هذه حسابات «حزب الله» في الردّ على كسْر إسرائيل قواعد الاشتباك

كما أحرق نيرون روما... نتنياهو يحرق لبنان ليبقى في الحُكْم

     نقطة مراقبة إسرائيلية قرب الحدود مع جنوب لبنان (ا ف ب)
نقطة مراقبة إسرائيلية قرب الحدود مع جنوب لبنان (ا ف ب)
تصغير
تكبير

لم يَعُدْ خافياً أن إسرائيل تقف وراء اغتيال القادة الفلسطينيين من تنظيم «حماس» وعلى رأسهم صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة ومعه قائد وممثل «كتائب القسام» في لبنان والخارج سمير فندي، وعزام الأقرع، وهو أحد القادة البارزين الذين كانوا على رأس قائمة الاغتيالات الإسرائيلية منذ مدة طويلة.

إلا انها قتلت أيضاً ثلاثة لبنانيين ومعهم قواعد الاشتباك التي فرضها «حزب الله» منذ أعوام كحائطِ صدٍّ أمام عمليات الاغتيال والتجاوزات التي نفذّها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لينقذ نفسه مراهناً على حبل نجاة يُبْقيه في الحكم بعد فشله بتحقيق أهدافه في غزة.

فإلى أين يمكن أن يؤدي هذا التصعيد؟ وهل الرد على اغتيال العاروري سيمرّ بمجرد قصف حدودي مكثّف تستطيع إسرائيل تحمله، ويسمح لها بإعادة الكرّة ضد أهداف وفيرة موجودة في لبنان من القادة الفلسطينيين واليمنيين والعراقيين والإيرانيين ومن «حزب الله» نفسه؟

في الليلة نفسها، قبل 4 أعوام، اغتالت أميركا اللواء قاسم سليماني وأبومهدي المهندس معتقدةً ان هذه العملية ستقوّض قدرات المقاومة ضد الوجود الأميركي في الشرق الأوسط وضد حليفتها إسرائيل.

وما فعلتْه إسرائيل لا يختلف كثيراً عما فعلته سابقاً ضد قادة فلسطينيين ولبنانيين وإيرانيين لتسجّل انتصاراتٍ تكتيكيةً إعلاميةً، لأن حركات المقاومة لم تعتمد يوماً على قائد واحد نظراً لقيادتها المرنة المسطحة وليس الأفقية الهرمية ولأن احتمال الاغتيال أو القتل موجود دائماً في حساباتها اليومية، إن كانوا أفراداً أو قادة.

إلا أن ما أقدم عليه نتنياهو كان من الممكن توقعه نظراً لوضعه الحكومي البائس. فهو أدرك ان أهدافه بتدمير «حماس» وتحرير الأسرى لن يتوافر لجيشه الذي يتعرض لعشرات الإصابات اليومية وقد استطاعت المقاومة حصْد أكثر من 10.500 إصابة بين جنوده، بحسب تقرير المستشفيات التي حصلت عليها صحيفة «هآرتس».

وخفض نتنياهو سقف أهدافه ليعلن انه يريد اغتيال يحيى السنوار، قائد «حماس» في غزة ومحمد الضيف، قائد «القسام»، علماً أن مقتل القادة لا يغيّر في قدرات المقاومة على أرض المعركة.

وهو اعتقد أنه باقتحام جنوده خان يونس في جنوب غزة وحي الشجاعية - وفيهما القواعد الرئيسية لـ «القسام» - يستطيع إيجاد بعض الجنود لتحريرهم أو قتل قادة «حماس» ليعلن نصراً ما.

إلا انه اصطدم بتصريح حلفائه في الحكومة وتهديدهم بالاستقالة إذا أوقف الحرب التي لم تحقق أي هدف إستراتيجي عدا عن تدمير القطاع وقتْل المدنيين.

كما أن نتنياهو لم يقدّم الأمان للاسرائيليين المهجّرين من مستعمرات غلاف غزة. وتالياً لم يعد يملك سوى الهروب إلى الأمام والذهاب نحو إمكان توسع الحرب أو تسجيل انتصار ما يستطيع أخذه معه حين انتهاء ولايته بعد أن يضمن عدم ملاحقته القضائية.

