No Script

اتجاهات

لماذا تتجه العلاقات الأميركية - الصينية إلى المزيد من الانفراج في 2024؟

تصغير
تكبير

انزلاق دولتين في صراع أو تنافس عنيف، لا ينفي إمكانية التعاون في ما بينهما. وذلك النمط في العلاقات يطلق عليه النمط (التنافسي/ التعاوني). والحقيقة أن هذا النمط في العلاقات بين القوتين هو النمط السائد بينهما بصورة شبه متفق عليها منذ قرابة عقد. إذ عادة ما يتم تصوير العلاقات بين القوتين في نمطها الصراعي المتصاعد، ويتم إغفال أوجه التعاون والعلاقات المتشابكة المتعددة بينهما خصوصاً على الصعيد التجاري. فعلى سبيل المثال، تتعمد إدارة بايدن أن تشير بأنها في منافسة، وليس في صراع، إستراتيجية مع الصين.

منذ منتصف العام 2021، وبالتحديد منذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، لتايوان، بدأ يأخذ مسار العلاقات بين الدولتين منحى شديد التوتر. وإن كانت هذه الزيارة الداعم القوي لهذا التوتر؛ ومع ذلك فاقم هذا التوتر جملة تطورات مهمة ومنها استمرار التضييق على الصادرات الأميركية اللازمة للتصنيع التكنولوجي للصين، وحادثة منطاد التجسس الصيني، وتعزيز إدارة بايدن لتحالفاتها الأمنية في الباسيفيك، والتي من بينها «تحالف أوكوس النووي»... وغيرها. وعلى أثر ذلك، تم تعليق الاتصال العسكري بين الجانبين، مع الحفاظ على مستوى العلاقات والتعاون في بقية المجالات.

ومنذ منتصف 2023، ظهرت بوادر، وإن كانت من الجانب الأميركي أولاً، بطي صفحة التوتر العنيف بين الجانبين. حيث قام بلينكن وزير الخارجية الأميركي بزيارة مفاجئة لبكين، وتلاها زيارة رفيعة المستوى لوفد من الكونغرس. كما قام وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسينجر، بزيارة تاريخية لبكين في إطار مساعيه التقليدية لتوطيد التقارب بين القوتين لمنع حرب عالمية ثالثة كما كان يحذّر دائماً.

وتوجت جهود التقارب، باللقاء التاريخي بين بايدن وشي جين بينغ في سان فرانسيسكو، نوفمبر 2023، على هامش قمة «أبيك». وأهم ما أسفر عنه هذا اللقاء هو الاتفاق على استئناف الاتصال العسكري بين القوتين.

الانفراجة بين بكين وواشنطن التي تتجه نحو المزيد من الرسوخ والتعمق في 2024؛ يجب قراءتها عبر سياقات ومستويات متعددة أكثر عمقاً وشمولاً. القوتان في حالة حرب باردة ومنافسة شديدة تتزايد وطأتها في المجالات كافة، حتى المجال السيبراني، بات محل صراع قوي بين القوتين.

ومع ذلك -كما أشرنا سلفاً- أن كلتا القوتين تخوض هذه الحرب في سياق نهج المنافسة؛ أي هناك شبه اتفاق ضمني بينهما بألا تنزلق هذه المنافسة إلى صراع صفري أو حرب شاملة. علاوة على ذلك، ثمة هناك اتفاق بينهما أيضاً بضرورة استمرار التعاون والاتصال؛ للتصدي للتحديات العالمية الخطيرة التي غدت تشكّل تهديداً خطيراً للعالم ولمصالحهما المترامية في العالم، كقضية التغير المناخي وانتشار السلاح النووي.

ففي واقع الأمر، أن نمط وتحديات النظام الدولي في الوقت الراهن، يختلفان كلياً عن مرحلة ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي. فضلاً عن ذلك، أن قوة الصين تختلف تماماً عن قوة الاتحاد السوفياتي آنذاك. وعليه، تحتم هذه المعطيات على القوتين تبني نهج تنافسي في العلاقات يتنصر فيه الأذكى والأكثر صبراً على المدى البعيد، ومنع قيام حرب بأي شكل من الأشكال لأنها ستؤدي إلى تدمير القوتين والعالم معهما، والمهم أيضاً تحتم التعاون بينهما لأنه لا تستطيع قوة بمفردها أن تواجه هذه التحديات.

وعلى أساس ذلك، أو لنقل البعد الكلي الشامل للعلاقات، فحدوث انفراجة في العلاقات كانت ستحدث لا محالة أو من الصعب أن تدم طويلاً.

وما من شك أن هناك بعضاً من الأحداث الضاغطة التي سارعت في الانفراجة وليست هي باعث الانفراجة -كما تذهب بعض الأقلام- ومنها، رغبة الطرفين في إحداث تسوية أو حلحلة في الحرب الأوكرانية التي تسير في منحى شديد الخطورة، وأيضاً إنهاء الحرب في غزة التي تدفع المنطقة إلى فوضى عارمة بالغة الضرر على مصالح القوتين. هناك أيضاً التصدي لاستفزازات كوريا الشمالية النووية التي بدورها أيضاً قد تدفع شبه الجزيرة الكورية إلى حرب وسباق تسلح مزعج. وربما في ظل ما يعاني منه اقتصاد القوتين من ركود وتباطؤ، يرغبان في تعزيز التعاون الاقتصادي كما كان في السابق.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي