فرحٌ فلسطيني بعد دمار وحشي... لكن ماذا بعد هدنة غزة؟
عائلة الأسيرة المُحررة حنين البرغوثي (في الوسط) تستقبلها بفرح في بيتونيا
إنه شعبٌ لا يموت. مكانَ الحزن والدمار وفقدان الأحبة والممتلكات، عمّت فلسطين في ضفتها الغربية وغزة الأفراحُ والزغاريد والدموع بعد إطلاق سراح السجينات والسجناء من عذاب المعتقلات الإسرائيلية.
واستطاع هؤلاء تقبيل أحبائهم بعد سنوات طويلة من الفراق وبعد حصولهم على الحرية التي دفعت المقاومة وشعب غزة ثمنَها بالدماء، تاركين خلفهم مرارة العذاب والاضطهاد الذي برع فيه السجان الإسرائيلي الفاقد للاخلاق والذي لا يراعي المعايير الدولية وأبسط حقوق السجناء.
وقد التزمت إسرائيل بشروط «حماس» بوقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام، تُمدَّد لأربعة أخرى لتبادل السجناء والمعتقلين من الطرفين.
ولكنها لم تلتزم بنقاط عديدة منها، خارقةً الاتفاق في بعض جوانبه كما هي عادتها بنقض العهود. إلا أن الحرب لم تنته بعد، فما مصير غزة وهل تعود الحرب إلى وقعها السابق في الأيام المقبلة؟
من الطبيعي خلال أي اتفاقِ وقفٍ لإطلاق النار أو هدنة تكون إسرائيل طرفاً فيها، أن تخرق الاتفاق وتحاول التلاعب ببنوده، خصوصاً أنها قبِلت به على مضض وأن كيفية انتشار جيش الاحتلال الموجود داخل غزة لا تسمح له بالبقاء في التموضع الحالي لوقت طويل.
ولم تطلق إسرائيل سراح الفلسطينيين بحسب محكومية الأقدمية. ولم تطلق السجناء دون 18 عاماً، كما نصّ الاتفاق خوفاً من إظهار هؤلاء على الإعلام الدولي واتهامها باحتجاز القصر لسنوات طويلة.
ولا تريد تل أبيب من أحد في الضفة الغربية الاحتفال بإطلاق سراح أبنائه لأنها تخشى حتى الفرحة، تماماً كما تخشى العلم الفلسطيني أو أي دليل يوحي بأن الفلسطينيين بشر يستطيعون الفرح ويملكون إرادة المطالبة بأرضهم. ولم تسمح إسرائيل بإدخال مئة شاحنة يومياً من المساعدات لشمال قطاع غزة المحتلّ، بل اكتفت بالسماح بمرور نحو عشر شاحنات في اليومين الماضيين.
ويطلق جيش الاحتلال النارَ على فلسطيني الضفة ويَعتقل الآلاف منهم ويَقتل المئات يومياً من دون حساب.
وكذلك قتل اثنين من الفلسطينيين حاولا العبورَ من جنوب غزة إلى شمالها لتفقُّد عوائلهما، خارقاً اتفاق الهدنة وبنوده.
ولكن الهدنة المعلَنة لمدة أربعة أيام ستُمدّد إذا التزمت إسرائيل باتفاق الدوحة، وهذا لا يتناسب كلياً مع أهدافها. فهي رضخت لإملاءات «حماس» بعدما أعلنت أنها تريد تدميرها، وأكدت أنها لن توقف الحرب حتى تحرير الرهائن بالقوة والقضاء على أنفاق المقاومة، فقبِلت بتبادُل إسرائيليين مع فلسطينيين على أساس إسرائيليّ مقابل ثلاثة فلسطينيين وبقيت المقاومة بكامل استعدادها وجهوزيتها.
وهذا يدلّ على أمرين: الأول أن أهداف إسرائيل غير قابلة للتحقيق باستخدام الأعمال الحربية، وبالتالي فهي تراجعت ونزلت عن الشجرة العالية.
والثاني، أنها تتعرّض لضغط داخلي من عوائل الأسرى خصوصاً بعد إعلان المقاومة أن قذائف إسرائيل تقتل إسرائيليين محتجَزين.
كذلك تتعرض لضغط أميركي وغربي ودولي لأن التغطية على أعمالها العسكرية باتت صعبة باعتبار أنها ترقى إلى جرائم حرب وخرق للقوانين الدولية وأن الدمار الهائل الذي أصاب غزة من جراء 35.000 طن من المتفجرات لم يعد بالإمكان السكوت عنه وإقناع العالم بأحقية إسرائيل «بالدفاع عن نفسها»، علماً أن لا قوة احتلال تملك هذا الحق المعطي دولياً للمقاومة.
وهذا ما دَفَعَ بلجيكا وإسبانيا وايرلندا إلى اتهام إسرائيل صراحة بجرائمها، ما استدعى ردّ فعل عنيفاً من حكومة الاحتلال الصهيونية لأن ذلك خَرَقَ الوحدة الأوروبية التي اصطفتْ خلف إسرائيل في بداية الحرب.
إضافة إلى ذلك، فإن هذا الموقف الواضح من شأنه أن يشجّع دولاً عدة تخشى حتى الآن رفْع صوتها بانتقاد إسرائيل وإدانة قتل أطفال غزة ونسائها.
وحتى بريطانيا انتقدت على لسان وزير خارجيتها أعمال إسرائيل التدميرية داخل غزة. وكل هذا بسبّب خسارة تل أبيب للحرب الإعلامية للمرة الأولى في تاريخها حيث استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي التغلّب على أكثر الصحف الغربية المملوكة للصهاينة الداعمين لإسرائيل.
ولكن الهدنةَ تضع إسرائيل في موقع حرج جداً إعلامياً، لأنها لن تستطيع استئناف الأعمال العسكرية من جديد إذا خرجت إلى العلن أعمالها التدميرية ونقلتْها الصحف الغربية وتعالت أصوات عدة تنادي بوقف الحرب، وانقلبت الحكومات على المواقف الرسمية السابقة الداعمة لإسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، تضع الهدنةُ إسرائيل في موقعٍ ضعيف لأنها، على رغم آلة القتل والدمار لديها، لن تستطيع تقديم الأمان للمستوطنين في غلاف غزة وكذلك على الحدود اللبنانية، باعتبار أن هؤلاء لن يعودوا إلى المستوطنات المحتلة من دون ثقة في الجيش والحكومة اللذيْن لم يستطيعا توفير الأمن لهم في السابع من أكتوبر ولم يغيرا المعادلة بعد 50 يوماً من الحرب.
وإذا بقي الجيش الإسرائيلي على حاله، ستتعرض جوانبه للهجمات المتكررة بسبب عدم نجاحه في الاحتلال والسيطرة على بقعة جغرافية كاملة، وبسبب إعادة تنظيم المقاومة لتواجهه على أرضها التي تعرف شوارعها ومنازلها جيداً، خصوصاً أن خطة تقدم جيش الاحتلال أصبحتْ مكشوفة.
وتالياً فإن ذلك يضع إسرائيل في موقعِ إما الانسحاب وإما إعادة التموضع وإما إكمال الحرب، وجميعها خياراتٌ غير جيدة لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وإذا أكملت إسرائيل الحرب، فقد وصلت إليها الترددات من البحر الأحمر والمحيط الهندي حيث تعرّضت سفن مملوكة لإسرائيليين للاحتجاز والهجمات بالمسيَّرات الانتحارية والتي تنذرها بأن ملاحة سفنها في خطر وأن الحرب ستتوسع إذا لم تتوقف، من دون الحاجة لمشاركة قوات كبيرة، لتُضرب الملاحة الدولية وتستنفر أميركا وتبذل جهداً أكبر لردْع وكيلتها إسرائيل عن إكمال مسار الحرب والاكتفاء بنتائج التدمير الذي أحدثتْه وبقتل 15 ألف فلسطيني (مع آلاف تحت الأنقاض) وجرح أكثر من 30 ألفا آخرين.
جميع الخيارات سيئةٌ لإسرائيل التي سيتعيّن عليها أن تختار الأقلّ وقعاً عليها وعلى الحكومة التي من المؤكد أنها لن تعمّر طويلاً.
فبقاء نتنياهو في الحُكْم لمدة أكثر من 15 عاماً كان سببه أنه لم يشارك يوماً في حرب طويلة بل بمعارك ما بين الحروب قصيرة المدى. وها هي الحرب الطويلة التي كان يخشاها قد فُرضت عليه، ومن الطبيعي أن تطيح به عند انتهائها.