ولكنه قبل أن يقدم على عمليات اغتيال في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، فهو بدأ باغتيال عناصر من الوحدات الخاصة في «حزب الله» في منازلهم، وآخَرين من وحدات الهندسة لمشاركتهم في قصف المواقع الإسرائيلية وذلك بعد عودتهم إلى بيوتهم سالمين.

واعتُبرت هذه خطوة غير مسبوقة اعتقد بإزائها «حزب الله» ان إجراءات أمنية جديدة وصارمة كافية لتخفيف الإصابات وإبعاد هؤلاء العناصر عن مرمى قدرات إسرائيل الالكترونية.

إلا ان رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يخطط لمسار آخَر لاقتناعه بأن «حزب الله» يتجنب منذ الثامن من أكتوبرالدخول في حرب واسعة لأن تمددها على جبهة ثانية لن يوقف القصف على غزة.

لكن الأمور اختلفت اليوم، فالضاحية الجنوبية لبيروت تحوي العديد من قادة المقاومة من جنسيات مختلفة، بمَن فيهم قادة «حزب الله». علماً أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله كان وضع سقف قواعد الاشتباك على قاعدة: «الضاحية مقابل تل أبيب».

ومن الممكن جداً أن يكون نتنياهو يأمل ضمناً ان ينفّذ السيد نصرالله تهديده ويوسّع الحرب لتتدخل أميركا ودول أوروبية أخرى لفرض وقف إطلاق نار شامل ووضع القرار 1701 على طاولة التنفيذ ووقف المعارك في غزة التي لا يجرؤ بنفسه على وقفها خوفاً من تصدُّع حكومته وإعلان فشل جيشه في تحقيق الأهداف.

وفي تصوُّر نتنياهو أن من الممكن، بعد تمدّد المعركة، أن ينزل عن الشجرة غير خاسر بل أن يُظهر ان صداقتَه لأميركا وعلاقتها مع إسرائيل أهمّ من إكمال الحرب، وهذا قد يُخْرِجُه من المأزق الداخلي الذي وقع فيه.

وتالياً لم يتبق لـ «حزب الله» سوى البحث عن ضربة ذكية وقوية ولكن مدروسة لتثبيت قواعد الاشتباك وإعادة التوازن إلى مساره السابق وردْع إسرائيل عن الاستمرار بمسلسل الاغتيالات، أو الاستعداد لمجازر متتالية ومتبادلة إذا أصر نتنياهو على اغتنام الفرصة لتوسيع رقعة الحرب وجرّ الجميع إلى معركة كبرى تنهي المعركة الصغرى من أجل مستقبله السياسي. فقد سبق لنيرون أن أحرق روما لتبقى السلطة بيده، وها هو نتنياهو يحاول حرق لبنان ليبقى في الحُكْم.

في هذه الأثناء، نشرت إسرائيل بكثافة «القبة الحديد» على طول الحدود مع لبنان، وتتهيأ تل أبيب وحيفا وطواقم الإسعاف لاحتمال ضربات «حزب الله» الصاروخية الدقيقة والتي تستطيع النفاذ من القبة بمجرد إغراقها بمئات الصواريخ عند إطلاقها دفعة واحدة ومرة واحدة.

وتتحضر المقاومة لتوسيع المعركة أيضاً واستدعاء القوات اللازمة لها من دون إعلان النفير العام بعد.

وتالياً فإن لبنان أمام امتحان كبير ليحافظ على جبهته الداعمة لغزة أو للدخول في الحرب، كما أرادها الضيف، قائد «القسام»، منذ اليوم الأول، ليقع الجميع في حضن حرب نتنياهو ليبقى في الحُكْم على حساب جميع الفرقاء.

وفي حال نشبت الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل على مستوى أوسع، فإن رقعة الاشتباك ستتمدد ليطول حريقها جبهات أخرى لأن «حزب الله» لن يُترك وحيداً في هكذا معركة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي