... هكذا تعمل المقاومة في غزة على إبقاء 7 أكتوبر «ذكرى للأبد» في عقول الإسرائيليين
بعد أكثر من مئة يوم على الحرب التي أعلنتْها إسرائيل على غزة، لم يجد الرئيس الأميركي جو بايدن، كلمةً واحدة يذكر فيها الـ 24.000 فلسطيني الذين سقطوا على يد أعتى المجرمين الإسرائيليين، و70 في المئة منهم أطفال ونساء، بحسب تقارير منظمات الأمم المتحدة الموجودة في قطاع غزة والتي اغتالت إسرائيل 144 من موظّفيها.
وهذا يؤكد أن العدالة وحقوق الإنسان والقوانين الدولية لم تعد لها قيمة إلا عندما يتعلّق الأمر بالدول التي تنتمي للحلف الغربي المُهَيْمن.
في خطابه الانتخابي، ذكر الرئيس الأميركي ما استطاع «إنجازه» في تبادل الأسرى الإسرائيليين والأجانب غير المقاتلين في الأسابيع الأولى من الحرب على غزة.
كذلك خاطب العالم ليذكّره بوجود «أكثر من 100 أسير إسرائيلي»، بينهم 6 من مزدوجي الجنسية (الأميركية والإسرائيلية)، بيد «حماس» والفصائل الفلسطينية المقاومة، وكأن حرب غزة تدور رحاها على كوكب آخر.
فأميركا لم تطلب يوماً وقف إطلاق النار، بل جاهرت على لسان رئيسها ووزرائه والناطقين باسم البيت الأبيض والبنتاغون بأنها ترفض وقف النار.
وتؤيد واشنطن سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحربه التي أصبح المسؤولون الإسرائيليون يعتبرون أنها «حربه الشخصية» للبقاء في السلطة.
فبعد 101 يوم من الحرب، لم تحقق إسرائيل أي هدف إستراتيجي واكتفت بإنجازات تكتيكية تحتلّ فيها بقعاً في قطاع غزة وتنسحب من الشمال التي تنطلق منه الصواريخ بشكل شبه يومي على البلدات الإسرائيلية.
وقد أعلن رئيس الوزراء السابق إيهود اولمرت، الذي قاد حرب لبنان عام 2006 انه «يجب طرد نتنياهو على الفور، هو وحكومته الإرهابية»، وهو يعني وزير الأمن ايتمار بن غفير الذي، مع زميله وزير المال بتسلئيل سموتريش، وكذلك وزير التراث عميحاي الياهو، الذي يُطلق عليه «الوزير النووي» لمطالبته نتنياهو بـ«استخدام السلاح النووي لقصف غزة».
إلا أن المفاجأة أتت من قائد الأركان السابق، الوزير في حكومة الحرب المصغرة الحالية، غادي إيزنكوت، الذي صرح بأنه «ينبغي التوقف عن الكذب على أنفسنا وإظهار شجاعة للتوصل إلى اتفاق في شأن المحتجزين الإسرائيليين»، رداً على زعيم حزب «شاس» الذي ادعى ان «القضاء على حماس سيتطلب وقتاً طويلاً».
وتكمن أهمية تصريح إيزنكوت في انه، عدا عن كونه قائداً سابقاً للجيش الإسرائيلي وخدم في لواء غولاني وقادَ (سابقاً) الجبهة الشمالية وأحد المخططين المقررين في الحرب الدائرة في غزة منذ السابع من أكتوبر، فإن نجله قُتل أثناء القتال في غزة وتحديداً في شمال القطاع قبل بضعة أسابيع.
وفشلت إسرائيل في تدمير قدرات «حماس» التي توقع عدداً هائلاً من الإصابات في صفوف قوات الاحتلال وتنشر البعض من هجماتها على وسائل الإعلام لضرب صورة إسرائيل ومعنوياتها. وكذلك فشلت في وقف قصف المستوطنات وحتى استهداف تل أبيب التي تنهال عليها الصواريخ كلما أعلنت السلطات الإسرائيلية عن نجاحها (المزيف) بضرب مقدرات المقاومة.
وهذا يدل على تتبع يومي للأخبار الإسرائيلية وان القيادة والسيطرة الفلسطينية في قطاع غزة على دراية بما يحصل خارج القطاع وتتصرّف على أسس سياسية وعسكرية وتوجّه الرسائل في اتجهات عدة.
وبسبب تَعاظُم الضغط الإسرائيلي على حكومته لوقف الحرب وتلبية شروط «حماس» لتحرير الأسرى - بعدما كان المجتمع الإسرائيلي يؤيد استمرار الحرب لأسابيع - فقد ساهمت المقاومة في تأجيج النقمة الداخلية بإعلانها ان مصير الأسرى أصبح في أماكن عدة غير معلوم ولربما قُتل البعض منهم كما حصل لعدد من هؤلاء بسبب القصف المتواصل على القطاع.
وعلى الرغم من الدمار الهائل في الممتلكات وأعداد الضحايا المرتفع بين السكان وكذلك الجرحى وقلة الغذاء والدواء، إلا ان غزة صمدتْ في وجه ألوية من أكثر الجيوش تسليحاً وعدداً وفي ظل عدم تكافؤ القوى. وكذلك وقفت المقاومة صامدة كما كانت غزة منذ عام 1956 و1967 وطوال عشرات الأعوام الفائتة من دون ان ترضخ للاحتلال ولا للتهجير خارج فلسطين، رغم التهجير الداخلي لـ 1.800.000 من أصل 2.3 مليون فلسطيني يقطن القطاع المنكوب.
ولن يتوقف نتنياهو أمام ضغوط القادة الإسرائيليين لأن إستمرار الحرب يبقيه في السلطة ويدعم بقاءه كرئيس للوزراء غير ملاحَق قانونياً لأن أي تلكؤ من الممكن ان يتسبب بانسحاب حلفائه المتطرفين من الحكومة هم الذين يرفضون توقف الحرب إلى حين تدمير واحتلال كامل غزة.
إلا أن المشكلة تكمن في الرأي العام الدولي والدول الغربية (عدا أميركا) وبلدان أخرى لم تعد تدعم إسرائيل وحربها.
وعلى الرغم من اللجوء الى محكمة العدل الدولية لإدانة إسرائيل، ومهما كان قرارها، فإنها لا تملك الصلاحية للتنفيذ وفرض مقرراتها. ولم يبقَ سوى الميدان الذي يستنزف الجيش والاقتصاد الاسرائيلي الذي تضرّر في شكل كبير خصوصاً بعد تمنع غالبية السفن عن العبور في البحر الأحمر الذي أصبح شبه ساحة حرب بسبب قرار الحوثيين بإغلاقه في وجه البضائع والسفن الإسرائيلية، وكذلك الأميركية والبريطانية بعد قصفها لعشرات المواقع في اليمن التي اعتبرتْها أهدافاً شرعية وجزءاً من الحرب الدائرة.
إذاً ترتبط الحرب بالميدان وتطوراته وكذلك بتعاظُم السخط على نتنياهو من حلفائه في الخارج والداخل، ولكن بدرجة غير حاسمة، لأن الأمر يتمحور حول استماتته لتحقيقه أي نصر يستطيع من خلاله الإفلات من العقاب.
وهذا ما تعلمه المقاومة وتعمل على تعطيل أهداف رئيس الوزراء وإنهاء الحرب الإسرائيلية من دون أي إنجاز يُذكر، ولتبقى ذكرى السابع من أكتوبر «محفورةً في ذاكرة الإسرائيليين للأبد».