No Script

إطلالة

ماذا فعلتِ بنا يا غزّة العزّة؟

تصغير
تكبير

إنّ معركة طوفان الأقصى التي تطورت إلى حرب بقرار من الكيان الصهيوني، اندرجت في تاريخ طويل عريض من هذا الصراع المرير مع هذا الكيان الغاصب، الذي شكل من بعد الحرب العالمية الثانية، أكبر تحدٍ للبلدان العربية وبلدان المنطقة.
ولكن الدارس الفطن لهذا التحدي، يفهم أن هذه المنطقة الغنية بالبترول والغاز، شكلت وتشكل دائماً اهتماماً فائقاً من القوى العظمى من مطلع القرن العشرين لأهميتها الإستراتيجية، وعمقها التاريخي وموقعها الجغرافي.

أما في ما يخص العرب والأمة الاسلامية فإن الغرب، كان دائماً له حساب قديم معهما لن يكتفي من خلاصه ولا ينتهي منه، لاعتبارات أيديولوجية، دينية وحضارية.
ويأتي وعد بلفور المشؤوم وقيام الكيان كتعبير عن كل هذه الأهداف مع استمرار المشروع الكولونيالي الاستعماري للامبريالية العالمية، بعد الاستعمار العسكري المباشر، الذي أصبح مكلفاً لهذه القوى، فأنتج هذا الكيان المسخ، للسيطرة على المنطقة ومقدراتها وشعوبها.
ومنذ تأسيس دول الاستقلال العربية، ومشروعها للنهوض بشعوبها وصياغة نهضة حضرية تسد الهوة بينها وبين المجتمعات المتحضرة والمتقدمة، شكل العدو الصهيوني صدمة قوية لهذه الدول الناشئة، وقزم من حجمها وتطلعاتها لأنها وجدت نفسها أمام أفضل ما أنتجت الحضارة الغربية من نخبة علمية، اقتصادية وتكنولوجية، انكسرت أمامها كل طموحاتها وتطلعاتها.
فبعد صراع مرير، انخرط جزء منها في المشروع الصهيوني، لكي ينشد السلامة، وتهيأ إليه أنه أمسك بآليات الحضارة ولكن في شكلها السطحي ورغم هذا لم ينتج طفرة حضارية نهضوية، لعدم رفعه هذا التحدي وذلك بحرقه مراحل الارتقاء المريرة في سلم الحضارة.
وهنا تأتي الإجابة عن ماذا فعلت بنا غزة؟ ففي هذه الحرب، أثبت الشعب الفلسطيني والغزاويون بالتحديد، أننا أمام تجربة فريدة من نوعها في الترقي الحضاري ورفع التحديات وأثبتت أنه بالإمكان إنتاح مجتمع أبي جذوره ثابتة على أرضه وتحتها، واستطاع هذا الشعب أن يجيب عن كل هذه التحديات وعلى كل هذا التفوق الصهيوني. فكال الصاع صاعين، ولقنه كل الدروس العسكرية، التكنولوجية والاجتماعية والتنظيمية والإعلامية وغيرها من الميادين التي تفوقت فيها المقاومة الفلسطينية على رابع أقوى جيش في العالم الذي له إمدادات مالية وعسكرية لا حدود لها، فكبدته الخسائر تلو الأخرى، وهنا من دون تضخيم أو تفخيم لأننا نستسقي هذه الإنجازات من العدو نفسه الذي أقر بها بشتى الوسائط.
أما المرجفون والخانعون فإن انتصار المقاومة وامتلاكها مفاتيح النصر والنجاح للتخلص من هذا المشروع الاستيطاني الكولونيالي، فلا يدّخرون أي مجهود لإحباط هذا النهج بل وصل بهم الحد إلى الانخراط مع الصهاينة في مجازرهم وإجرامهم ضد أهلنا المقاومين في غزة لا لشيء إلا للتأكد من هزيمة الشعب الفلسطيني وإجباره على اتباع نهج الانبطاح نفسه والعمالة مثلهم لأنهم قد ضلوا الطريق من زمان ولم يعودوا يتقبلون أي طريقة حقيقية للخلاص والنصر.
أما العالم فقد انتبه فجأة بعد السابع من أكتوبر، أن حكوماته ودوله لا تملك قرارها ولا تدين لشعوبها التي انتخبتها بشيء، فهي منخرطة في مشروع أكبر من دولها، بل ضد مصلحة شعوبها، حتى انها قادرة على أن تضحي بكل شيء حتى بإنسانيتها، أمام هول المجازر والتقتيل للأطفال والنساء والعجائز في غزة، التي انبرى إعلامه إلى طمس الحقائق وفبركة الأكاذيب، لا لشيء إلا لحجب الحقيقة عن شعوبهم ولكن هيهات، فقد دار الزمان وتبدّلت الأرضُ غير الأرضِ وقد هيأ الله لهذه الحقبة، وسائط وآليات لكي يكتشف الناس الحقيقة وينتفضوا على هذا الوضع المزري ويكتشفوا ما كانت دولهم تخفي عنهم، ففهموا أن تعاستهم وشغف العيش الذي هم فيه هو مرتبط بهذا المشروع الصهيوني، وإن ترك الحبل على الغارب فإنهم ذاهبون إلى الهاوية والهلاك، فما وباء كوفيد 19 عنهم ببعيد، وما حرب أوكرانيا إلا حلقات من سلسلة كوارث انخرط فيها الغرب لكي يؤدجن شعوبه في مشروع لا يهتم بهم ولا يحقق لهم أي رخاء أو عيش كريم، بل عكس ذلك من غلاء الأسعار وتحطم المقدرة الشرائية للمواطن العادي.
فأمام كل هذه الأمراض والأسقام والكوارث والحروب التي يعاني منها العالم اليوم تنفجر هذه الحرب لتعري حقيقة من انتصبوا لقيادة العالم، وكيف أنهم لا يتوارون قديماً وحديثاً عن قتل الناس حتى لو قضوا على ثلثي العالم لكي يسيطروا على مقدراته ويضمنوا لأنفسهم التفوق والعلوية.
ولكن يمكرونَ ويمكرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين. فنحن كمسلمين ننطلق من عقيدتنا التي تقوينا على مقارعة شياطين الإنس والجن، فقد أمرنا الله بجهادهم ومقاومتهم بما اوتينا من قوة وقد وعدنا جل وعلا بالنصر عليهم، قال تعالى:
«كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» المجادلة (21)
قد حكم الله وكتب في كتابه وقدر قدره الذي لا يخالف ولا يمانع، ولا يبدل، بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، وأن العاقبة للمتقين، وكتب القوي العزيز أنه الغالب لأعدائه. وهذا قدر محكم وأمر مبرم، أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: «إنّا لننصرُ رُسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقومُ الأشهاد* يوم لا ينفعُ الظالمين معذرتُهم ولهم اللعنةُ ولهم سوءُ الدّار» غافر (51، 52).
فأمام هذا الوعد القاطع بالنصر للمؤمنين، آمن أهل غزة بربهم
وإمكاناتهم وعزموا على دحر أولياء الشيطان الذين قال الله في وليهم: «إنّ كيد الشيطانِ كانَ ضعيفاً» فمهما اكتسب الصهاينة من تكنولوجيا وآليات متقدمة، فهذه غزة قهرت جبروتهم وعطلت آلياتهم
وتكنولوجياتهم وبينت للعالم أن هذا الكيان هو أوهن من بيت العنكبوت.
فشكراً غزة والنصر للأحرار والعزة لله.
و«لله الأمرُ من قبل ومن بعد».
alifairouz1961@outlook.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي