من العراق إلى سورية وباكستان
هجمات إيران الإستراتيجية... رسائل مدوّية عبر المنطقة
ضربتْ إيران أهدافاً عدة في سورية والعراق وباكستان، رداً على «العملية الإرهابية» التي استهدفت منطقة كرمان وسقط فيها 100 شخص قبل أسبوعيْن، وكذلك لدور التنظيمات المختلفة في سورية، باغتيال رجال الحرس الثوري.
واستخدمت طهران، مسيَّرات و24 صاروخاً بالستياً في الضربة، ضد «قواعد تجسس إسرائيلية في المنطقة الكردية العراقية»، وفق قولها، وكذلك ضدّ «جيش العدل» الذي أعلن عن عشرات العمليات على الحدود مع باكستان وأفغانستان.
كما أطلقت 13 صاروخاً بالستياً دقيق الإصابة، على أهداف في سورية بمدى 1200 كيلومتر (الصواريخ التي أطلقت تصل إلى مدى 1450 كلم وتعمل بالوقود الصلب الذي يطلق خلال دقائق قليلة من إعداده). وقد أطلقت من خوزستان ومن منصات متنقلة في مناطق أخرى مجهولة، فيما أطلق 11 صاروخاً باتجاه أربيل من شرق أذربيجان وكرمنشاه. وهذا الأمر اكتسب أبعاداً بالغة الدلالات لأسباب عدة زادت من أهميتها الحرب الإسرائيلية على غزة.
فما الرسائل التي وجّهتْها طهران عبر هذه الصواريخ العابرة للدول؟
أرادت بالدرجة الأولى، أن تقول إنها لا تخشى أن تُفسَّر ضربتُها التي أصابت شمال سورية، أي في مدى يوازي المسافة نفسها بين إيران وتل أبيب، على أنها مستعدّة للذهاب إلى أبعد من «ضربة تأديبية»، إذا تطوّرت الحرب على غزة، ووجدت أن هناك خطراً على مستقبل المقاومة في غزة أو لبنان، وأن لديها الإمكانية لذلك إذا انزلقتْ الأمور نحو اتجاه لا ترضى عنه.
وتَعَمُّد إطلاق صواريخ ذات الوقود الصلب، يعطي إشارةً واضحةً إلى أن حلفاء طهران، مثل «حزب الله» في لبنان والمقاومة العراقية والحوثي في اليمن، يستطيعون امتلاك هذه الصواريخ وأخرى معدَّلة يمكن نشرها بسرعة تحت تهديد طيران معادٍ متفوّق السيطرة، لضرب أهداف ضمن مسافة أقل بعداً من التي عبرتْها الصواريخ من إيران، وتحميلها بأكثر من 450 كلغ من المتفجرات.
ومن ناحية إستراتيجية، توفّر هذه الضربات شكلاً من أشكال الردع وتحذيراً للقوى المناهضة لها خصوصاً إسرائيل وأميركا، كما أنها تعزّز موقف الحرس الثوري في التزامه بالدفاع عن أمن إيران وحلفائها، وتؤكد ثقتها بقدراتها واستعدادها للانخراط في السياسة والجغرافيا السياسية الإقليمية.
كذلك تُعتبر الضربات بمثابة الوفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه السيد علي خامنئي بالانتقام من عملية كرمان وعمليات أخرى ضربت الأمن في داخل والخارج.
واللافت أن هذه الصواريخ الإستراتيجية عبرتْ فوق دول شرق أوسطية، تملك فيها أميركا قواعد عسكرية، من دون أن تعترضها أي قوة. وهذه أيضاً خطوة في إطار إظهار القوة التي أرادتْ إيران إبرازَها في حال اعتقدتْ أميركا أنها تستطيع يوماً ما، في ظل الرئيس جو بايدن أو مَن سيخلفه، التعاملَ بالقوة مع أي خطر أو تهديد تَعتبر أنها تشكله، وذلك على قاعدة التحذير من أنها قادرة على ضرب أهداف عدة ومتنوعة في المنطقة في حال الحرب عليها.
ولم تكتفِ طهران بضرب الصواريخ من قواعد ثابتة، بل استخدمتْ منصات متحركة ومتنقلة، كدليل على امتلاكها نظاماً مرناً قادراً على تجنُّب أن يُكشف والتملص من التدمير، وكذلك صواريخ أُطلقت من صوامع تحت الأرض وبعيداً عن القواعد العسكرية الثابتة والمخازن الاستراتيجية لصواريخها.
أما النقطة الإضافية التي أرادتْ إيران إظهارها، فهي التجربة الفعلية لصواريخها على أهداف واقعية. وجاءت دقة الإصابة والسرعة الكبيرة التي اجتازتْها هذه الصواريخ لتكشف التكنولوجيا التي وصلت إليها والتي تخوّلها ضرب أي هدف تريده ضمن نطاق صواريخها وقدراتها المتقدمة.وتعتبر إيران أن «الموساد» الإسرائيلي يقف خلف التمويل والتدريب لضرباتٍ تُوجّه في الداخل، وكذلك عمليات الاغتيال لقادة في الحرس الثوري في سورية، بتعاوُنٍ محلي.
وسبق لطهران أن اتهمتْ أربيل، بإيواء ضباط ومراكز استخبارات إسرائيلية، وضربتْها أيضاً في كردستان العراق. إلا أن ضرْب هدف لـ «الموساد»، بحسب إيران، يعني أنها لا تخشى مواجهةَ إٍسرائيل في وقت تتواجد الأساطيل البحرية الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر وشرق المتوسط.
وهذا دليل على استعدادها لرفْع التحدّي وقبول المواجهة بغض النظر عن مجموع أو نوع القوى الموجودة، وأنها تستطيع فرض حال الحرب على المنطقة إذا أرادت ذلك.
ومن الرسائل التي تنطوي عليها هذه الضربات الصاروخية أيضاً، أن طهران قوة إقليمية قادرة على معاقبة أعدائها بطريقة مماثلة للقوى العالمية الأخرى.
إذاً، ليس هذا الحدَث مجرد استعراض للقوة العسكرية ولكنه مدجَّج برسائل مصاغة بعناية فائقة وموجّهة إلى جهات عدة على المسرح الإقليمي والدولي، وهي تعكس تصميم إيران على تأكيد نفوذها وحماية مصالحها في بيئةٍ مضطربة أنها وتستطيع القيام بعمليات عسكرية متطورة كانت حكراً على القوى الدولية العظمى.
وهذا دليل على التصعيد المستمرّ في الشرق الأوسط والذي يحمل عنواناً واحداً: حرب إسرائيل على غزة ودعم الغرب اللامحدود لها، وكذلك مدى قوة حلفاء إيران في لبنان وسورية واليمن.