ماذا يَكشف مقتل الأسرى الإسرائيليين عن سلوك جيشهم... وتأثير المقاومة؟
تمكّن ثلاثة أسرى إسرائيليين من الفرار عندما قُتل حراسهم من المقاومة الفلسطينية في شمال قطاع غزة.
وبحسب البروتوكول المتبع قام الأسرى بخلع قمصانهم للدلالة على أنهم لا يحملون سترة من المتفجرات ورفعوا أيديهم وحملوا علماً أبيض للإشارة إلى وضعيتهم غير القتالية، واقتربوا من «وحدة غولاني» الخاصة العاملة في الشجاعية وتواصلوا مع عناصرها باللغة العبرية للتعريف عن أنفسهم، فأردوهم قتْلى برصاصات عدة، ليوضح الاحتلال لاحقاً أنه أخطأ في تحديد هويتهم لأنهم اعتُبروا كتهديد وكفلسطينيين.
واستعيدتْ مع هذا التصرّف الطريقة المعتادة تجاه الفلسطينيين بشكل عام أثناء الحرب وقبل ذلك أيضاً والتعامل برصاصٍ قاتِل معهم حتى ولو لم يشكلوا أي تهديد، وأشاروا إلى نيات سليمة وسلميّة.
وهذا يتطلّب فَحْصاً لقواعد الاشتباك الخاصة بالجيش الإسرائيلي وتَعامُله مع القانون الدولي وسلوكه المهني الشامل وفقدانه لأدبيات الجيوش في وقت الحرب والتأثير النفسي الذي أوجدتْه المقاومة في نفوس جيش الاحتلال.
في بداية الأمر، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن هدفَه هو إطلاق الأسرى وتفكيك «حماس». إلا أن إغراقَ الأنفاق ورفْضَ مقترحاتِ وقف إطلاق النار والتفاوض لاستعادة الأسرى والقصف العشوائي يشير إلى نيات مختلفة.
وهذا يدلّ على انه، بالنسبة لنتنياهو، فان مقتل الأسرى الـ 138 أفضل من عودتهم سالمين والتفاوض عليهم أحياء لينخفض «ثمن المبادلة».
إضافة إلى ذلك، فإن المشاركة لوقت طويل في قتالٍ مكثّف مثل حرب المدن ضدّ مقاومةٍ محلية مصمّمة على الدفاع عن أرضها توثّر على نفسية الجنود والغزاة. وهذا يثير توتراً يفرض على الجنود اتخاذ قرارات سريعة وتقييماً للأوضاع يؤدي إلى أحكام سريعة.
وهذا يأخذنا إلى مستوى الاحتراف والتدريب الذي لا يشمل فقط المهارات بل القدرة على التمييز بدقةٍ بين الأصدقاء والأعداء في وقتِ المعركة.
إلا أن ذلك يتعلّق بقواعد الاشتباك والاحترام للقانون الدولي في ما خص السجناء وغير المقاتلين الذي تلتزم أو لا تلتزم به إسرائيل.
جدير ذكره أن خسارة إسرائيل منذ أيام قليلة لقائد كتيبة «لواء غولاني» الكولونيل تومر غرينبرغ، إلى جانب 19 ضابطاً وجندياً في حي الشجاعية، تُعدّ «ضربةً قاسية»، ما أوجد شعوراً باليأس والذعر من قدرات المقاومة وتصميمها.
وهذا ما يدفع الجيش المحتلّ إلى قتْل كل مَن يتحرّك داخل منطقة العمليات، ضارباً بعرض الحائط القواعد الدولية والقوانين التي تطالب بحماية المستسلمين والمدنيين... ويؤكد أن الاحتلال لا يتمتع بالسلوك العسكري المشرّف ولا يلتزم بالقوانين التي تُفرض على الجيوش أثناء الحرب ولا باتفاقية جنيف في ما يتعلق باستسلام المقاتلين أو تحييد المدنيين.
وتالياً، فإن قواعد الاشتباك التي وضعها نتنياهو بالتنسيق مع قيادة الأركان تبرّر تصرّف الجيش وأفراده بحسب الأوامر المعطاة لهم والتي تقضي بقتْل المدنيين لإيقاع أكبر عدد من الضحايا وإثارة الرعب في نفوسهم وتلقينهم درساً مميتاً لبقائهم في شمال غزة وعدم مغادرتها.
وكل هذا مؤشّر إلى أن إسرائيل تَعتبر نفسها فوق القانون ولا تُحاسَب على أفعالها. وهذا ليس بجديد على الدولة التي رفضت تطبيق مقررات الأمم المتحدة وتمعن في قتل الفلسطينيين منذ عام 1948 ولا تجد مَن يملك الشجاعة ليفرض عقوبات عليها.
بل إنها تتمتع بحصانة دائمة أمام الأمم المتحدة والمحاكم الدولية بسبب الدعم اللا محدود الذي تتلقاه من الولايات المتحدة وكذلك من المجتمع الدولي رغم ارتكابها للمجازر على شاشة التلفزيون أو حتى لقتلها 133 موظفاً من الأمم المتحدة وقتْل وجرح أكثر من 70 ألف فلسطيني في غزة وتدمير المستشفيات والمدارس والأبنية السكنية.
إذاً، لا يمكن اعتبار قتْل أسرى على يد جيشهم خطأ، بل التزامٌ من القيادة والأفراد بالأوامر والتعليمات القاضية بذلك والتي تهدف إلى تهجير سكان غزة أو إخضاعهم بعد قتْل عدد كبير منهم، ليرتعب مَن تبقى ويُلقَّن درساً بأن شهْر السلاح في وجه إسرائيل مكلف جداً.
إلا أن هذا لا يسْري على المقاومة التي تمنع استقرار الجيش الغازي الذي يعترف بأنه لم يختبر هكذا معركة شرسة ولا مقاومة مماثلة ولا حربَ مدنٍ يقاتل فيها «أشباح».
إنها معركة الإرادة أمام الأعداد الهائلة من الجيش المربَك في الميدان أمام روحيةٍ عالية وتصميمٍ من أهل الأرض على تلقين هذه القيادة المتعجرفة درساً لن تنساه أبداً، وكذلك درْس لأفراد الجيش المحتلّ، بأن لا رحمة في قلب قيادته حتى تجاه جنودها إذا وقعوا في الأسر وأن لا قيمة لهم إذا احتُجزوا في أرض المعركة وقُتلوا، لأن ذلك أفضل من بقائهم على قيد الحياة.