«الراي» تكشف بنوداً على طاولة التفاوض
ما هو العرض الإسرائيلي لوقف الحرب على غزة؟
لا نقاش في أي صفقةٍ إلا بعد الانسحاب الكامل من قطاع غزة، و«الكلّ مقابل الكلّ» مع ضماناتٍ دولية بألّا تعاود إسرائيل اعتقال مَن ستُفْرِج عنهم وبأن لا عودة للاغتيالات.
هذا هو موقف قيادة المقاومة من كل العروض التي تقدّمها تل أبيب للخروج من مأزقها وإطلاق سراح جميع المحتجَزين والمحتجَزات، وهو الملف الذي يمثل ضغطاً كبيراً على حكومة بنيامين نتنياهو، الذي، ومن خلال العروض، يؤكد حقيقةً أصبحت واقعاً بأن إسرائيل «هُزمت».
قدّمتْ تل أبيب من خلال مبعوثها إلى قطر، عرضاً للمقاومة الفلسطينية، لإنهاء ملف الرهائن الفلسطينيين والأسرى المحتجَزين الإسرائيليين الذين أحرجوا نتنياهو وحكومته المتطرّفة التي يهدّد وزراء فيها بالانسحاب إذا أوقف جيش الاحتلال الحرب ولم يدمّر غزة على رأس سكانها.
فضرباتُ المقاومة الموجعة، أثبتتْ أنها تملك الأرضَ وتستطيع أن تضرب بـ «يد من حديد» عندما يتوقف القصف العشوائي وقتْل المدنيين وتلتحم وجهاً لوجه، بعيداً عن إسناد الدبابات والمَدافع والطائرات.
لذلك، فإن قتْلَ ثلاثة قادة ألوية وخمسة من قادة الكتائب و150 ضابطاً من أصل أكثر من 490 قتيلاً في صفوف الجيش الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر الماضي، وجّه ضربةً قاسيةً، خصوصاً في ظل انعدام الأفق والأهداف التي تستطيع إسرائيل تحقيقها.
وقد ظَهَرَ جلياً أن تحريرَ الأسرى والقضاءَ على حركة «حماس» مستحيلٌ، خصوصاً بعد الهجمات التي تَعَرَّضَ لها الجيش الغازي في المناطق التي احتلّها وأعلن السيطرة عليها منذ 27 أكتوبر. ولهذا فإن العرض الذي قدّمه نتنياهو من خلال مبعوثه، يؤكد أن إسرائيل أصبحت مقتنعةً بأنها لا تستطيع احتلال غزة ولا البقاء داخلها.
فقد عَرَضَ المُفاوِضُ الإسرائيلي، الانسحابَ من المدن الفلسطينية والإبقاء على حاجز في وادي غزة، الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، والاحتفاظَ بمنطقة عازلة في الشمال لحماية المستوطنات في «غلاف غزة».
ويدل مثل هذا الطرح على استحالةِ إبقاء الجيش منتشراً في القطاع كما هي الحال اليوم، وأنه يدرك أن انسحابه يقلص أعداد قتلاه والهجمات التي يتعرّض لها، والتي من المؤكد أنه سيتعرض لها إذا بقي على انتشاره الراهن داخل غزة.
أما بالنسبة للاحتفاظ بمنطقةٍ عازلة، فإن هذا الطرح ليس جديداً، إذ سَبَقَ لإسرائيل أن أنشأت مناطقَ عازلةً وانسحبتْ منها تحت ضربات المقاومة. إضافة إلى ذلك، فإن هكذا منطقة تصبح بؤرة عسكرية تسمح للمقاومة بالهجوم على المواقع الإسرائيلية التي تكون في هذه الحال هدفاً سهلاً لها كلما حصل حَدَثَ أمني في أي بقعة من فلسطين، بحيث يتحوّل الجنود الإسرائيليون بمثابة sitting ducks.
وتالياً، فإن البقاءَ على حدود غزة أو حتى في الوادي - حيث يتعرض الجيش الغازي لضربات وهو يملك آلاف الجنود هناك ولديه مركز قيادة وسيطرة - ما هو إلا طرحٌ تفاوضي غير قابل للتنفيذ.
وأحد البنود التي عرضتْها إسرائيل عودةُ الفلسطينيين إلى شمال غزة والسماح بإدخال المساعدات بعددٍ غير محدود أو حتى الانسحاب الكامل خارج غزة إذا وافقتْ المقاومةُ على إطلاق المجنّدات أولاً وبعدها جميع الأسرى المعتقلين مقابل جميع الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بما فيها الغزاويين الذين اعتُقلوا خلال الاجتياح ومن ضمنهم القيادي في حركة «فتح» مروان البرغوتي، والأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات.
إلا أن إسرائيل لم توافق على إنهاء الحرب ووقْف الأعمال العدائية والتعهّد بعدم القيام باغتيالات أو معاودة اعتقال مَن عرضت الإفراج عنهم والذين سيعودون إلى منازلهم. وبين هؤلاء أكثر من 700 فلسطيني من الضفة الغربية (من أصل أكثر من 10 آلاف معتقل) تستطيع توقيفهم مجدداً، نظراً إلى سيطرتها الأمنية على الضفة وعجْز السلطة الفلسطينية عن الدفاع عن أبنائها في المناطق التي يُفترض أن تكون تحت القيادة الفلسطينية وحدها في «المنطقة أ».
وقد رفضتْ المقاومة عرض إطلاق سراح المجنّدات مقابل هدنة أسبوعين تُمدَّد إلى فترات أخرى، لأن ذلك من شأنه تعويم نتنياهو، الذي سيبرهن أنه ينجح من خلال القصف القاسي المدمّر لغزة في تحرير عدد من الأسرى، ما سيسمح بالعودة إلى «مربع القصف» والاجتياح للضغط على سكان غزة ومقاومتها.
إنها مؤشرات إسرائيلية قوية تدل على أن الجيش لا يستطيع البقاء في بيئةٍ مُعادية، ولن يستطيع محوَ غزة أو تدميرها وقتْل جميع سكانها.
إنها هزيمة إسرائيل التي يحاول قادتُها تأجيل إعلانها فقط، وتالياً إنها مسألة وقت قبل إعلان هزيمة «الجيش الذي قُهر على أبواب غزة».