لكن يَبقى السؤال رهناً بالأيام المقبلة ومقدار كمية السم التي سيتجرّعها نتنياهو من كأس مقاومةٍ جريئةٍ هزّت عرش إسرائيل من أساسه يوم السابع من أكتوبر، يوم النكبة الإسرائيلية.
واستطاع هؤلاء تقبيل أحبائهم بعد سنوات طويلة من الفراق وبعد حصولهم على الحرية التي دفعت المقاومة وشعب غزة ثمنَها بالدماء، تاركين خلفهم مرارة العذاب والاضطهاد الذي برع فيه السجان الإسرائيلي الفاقد للاخلاق والذي لا يراعي المعايير الدولية وأبسط حقوق السجناء.
وقد التزمت إسرائيل بشروط «حماس» بوقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام، تُمدَّد لأربعة أخرى لتبادل السجناء والمعتقلين من الطرفين.
ولكنها لم تلتزم بنقاط عديدة منها، خارقةً الاتفاق في بعض جوانبه كما هي عادتها بنقض العهود. إلا أن الحرب لم تنته بعد، فما مصير غزة وهل تعود الحرب إلى وقعها السابق في الأيام المقبلة؟
من الطبيعي خلال أي اتفاقِ وقفٍ لإطلاق النار أو هدنة تكون إسرائيل طرفاً فيها، أن تخرق الاتفاق وتحاول التلاعب ببنوده، خصوصاً أنها قبِلت به على مضض وأن كيفية انتشار جيش الاحتلال الموجود داخل غزة لا تسمح له بالبقاء في التموضع الحالي لوقت طويل.
ولم تطلق إسرائيل سراح الفلسطينيين بحسب محكومية الأقدمية. ولم تطلق السجناء دون 18 عاماً، كما نصّ الاتفاق خوفاً من إظهار هؤلاء على الإعلام الدولي واتهامها باحتجاز القصر لسنوات طويلة.
ولا تريد تل أبيب من أحد في الضفة الغربية الاحتفال بإطلاق سراح أبنائه لأنها تخشى حتى الفرحة، تماماً كما تخشى العلم الفلسطيني أو أي دليل يوحي بأن الفلسطينيين بشر يستطيعون الفرح ويملكون إرادة المطالبة بأرضهم. ولم تسمح إسرائيل بإدخال مئة شاحنة يومياً من المساعدات لشمال قطاع غزة المحتلّ، بل اكتفت بالسماح بمرور نحو عشر شاحنات في اليومين الماضيين.
ويطلق جيش الاحتلال النارَ على فلسطيني الضفة ويَعتقل الآلاف منهم ويَقتل المئات يومياً من دون حساب.
وكذلك قتل اثنين من الفلسطينيين حاولا العبورَ من جنوب غزة إلى شمالها لتفقُّد عوائلهما، خارقاً اتفاق الهدنة وبنوده.
ولكن الهدنة المعلَنة لمدة أربعة أيام ستُمدّد إذا التزمت إسرائيل باتفاق الدوحة، وهذا لا يتناسب كلياً مع أهدافها. فهي رضخت لإملاءات «حماس» بعدما أعلنت أنها تريد تدميرها، وأكدت أنها لن توقف الحرب حتى تحرير الرهائن بالقوة والقضاء على أنفاق المقاومة، فقبِلت بتبادُل إسرائيليين مع فلسطينيين على أساس إسرائيليّ مقابل ثلاثة فلسطينيين وبقيت المقاومة بكامل استعدادها وجهوزيتها.
وهذا يدلّ على أمرين: الأول أن أهداف إسرائيل غير قابلة للتحقيق باستخدام الأعمال الحربية، وبالتالي فهي تراجعت ونزلت عن الشجرة العالية.
والثاني، أنها تتعرّض لضغط داخلي من عوائل الأسرى خصوصاً بعد إعلان المقاومة أن قذائف إسرائيل تقتل إسرائيليين محتجَزين.
كذلك تتعرض لضغط أميركي وغربي ودولي لأن التغطية على أعمالها العسكرية باتت صعبة باعتبار أنها ترقى إلى جرائم حرب وخرق للقوانين الدولية وأن الدمار الهائل الذي أصاب غزة من جراء 35.000 طن من المتفجرات لم يعد بالإمكان السكوت عنه وإقناع العالم بأحقية إسرائيل «بالدفاع عن نفسها»، علماً أن لا قوة احتلال تملك هذا الحق المعطي دولياً للمقاومة.
وهذا ما دَفَعَ بلجيكا وإسبانيا وايرلندا إلى اتهام إسرائيل صراحة بجرائمها، ما استدعى ردّ فعل عنيفاً من حكومة الاحتلال الصهيونية لأن ذلك خَرَقَ الوحدة الأوروبية التي اصطفتْ خلف إسرائيل في بداية الحرب.
إضافة إلى ذلك، فإن هذا الموقف الواضح من شأنه أن يشجّع دولاً عدة تخشى حتى الآن رفْع صوتها بانتقاد إسرائيل وإدانة قتل أطفال غزة ونسائها.
وحتى بريطانيا انتقدت على لسان وزير خارجيتها أعمال إسرائيل التدميرية داخل غزة. وكل هذا بسبّب خسارة تل أبيب للحرب الإعلامية للمرة الأولى في تاريخها حيث استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي التغلّب على أكثر الصحف الغربية المملوكة للصهاينة الداعمين لإسرائيل.
ولكن الهدنةَ تضع إسرائيل في موقع حرج جداً إعلامياً، لأنها لن تستطيع استئناف الأعمال العسكرية من جديد إذا خرجت إلى العلن أعمالها التدميرية ونقلتْها الصحف الغربية وتعالت أصوات عدة تنادي بوقف الحرب، وانقلبت الحكومات على المواقف الرسمية السابقة الداعمة لإسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، تضع الهدنةُ إسرائيل في موقعٍ ضعيف لأنها، على رغم آلة القتل والدمار لديها، لن تستطيع تقديم الأمان للمستوطنين في غلاف غزة وكذلك على الحدود اللبنانية، باعتبار أن هؤلاء لن يعودوا إلى المستوطنات المحتلة من دون ثقة في الجيش والحكومة اللذيْن لم يستطيعا توفير الأمن لهم في السابع من أكتوبر ولم يغيرا المعادلة بعد 50 يوماً من الحرب.
وإذا بقي الجيش الإسرائيلي على حاله، ستتعرض جوانبه للهجمات المتكررة بسبب عدم نجاحه في الاحتلال والسيطرة على بقعة جغرافية كاملة، وبسبب إعادة تنظيم المقاومة لتواجهه على أرضها التي تعرف شوارعها ومنازلها جيداً، خصوصاً أن خطة تقدم جيش الاحتلال أصبحتْ مكشوفة.
وتالياً فإن ذلك يضع إسرائيل في موقعِ إما الانسحاب وإما إعادة التموضع وإما إكمال الحرب، وجميعها خياراتٌ غير جيدة لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وإذا أكملت إسرائيل الحرب، فقد وصلت إليها الترددات من البحر الأحمر والمحيط الهندي حيث تعرّضت سفن مملوكة لإسرائيليين للاحتجاز والهجمات بالمسيَّرات الانتحارية والتي تنذرها بأن ملاحة سفنها في خطر وأن الحرب ستتوسع إذا لم تتوقف، من دون الحاجة لمشاركة قوات كبيرة، لتُضرب الملاحة الدولية وتستنفر أميركا وتبذل جهداً أكبر لردْع وكيلتها إسرائيل عن إكمال مسار الحرب والاكتفاء بنتائج التدمير الذي أحدثتْه وبقتل 15 ألف فلسطيني (مع آلاف تحت الأنقاض) وجرح أكثر من 30 ألفا آخرين.
جميع الخيارات سيئةٌ لإسرائيل التي سيتعيّن عليها أن تختار الأقلّ وقعاً عليها وعلى الحكومة التي من المؤكد أنها لن تعمّر طويلاً.
فبقاء نتنياهو في الحُكْم لمدة أكثر من 15 عاماً كان سببه أنه لم يشارك يوماً في حرب طويلة بل بمعارك ما بين الحروب قصيرة المدى. وها هي الحرب الطويلة التي كان يخشاها قد فُرضت عليه، ومن الطبيعي أن تطيح به عند انتهائها.
لكن يَبقى السؤال رهناً بالأيام المقبلة ومقدار كمية السم التي سيتجرّعها نتنياهو من كأس مقاومةٍ جريئةٍ هزّت عرش إسرائيل من أساسه يوم السابع من أكتوبر، يوم النكبة الإسرائيلية.