تل أبيب تلوّح باستخدام السلاح النووي
أميركا وإسرائيل تُحضّران لنكبةٍ أخرى للفلسطينيين... ومصر تُقاوِمها
فلسطينيون يعاينون الدمار بعد غارات إسرائيلية وحشية على غزة أمس (أ ف ب)
- المجتمع الإسرائيلي يتصدّع... ومئات الآلاف من سكانه غادروا
لم يتوقف يوماً قصفُ المقاومة الفلسطينية في غزة لمناطق إسرائيلية وصولاً إلى وسط تل أبيب، رغم محاصرة القطاع، وقَصْفه من البحر والجو والبر، وانغماس قوات إسرائيلية داخل الجزء الشمالي من مدينة غزة.
وأعلنت الأمم المتحدة من جنيف، أن 3900 طفل استشهدوا مع تصاعد هذه الأرقام يومياً، لتتحوّل غزة «مقبرة كبيرة»، حيث يُقتل ويصاب فيها 420 طفلاً يومياً على يد الغزاة الإسرائيليين الذين يعتبرون صغار فلسطين ونساءها الخطر الديموغرافي الأكبر لإسرائيل.
وقد عبّر وزير التراث عميحاي إلياهو، عن حقيقة العقل الصهيوني بكشْفه امتلاك إسرائيل، للمرة الأولى علناً، السلاح النووي وتمنياته «باستخدام قنبلة نووية ضد غزة كحل ممكن».
كذلك صرّح عن أهداف إسرائيل الواضحة بقوله إن «شمال غزة أصبح أجمل من أي وقت. إنه أمر مذهل فقد تفجّر (دمر) كل شيء. عند الانتهاء (من الحرب)، سنسلّم أراضي غزة للجنود المستوطنين الذين عاشوا في غوش قطيف (المستوطنين الـ8500 الذين سكنوا جنوب غزة وأُخلوها عام 2005)».
انها حملة التهجير الثانية للفلسطينيين ودفْعهم نحو نكبة ثانية (مثل التي فرضْتها عليهم إسرائيل عام 1948) ما لم تصمد المقاومة وتُغْرِق المحتل في حرب طويلة حتى ولو كانت المساحة الجغرافية التي تمثّل المسرح الحالي للعمليات الإسرائيلية، ضيقة نسبياً.
منذ أيام عدة، بدأ الإعلاميون والأكاديميون الأميركيون، بدعايةٍ قوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلين «لماذا ترفض مصر استقبال المسلمين والعرب الفلسطينيين»؟
لكن الحقيقة أن إسرائيل تهدف إلى التغطية على المخطّط الذي تحاول أميركا مفاوضة مصر عليه لاستقبال الفلسطينيين «ولو موقتاً».
علماً أن الفلسطينيين مازالوا في الشتات منذ عام 1948 وخارج أراضيهم ووطنهم رغم مقرّرات الأمم المتحدة التي تعطيهم حق العودة.
وتالياً فإن تل أبيب تطلب مساعدة واشنطن في تقديم عروض مادية مُغْرِية، وبينها برنامج إلغاء ديون وهو ما ترفضه مصر، لعلمها أن الهدف ليس إخراج «حماس» بحسب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بل إخراج فلسطينيي القطاع إلى صحراء سيناء، لتحتلّ إسرائيل غزة مجدداً.
وخطورة هذا الهدف، أنه يتم تناوُله في الصحف الإسرائيلية التي تدعم الجيش في أوقات الحرب ولا تنتقد إخفاقاته، وتنقل شهادات مستوطنين كانوا يقطنون داخل غزة وقرب مدينة رفح وهم تواقون للعودة عند السماح لهم بذلك.
وهذا التحضير المُمَنْهَج لتهجير الفلسطينيين يَعتمد على نتائج المعركة البرية التي بدأت متعثرة في أسبوعها الثاني بسبب المقاومة الباسلة للقوات الفلسطينية شمال غزة ضد الدبابات المتوغلة والتي لا تتجرأ على دفع قوات المشاة بعدد كبير خشية الإصابات القاتلة، نظراً لاستعداد المقاتلين داخل الأنفاق المتعددة والذين يتربّصون بالغزاة ويتوقون للانخراط في حرب مدن قاتلة بَرَعوا فيها.
