ذبابة غزة

ناصر الجبر
ناصر الجبر
تصغير
تكبير

أيها القاضي أتينا نشتكي جُرمَ العصابَهْ

فاستمعْ يا ذا المهابَهْ

أرضُنا صارتْ يبابا

أصبحتْ مجزرةً.. مقبرةً.. أمستْ خرابا

ودمانا غمرتْ أرضًا.. والسماءْ

قتلُنا يُعرضُ حيًّا فلمَ رعبٍ بالهواءْ

والجماهيرُ بصمتٍ تشهدُ الأشلاءَ بثًّا

في محطاتِ الفضاءْ

وأنينُ الطفلِ لحنٌ في الإذاعَهْ

أنصفِ المظلومَ من أنيابِ ذئبٍ.. والقرابَهْ

فتح القاضي كتابَهْ

ثم قالْ:

أنتمو يا أهلَ غزَّهْ

لكمو في القلبِ معزَّهْ

فخرُنا أنتم وعزَّهْ

كلُّ ما قلتم هُراءٌ وإشاعَهْ

ليس عندي أيُّ حكمٍ أو عقابٍ أو إجابَهْ

فوليُّ الأمرِ أميركا

أصدرَ الأمرَ بصمتٍ وخُنوعٍ وبسمعٍ وبطاعَهْ

أطعمَ القوم جُبنًا فاستساغوهُ شجاعَهْ

أحرقَ النَّخوةَ فيهم فتلاشوْا في مهبِّ الريحِ رمادا

سلبَ النصرةَ منهم فغدا الإذعانُ تقليدًا وعادَهْ

نزعَ النجدةَ حتى أصبحَ الخذلُ عبادَهْ

جمَّدَ الإحساسَ حتى باتَ ظلاًّ وجمادا

والحماةُ أفتوْا: لم يحِنْ شرطُ الجهادْ

لا قتالٌ لا رباطٌ لا زُحوفْ

وازحفوا نحو الرقادْ

فاستغيثوا لن تُغاثوا

واصرخوا... حتى الصدى أبكمُ أعمى وأصمّْ

ستعيشونَ رُعاةً للمآسي والألمْ

وتموتونَ حُفاةً وعراةً وجياعا

وفِّروا أنفاسَكمْ واستعينوا بالبكاءْ

واندبوا مثنًى وثلاثًا ورباعا

أغلق القاضي كتابَهْ

.....

ومضينا نحو أهلٍ وصحابَهْ

نطرقُ الأبوابَ بابًا ثم بابا

كانتِ الأعذارُ ردَّا وإجابَهْ

كم أدنَّا وشجبنا وندبنا وتصدَّقنا عتابا

قد تزكَّينا بكاءً ودعاءً مُستَجابا

ودفعنا جِزيةً دمعًا وآهًا وخِطابا

وعقدنا قِممًا من أجلِ عينيكِ فلسطينْ

فابشروا بالغوثِ وعداً... وبما لذَّ وطابا

واهنأوا بالمنَّ والسلوى

عندما يأذنُ فرعونُ وهامانُ وصهيونُ وبنيامينْ

ورفيقٌ هامَ صمتًا وتغابى

وشقيقٌ وهبَ الشتمَ وعابا

وصديقٌ قالَ عهدًا سوف أنوي

نظمَ نثرٍ وقصيدهْ

فاقرأوها بعد حينٍ في الجريدَهْ

ولْتموتوا... إن من ماتَ على الحقِّ سيرقى

للسماواتِ شهيداً

بعضهم واسى وآسى بدُعابَهْ

غيرُهم هزَّ رأسًا ثم غابا

عزفوا لحنَ الجنازاتِ بأناتٍ لنايٍ ونواحٍ من رَبابَهْ

فمضينا وبحثنا... لم نجدْ إلا ذبابَهْ

....

يا ذبابَهْ

زادُنا غمٌّ وهمٌّ وكآبَهْ

نأكلُ الجوعَ ونجترُّ العذابا

خبزُنا حزنٌ وذلٌّ ومهانَهْ

ما طعِمنا غيرَ خوفٍ وهوانٍ وإهانَهْ

ولماذا؟

إنه الإنسانُ قد أغلقَ بابَهْ

وأرانا أن في الموتِ ملاذا

فانصرينا

سألتْ نملاً وقالت:

لا غرابَهْ

أنتمُ الإنسُ تعيشونَ بغابَهْ

.....

يا ذبابَهْ

شِرْبُنا دمعٌ وآهاتٌ مُذابَهْ

طفلنا يشربُ وهمًا وسرابا

إنه الإنسانُ قد أشهرَ نابَهْ

وسبى الماءَ انتزاعًا واغتصابا

صبَّ في النهرِ سمومَهْ

رشَّ ملحًا في السحابَهْ

صبغَ البحرَ دماءً فجرى النهرُ كسيحا

أسقطَ البئرَ ذبيحًا.. هجَّرَ النبعَ جريحا

فالعِدا قد سلبوا كلَّ قطْرٍ ورذاذٍ.. والندى

أخذتْ رأيَ بعوضٍ ثم قالتْ:

لا غرابَهْ

أنتمُ الإنسُ تعيشونَ بغابَهْ

.....

يا ذبابَهْ

عيشُنا ليلٌ طويلٌ وسوادٌ في سوادِ

جعلوا الدنيا غرابا

ألبسوها ثوبَ حزنٍ وحِدادِ

قطعوا الشمسَ علينا

فصلوا البدرَ وتيارَ النجومْ

كلُّ نورٍ أو شُعاعٍ يتلاشى تحتَ إرهابِ الرقابَهْ

والمآقي أطفأوها

كحَّلوها برمادٍ... أفرغوا فيها السمومْ

همستْ في أذُنِ الصرصارِ وقالتْ:

لا غرابَهْ

أنتم الإنسُ تعيشونَ بغابَهْ

.....

يا ذبابَهْ

تنزفُ الأمعاءُ قيحًا ولُعابا

والشرايينُ مصابَهْ

إن في الأفواهِ نارًا ورماحًا وحِرابا

إنه الإنسانُ أرسى للجراثيمِ قُصورًا

وبنى للداءِ صرحًا وقِلاعًا وقبابا

أطلق الطاعونَ علينا

باعنا السلَّ طعامًا وشرابا

أوْلمَ الأطفالَ للموتِ.. وفي كلِّ حُطامٍ نائحَهْ

فاسألي القريَةَ تُخبرْكِ بهولِ الجائحَهْ

استعانت برؤًى من عنكبوتٍ ثم قالت:

لا غرابَهْ

أنتمُ الإنسُ تعيشونَ بغابَهْ

.....

يا ذبابَهْ

أنصفينا... أنقذينا

قد رأينا فيكِ عزمًا وصلابَهْ

فاستشارتْ حشراتٍ ثم قالتْ:

أنتمُ الإنسُ خزايا ورزايا

أنتمو شرٌّ ومكرٌ وخطايا

وعيوبٌ وفضيحَهْ

فاسمعوا منَّا النصيحَهْ

لتعيشوا بسلامٍ وأمانٍ وهدايَهْ

قلِّدونا وخذونا مثلاً أعلى وغايَهْ

واقتدوا يا معشرَ الإنسِ بنا

ثم طارت

.....

بعد يأسٍ عادتِ الروحُ إلينا

إذ رأينا بين أنقاضِ الخرابَهْ

كفَّ طفلٍ رافعاً نحو السماواتِ سُبابَهْ

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي