إسرائيل تعيد انتشارها في شمال قطاع غزة... وجثث أجانب وإسرائيليين تحت الأنقاض تنتظر التفاوض

آليات عسكرية إسرائيلية شمال غزة
آليات عسكرية إسرائيلية شمال غزة
تصغير
تكبير
،

بينما يستقبل الفلسطينيون المزيد من الأسرى النساء والأطفال، تنسحب قوات الاحتلال الإسرائيلية في شمال غزة من مناطق مختلفة لتعاود انتشارها وبناء التحصينات استعداداً لبقاء طويل في القطاع بانتظار المفاوضات في شأن تبادل المخطوفين والأسرى والذي ينذر بمرور وقت طويل قبل إقفاله نهائياً.
في الـ 50 يوماً الأوائل لبداية الحرب، دخلتْ قوات الاحتلال شمال القطاع من ثلاثة محاور وسيطرت على خط البحر في الشمال الغربي بعد فصْلها الشمال عن الجنوب في وادي غزة، ودفعتْ بقوات أخرى من الشمال والشمال - الشرقي.

إلا أن وقف إطلاق النار فرض على هذه القوات الانتقال من الاندفاعة الهجومية إلى إجراءات دفاعية للحفاظ على المكتسبات الميدانية وتحديد مناطق ونقاط الدخول والخروج ومناطق الانتشار وبناء التحصينات برفْع السواتر الترابية لمنْع تسلل المقاومة واصطيادها للقوات الإسرائيلية المنتشرة في بُقَعٍ دفاعية محددة.
وانسحبت هذه القوات من جزء كبير من خط الشمال - الغربي على طول شارع الرشيد ومخيم الشاطئ ومرفأ غزة ومجمع المستشفيات - التي تنظف الخراب الذي تسببت به القوات الإسرائيلية أثناء دخولها - ما يدلّ على الانتقال إلى مرحلة جديدة أكثر هدوءاً تنتظر شمال غزة.
علماً أن السواتر الترابية تمنع القنصَ وتحجب الرؤيةَ عن مطلقي القذائف المضادة للدروع وتَسمح للجنود بالتنقّل بأمان ما دام وقف إطلاق النار ساري المفعول.
وتمشّط قوات الاحتلال القطاعات التي تتواجد فيها داخل خط الدفاع وتدهم المنازل والأنفاق التي تقع ضمن مناطق إجراءاتها وانتشارها الدفاعي إذ لم تسنح لها الفرصة للسيطرة التامة عليها تحت النار، خصوصاً أثناء تعرضها لضربات المقاومة القاسية.
وتمنع القوات الغازية دخولَ المدنيين في مناطق انتشارها وتمرْكزها حيث أوجدتْ مواقع قيادة وسيطرة متقدّمة لإدارة العمليات ومستودعات ذخيرة من الممكن أن تحتاجها إذا أعطي لها الأمر بالعودة للاندفاعة الهجومية.
ولا يمكن استبعاد استئناف الحرب العنكبوتية والهجينة للمقاومة إذا بقيت القوات الإسرائيلية داخل شمال غزة من دون اتفاق بعدم التعرض لها أو إذا انتقلتْ للهجوم.
إلا أن عودة القتال قرار يصعب اتخاذه لأنه سيعقّد الأمور لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الناحية الداخلية حيث يطالب الإسرائيليون بالإفراج عن محتجزيهم وأسراهم أولاً، بالإضافة إلى الضغط السياسي الدولي، خصوصاً الأميركي والأوروبي الذي يطالب بوقف الأعمال الحربية.
وكشف الجيش للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل عن طرد قائد كتيبة قتالية ونائبه إثر تراجعهما أمام مكمن من مقاتلي «كتائب القسام» خلال المعارك البرية وانسحابهما فقط لأن وحدتهما لم تحظَ بالغطاء الجوي، ما دفع نصف الجنود لعدم العودة إلى الخدمة العسكرية ورفْض القتال في غزة.
واعترفت إسرائيل بأن المقاومة قتلت أكثر من 465 ضابطاً وجندياً، إضافة إلى 1000 إصابة منذ بداية الحرب، عدا عن آلاف الجرحى بين المدنيين، هذا إذا اعتُبرت هذه الأرقام دقيقة ونهائية نظراً إلى إخفاء إسرائيل لخسائرها منذ بداية الحرب للتغطية عليها خوفاً من رد فعل الداخل والتعتيم غير المسبوق للجيش الإسرائيلي عن خسائره البشرية خشيةً على معنويات الجيش.
وهكذا أصبحت غزة مقبرة للغزاة الذين يخشون مواجهة المقاومة من دون قصف سجادي وحزام ناري لتدمير مسبَق لمنطقة العمليات قبل دخول المشاة الذين لا يتقدّمون حتى بين الدمار ومن دون غطاء جوي موازٍ.
وفي عِلْم العسكر، لا يمكن قصف منطقة العمليات بالطيران أو المدفعية عندما تقترب القوات المتقاتلة من بعضها البعض لمسافة قريبة جداً كي لا تُدمّر أيضاً القوات الإسرائيلية.
إضافة إلى ذلك، لم تنجح إسرائيل بالسيطرة على أكثر من 20 في المئة من مساحة القطاع.
وهذا إن دل على شيء فهو يقضي على ما تبقى من سمعة «الجيش الذي لا يُقهر» الذي مرغ أنفه في التراب يوم السابع من أكتوبر عندما أنهت المقاومة «فرقة غزة» وأسرت أكثر من 100 ضابط - بينهم أربعة جنرالات - وجندي ودمّرت 11 مركزاً عسكرياً لها منتشراً على طول القطاع المحاصر.
كذلك استطاعت المقاومة السيطرة على إيقاع الحرب وإدارة المفاوضات بحنكةٍ لإعطاء فرصة للشعب الفلسطيني في غزة ليتنفس الصعداء ويلملم الجراح التي أثخنتْها آلة الحرب الإسرائيلية الهمجية.
وتقول المقاومة إنها تحتاج لرافعات لإزالة الركام، خصوصاً أنه يوجد إسرائيليون وأجانب تحت المباني المهدّمة بفعل القصف الإسرائيلي الذي استخدم نحو 40.000 طن من المتفجرات خلال 50 يوماً.
ويُقدّر عدد الإسرائيليين والأجانب الذين قُتلوا بنحو 60 مخطوفاً لايزالون تحت الردم داخل القطاع.
إلا أن المقاومة طلبت السماح بإدخال رافعات لإزالة الردم وسحب جثث القتلى والشهداء والذي يُقدر عددهم بنحو 2000 من الفلسطينيين عدا عن الأجانب والإسرائيليين الذين سيطالب بهم ذووهم ودولهم، ما سيعطي وقتاً إضافياً للهدنة.
وإذا وافقت إسرائيل على دخول الرافعات والجرافات المناسبة، سيبدأ العمل على إزالة آثار الحرب في جنوب وشمال غزة، وهذا ما سيسمح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية، الأمر الذي سيعقّد أكثر استعادة زخم الحرب.
ومن المتوقع أن يدخل ملف الأسرى المتعلّق بمبادلة الجنود والضباط الجرحى في الدرجة الأولى بعد حصْر عدد المدنيين وإطلاقهم، والذي تعذّر لغاية اليوم بسبب فصل الجنوب عن الشمال وتعدُّد الفصائل التي تحتفظ بالأسرى الإسرائيليين.
ولذلك، لا بد للمجهود العسكري الإسرائيلي أن يستمر بتواجده على الأرض كورقة ضاغطة تلوّح بها إسرائيل، من دون اللجوء لاستخدامها، ومن دون إعطاء أوامر بمعاودة القتال.
وبمجرد بقاء هذه القوات المحتلة في جزء من شمال غزة، فهي تصبح ورقة مساومة سيستخدمها نتنياهو في مفاوضاته مع المقاومة لاستعادة جنوده والجثامين، مقابل تنظيف السجون الإسرائيلية وكذلك استعادة جثث المقاومين الذي تحتفظ بهم تل أبيب منذ أكثر من 30 عاماً للبعض منهم.
وقد أصبح أكثر وضوحاً أن الإدارة الأميركية لم تعد ترغب في رؤية إسرائيل تقتل المزيد من الفلسطينيين وتدمّر غزة.
وقد عبّر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن ذلك باتصال مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت الذي يستمرّ بإطلاق التهديدات ليؤكد موقف واشنطن باستمرار الهدنة الإنسانية.
ومع إعادة انتشار وتمرْكز جيش الاحتلال في شمال غزة، تؤدّي كل الدلائل إلى أن المستقبل أصبح بيد المفاوضين ليحاول كل طرف تحقيق أكبر المكاسب الممكنة ولتبقى الكلمة الأخيرة للأيام المقبلة التي من الممكن أن تحمل أملاً جديداً للشعب الفلسطيني الذي عاش تحت أداة القتل والتشريد منذ عام 1948 بسبب مغتصب للأرض برع وتمادى بفن إجرامه ما دامت المحاسبة القانونية الدولية مفقودة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي