رؤية ورأي

بيان النزول عن اختصاص دستوري

تصغير
تكبير

بعد يوم واحد من النطق السامي التاريخي الذي ألقاه حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، نشر عدد من أعضاء المجلس بياناً عبر منصة «إكس»، اختلف المراقبون السياسيّون في تحليله وتصنيفه. فمن بينهم من اعتبره إيجابياً جدّد الدعوة إلى الالتزام بالإطار الدستوري. وفي المقابل، اعتبره عدد آخر من المراقبين بياناً تجهيلياً متناقضاً مع صريح مضامين الخطابات السامية الأخيرة ومغايراً عن عدد من الحواصِل والوُقَّع، كالتحالف النيابي الحكومي المشين والرقابة النيابية المفقودة والمخرجات التشريعية العوراء.

وهناك أيضاً مراقبون اعتبروا البيان انحرافاً نيابياً عن الدستور، وغطاءً لنزول نوّاب عن اختصاص دستوري.

فمعدّو البيان تهرّبوا من التداول الدستوري الموضوعي المباشر مع عدد من المضامين الرئيسة في النطق السامي، كان أبرزها ما ذكره سموّه في شأن استمرار وتزايد استيائه من أداء السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث إنهم قفزوا بالطرح السطحي على مجموعة حقائق، ذات علاقة متينة بمباني ومحاور البيان، ومن بينها ثلاث حقائق...

الأولى هي أن سموّه طالب في خطابات سابقة، السلطتين التشريعية والتنفيذية بإجراءات تصحيحية لصالح الوطن والمواطنين.

والحقيقة الثانية أن سموّه في النطق الأخير صرّح بوضوح أنهما لم يصحّحا مسارهما وأن كلمتهما اجتمعت «على الإضرار بمصالح البلاد والعباد».

والحقيقة الثالثة هي أن سموّه ذكر صراحة عدداً من الشواهد والأدلة على «مدى الإضرار بمصالح البلاد ومكتسباته الوطنية».

فرغم أهمية هذه التصريحات - كونها صدرت من رئيس الدولة - وفداحة وخطورة ما جاء فيها، إلا أن البيان لم يخلص إلى طلب عقد جلسة خاصّة لمناقشة مضامين خطاب سمو الأمير، شريكهم في تولّي السلطة التشريعية وفق المادة (51) من الدستور.

بل ان هذا البيان زُيّفت فيه حقائق وزُيّن فيه «العبث المبرمج»، وحُجّمت فيه أبعاد هذا العبث بالادعاء أنه مجرّد «قرارات تنفيذية اختلفت القيادة السياسية في قناعاتها حول جدواها وهي من صميم عملها من خلال وزرائها وذلك إعمالاً لمبدأ فصل السلطات وفق المادة 50 من الدستور».

حسب رأي مراقبين سياسيين، هذه الدعوة إلى «إعمال مبدأ فصل السلطات» الدستوري - في هذا التوقيت بعد الانتقاد السامي الحاد للنواب ومعهم الحكومة - ليست سوى دعوة مُضلّلة، لأنها غيّبت وتجاهلت مواد دستورية أخرى تُنظّم صلاحيات الأمير تجاه مجلس الأمّة، من بينها المادة (51) التي تنص على أن «السلطة التشريعية يتولّاها الأمير ومجلس الأمّة وفقاً للدستور»، والمادة (107) التي تجيز للأمير حل المجلس.

الدعوة الأخرى الأشد تضليلاً في البيان هي الدعوة إلى التمسّك بالدستور، حيث خُصّصت مقاطع كثيرة من البيان للتأكيد على هذه الدعوة، وذُكر الدستور الوثيقة خمس مرّات في البيان، فضلاً عن الإشارات المتعددة إلى المواد الدستورية.

وفي المقابل، وعلى نقيض العرف السائد لدى النوّاب وعموم السياسيين في الكويت، لم يَتضمّن البيان أي اقتباس من أقوال الأمير حول الدعوة ذاتها، بالرغم من كثرتها في خطاباته عندما كان ولياً للعهد، ورغم تجديدها مرتين في النطق السامي الأوحد لسموّه منذ أن تقلد سدّة الحكم أميراً للبلاد.

لذلك تساءل مراقبون سياسيون إن كان هذا السقوط سهواً أم كان بقصد إرسال رسالة ضمنية ابتدائية.

من جهة أخرى، لوحظ أن عدداً من النوّاب الذين نشروا البيان يحذّرون في الدواوين من احتمال حل البرلمان حلّاً غير دستوري.

وهنا تساءل بعض الحضور، لماذا التخوّف من لجوء السلطة إلى خيار الحل غير الدستوري، ولدى السلطة بديل ناجع شارك فيه نفس النوّاب؟ وهو تكرار تجربة المجلس المبطل الثالث، حين كانت الحكومة تغيب عن الجلسات ورئيس المجلس يرفعها لغياب الحكومة، والنوّاب يحيّون رئيس المجلس لأنه اتخذ قراراً عكس قناعته، ويحصّنون الحكومة من أي مُساءلة مستحقّة لأنها إصلاحية... اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي