«حماس» تتحضّر للحرب... ونتنياهو أمام خيارات سيئة
دبابات إسرائيلية متمركزة على حدود غزة أمس (أ ف ب)
،
يَجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نفسَه أمام خياريْن، كل منهما مُرّ وصعب ولا يَخدم مستقبله السياسي.
فالولايات المتحدة ودول أوروبا، حلفاء إسرائيل الذين دعموها وأطلقوا يدَها للقتل والدمار في غزة، ينادون بضرورةِ وقف إطلاق نارٍ دائم، بينما صرّح وزير الأمن الوطني المتشدّد إيتمار بن غفير وكذلك وزير المال بتسلئيل سموتريتش، بأنهما، مع 6 وزراء من ائتلافهما سينسحبون من الحكومة إذا توقفت الحرب، خصوصاً أن جيش الاحتلال لم ينجز أيّاً من أهدافه ويقضي على حركة «حماس».
إلا ان المقاومة الفلسطينية أعدت العدة لاستقبال الغزاة إذا تغلّب التطرف والمكابرة على لسان العقل.
وعلمت «الراي» من مصادر قيادية في «محور المقاومة» ان «المقاومة في غزة، حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الأخرى، أنشأت غرفةَ عملياتٍ موحّدة في جنوب غزة وشمالها، واستدعت واستبدلت جميع القوات الموجودة في الشمال في الأسابيع الأولى من الحرب، وأبقت على مسؤولي المناطق والكوادر الذين هم من شمال غزة وعلى دراية بكل تفاصيلها. وزَجت المقاومة بقواتٍ كبيرة مدعومة بالإمكانات العسكرية واللوجستية والغذائية للصمود لأشهر عدة. وكذلك وضعت خططَ الهجوم والدفاع وحرب المدن لإيقاع أكبر عدد من قوات الاحتلال بأفخاخ فوق الأرض وتحتها».
وتؤكد المصادر أن «خسائر المقاومة ليست كبيرة وأقل بكثير مما تكبّده الجيش الغازي من خسائر. فمن المعلوم ان المُهاجِم يتكبّد خسائر أكبر بكثير من المُدافِع وبالأخص في حرب المدن. إلا ان أكثر الذين سقطوا من المقاومة في الأسابيع الاولى كانوا جراء القصف السجادي وأحزمة النار التي دمّرت فيها إسرائيل شمال وجزءاً من جنوب غزة. وقد توقف القصف بعد أسابيع عدة للسماح بالاندفاعة البرية ولأن إسرائيل لم تعد تملك بنك أهداف محدداً تدمره داخل القطاع. وتالياً فإن المقاومة مستعدّة لإيقاع أكبر عدد ممكن من الإصابات وأسْر الجنود أحياء أو أمواتاً، كما حصل حين أسرت المقاومة جنوداً عدة سقطوا في أرض المعركة وسحبتْهم حماس أمام تقدُّم الدبابات الاسرائيلية».
وتضيف المصادر انه «لم يعد هناك أي من المعتقلين الإسرائيليين في شمال غزة، إلا بعض الذين دُفنوا تحت الأنقاض بسبب قصف إسرائيل المتعمّد لقتْل رهائنها، بحسب عقيدة هنيبعل، التي تفضّل قتل الإسرائيليين في الأسر أو أثناء عملية الأسْر بدل إبقائهم أحياء ليُدفع ثمنٌ أقل تكلفة على حكومة العدو. وبالتالي فإن كل المحتجَزين الإسرائيليين موجودون في أماكن آمنة».
وأرسلتْ الولايات المتحدة وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، ليس كيهودي، كما قال أثناء زيارته الأولى لتل أبيب، بل كمُفاوِضٍ للمرة الخامسة ليجتمع مع المجلس الحربي المصغّر ويطلب من إسرائيل وقفاً دائماً لإطلاق النار، أو، إذا تعثّر هذا المطلب، ليقدّم شروط دولته بحال أصرّ نتنياهو على إكمال حربه.
وتريد واشنطن ان تمتنع إسرائيل عن تدمير المزيد من المنازل ومنْع الهجرة القسرية لسكان الشمال نحو الجنوب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للجنوب والشمال.
