناسِبة» و«غير ضرورية» و«لا تملك الشرعية».
حتى أن أعضاء الكونغرس ذهبوا إلى تقديم طلب سحب أي دعم لجوهانسبورغ بسبب الدعوى على إسرائيل.
ووصف مسؤول العلاقات الخارجية للمجموعة الأوروبية جوزيب بوريل الموقف الأميركي بدقة، فقال: «كم مرة سمعنا قادة ورؤساء ووزراء العالم يقولون إن الناس يُقتلون؟ الرئيس بايدن قال إن هذا عدد كبير (من القتلى) وهو غير مناسب. ان كنتَ تظن ذلك، ربما ينبغي أن تزوّد (إسرائيل) بكمية أقل من السلاح لمنْع قتل الناس. الجميع يذهب ليتوسل تل أبيب لحماية المدنيين، وعدم قتل العدد الأكبر منهم. ولكن ما هو العدد الكبير بالنسبة لهم؟ نتنياهو لا يستمع لأحد. يريد إجلاء (المهجرين الفلسطينيين في رفح)، إلى أين؟ إلى القمر؟ ان كانت الأسرة الدولية تعتبر أن هذه مجزرة وان عدداً كبيراً من المدنيين قُتلوا، ربما يجب عدم تسليم السلاح. إفعَلوا شيئاً وتوقّفوا عن الكلام».
وفي حين أن لا أحد في أوروبا وأميركا والعالم إلا ويعترض على ما يحصل في فلسطين، إلا أنه وفي الوقت عينه، لا أحد يقوم بأي خطوة تشعر فيها إسرائيل بتهديدٍ ما. بل إن الولايات المتحدة حصلت على دعم الكونغرس لتوفير 14.5 مليار دولار لإسرائيل لتخفيف أعباء الحرب.
لن توقف أميركا دعمها لإسرائيل بل تريد منها التزام الصمت وعدم إحراجها. ولا تريد وقف الحرب بل ترغب بإنهاء حُكْم «حماس» في غزة حتى ولو أصبحت مقتنعةً بأن القضاء على المقاومة غير متاح.
لذلك فإن الهدف المشترك لدى أميركا وإسرائيل هو هزيمة «حماس» وانتصار نتنياهو لأن عدم حصول ذلك من شأنه ضرب أكبر حليف لواشنطن في الشرق الأوسط وفتْح شهية أعداء أميركا وإسرائيل لإعادة سيناريو 7 من أكتوبر بطريقة أو بأخرى.
وتالياً فإن واشنطن تتشارك مع تل أبيب في المسؤولية عما حصل ويحصل وسيحصل كشريكٍ في جميع الجرائم التي وقعتْ، وذلك نتيجة تلَاقي الأهداف والمصالح المشتركة بين الطرفين، ما يفرض عدم التلهي بالتصريحات المضادة التي لا تهدف إلا لحرف النظر عن الحقيقة الراسخة بأن أميركا هي إسرائيل والعكس صحيح.