وهذه المطالب تتضارب مع سياسة إسرائيل التدميرية التي يتبعها نتنياهو الذي لم يطلق سراح 102 من المعتقلين إلا بالتفاوض ولم يقضِ على «حماس» وبقي لدى المقاومة أقلّه 140 (وأكثر) معتقلاً ومعتقلة من المجنّدات والمجنّدين والضباط والجنود. وهذا ما يمكن أن يُحدث صداماً بين الطرفين الإسرائيلي والأميركي تحديداً، الذي يرى أنه، ومعه حليفته، خسرا الحرب الإعلامية، إذ انتفضتْ الشعوبُ ضدّ الجرائم الإسرائيلية التي نُقلت مباشرةً على الهواء وأمام عيون الناس، ما استحال معه التغطيةُ على الجرائم كما كان يَحدث في السابق. إضافة إلى ذلك، فقد تَضَرَّرَ الحزبُ الديموقراطي الأميركي الذي يَنتظر خوضَ الانتخابات الرئاسية السنة المقبلة بسبب دعْمه لإسرائيل وعدم محاسبتها على أفعالها. وتالياً، فإن الإدارةَ الاميركيةَ ترى ضرورة تحديد الخسارة وإعطاء زمن كافٍ لينسى العالم ما فعلتْه إسرائيل قبل الوصول إلى نقطة اللا عودة.
وتقول مصادر فلسطينية مواكبة للتفاوض إن «حماس مستعدة للتفاوض على إطلاق النساء اللواتي أنهين الخدمة العسكرية ومن ثم المجنّدات وبعدها الرجال الذين أنهوا الخدمة العسكرية، ولاحقاً الجنود، والضباط وآخرهم الجثث، لأن إسرائيل تحتجز مجاهدين محكومين بالمؤبّد وكذلك جثث مجاهدين استشهدوا قبل 30 عاماً. وتالياً فإن لدى المقاومة ما لدى إسرائيل لتفاوض عليه والعكس صحيح، إذا أرادت إكمال هذا المسار. وهذا ممكن من خلال المفاوضات لأنه لن يتم التفاوض ابداً تحت النار».
وقد أعلن السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولا دي ريفيير، أن «الهدنة يجب أن تصبح وقف إطلاق نارٍ دائماً وينبغي تفادي تجدد العنف». وعادة، عندما تبدأ الدول الغربية بالمطالبة بإنهاء القتال، يكون هذا مطلباً إسرائيلياً، كما حصل في حروب سابقة.
وفي تصريح لافت، أعربت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس - غرينفيلد عن استيائها «للعنف المتطرف من المستوطنين ضد فلسطينيي الضفة الغربية»، داعية إلى «محاسبة المسؤولين» في موقفٍ لم يسبق لواشنطن ان أعلنتْه منذ تسلم الرئيس جو بايدن الحكم. وهذا يدل على الموقف المتضارب بين حلفاء الأمس والذي لا ينفصل عما يحدث في غزة والجهود الرامية لوقف إطلاق نارٍ دائم.
مُدّدت الهدنة للمرة السابعة في وقتٍ يَبحث جميع الأطراف عن مَخْرج. فالطرفُ الفلسطيني يحتاج لتخفيف العبء على الشعب وليُدْخِل المساعدات الغذائية والدوائية ولإعادة البناء. ويحتاج الإسرائيلي لإطلاق المحتجَزين لتخفيف الضغط عن الحكومة وكذلك الضغط الدولي، حتى من الحلفاء، ومن الشعوب التي تقف ضد جرائم إسرائيل.
بقي مساران داخل إسرائيل: استئنافُ القتال واستكمال العملية العسكرية للحفاظ على الائتلاف الحكومي من دون انجاز أيّ أهداف، أو سقوط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة ومحاسبة المقصّرين وتوقف القتال.
ومهما كان الخيار الإسرائيلي، فمن المتوقع أن تنتصر المقاومة خصوصاً بعد فشل إسرائيل في تدميرها كما يطالب المتشدّدون. ويحاول نتنياهو المناورةَ بين ألغام حماس والمتطرفين داخل حكومته ليبحث عما يُمكن أن يُقدّمه للمتطرفين داخل حكومته أو الخروج بأقلّ قدر من الخسائر. أما نجاح جهوده السياسية والمناورة لمنْع سقوطه المدوي من عدمه فسيتجلى في الأسابيع المقبلة.