ويبدو من تقدُّم القوات الغازية أن أهدافها ليست صعبة التحقيق لجهة الدخول من محاور رخوة في الوسط حيث توجد منطقة جحر الديك في وادي غزة، الذي يَفصل الشمال عن الجنوب، وذلك في حال كررت المحاولات لأسابيع عدة بعد اختبار قوة المقاومة في الاندفاعة الأولى والاستطلاع بالقوة.
ومن الشمال الشرقي على جبهة مخيمي بيت حانون - جباليا، والشمال الغربي على جبهة الشاطئ، تتقدم القواتُ الإسرائيلية في محاولةٍ لتطويق الشمال الشرقي للالتقاء مع القوات المتقدّمة على محاور متعددة. وجميعها مناطق تتمتع بكثافة سكانية متدنّية على أطرافها وهي أيضاً مناطق مفتوحة يَسهل الدخول إليها بدايةً لتشتد كثافة في وسطها.
وهذا يصعّب ويؤخّر - ولكن لن يمنع - التقدم لسلاح الهندسة وسط التدمير الهائل الذي أحدثته الضربات الصاروخية المكثفة منذ نحو شهر.
لكن ذلك لم يمنع سقوط على الأقل 346 قتيلاً من جيش الاحتلال الغازي وصراخ وزير الدفاع يوآف غالانت بان «الدخول سيكون مؤلماً» وان «القتال ضارٍ على تخوم غزة» رغم القصف السجادي البري والجوي والبحري الذي تقوم به إسرائيل والذي بلغ 25 ألف طن من المتفجرات (كل قنبلة نووية تحمل ما يوازي 15 ألف طن من المتفجرات).
ويقول رئيس الأركان هيرتسي هاليفي ان «العدو قاس والمعركة مؤلمة»، وهو المسؤول عن استشهاد 9800 فلسطيني بينهم 3900 طفل، و2700 امرأة، وقد دّمر 200 ألف وحدة سكنية، وارتكب مئات المجازر التي لا تُعد لكثرتها وآخِرها قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف والمدارس ودور العبادة (55 مسجداً و3 كنائس).
تحاول إسرائيل احتلال خطوط الطول والعرض لشمال غزة قبل البدء بتدميرها أو الطلب من سكانها الرحيل لإيجاد منطقة عازلة خالية تماماً من السكان من الشمال.
وهذا يعني ترحيل الفلسطينيين إلى جنوب القطاع كخطوةٍ أولى، وإبعاد المقاومة عن المستوطنات لتحتاج إلى صواريخ بمدى أطول.
وقد تركت إسرائيل ممراً لسكان الشمال لتخفيف تواجد المدنيين وحشرهم في الجنوب، هذا إذا لم تَقُمْ باجتياح كامل القطاع في مرحلة ثانية، بحال وجدت موفّقية تسمح لها بذلك.
لكن إسرائيل لم تستطع خرق خطوط الدفاع الأولى للمقاومة رغم ادعائها بأنها دمّرتها بالكامل، لأن استحكامات المقاومة موجودة تحت الأرض وفي كل حجر، والمعركة مازالت في بدايتها.
وقد صرّح غالانت بان «الحرب لا بد منها ولو طالت شهراً أو سنة».
هناك إجماع داخل المجتمع الإسرائيلي على دعم الحرب رغم تصريح القادة بأنها ستكلف ثمناً باهظاً. لكن هذا المجتمع لا يحبّذ الدخول البري بل القصف التدميري لقتل أكبر عدد من الفلسطينيين وتدمير غزة منعاً لتكرار عملية 7 أكتوبر ولأن الاجتياح البري لن يحرّر الرهائن، بل ان حياتهم تصبح مهدَّدة أو تؤدي إلى وفاتهم.
ويتصدّع هذا المجتمع - الذي غادر مئات الآلاف من سكانه في الأشهر الأخيرة بسبب أداء حكومة نتنياهو المتطرّف وفي الأسابيع التي تلت ضرب مناطق غلاف غزة المحتلّة - كلما طال امد المعركة، على عكس ما يقوله غالانت خصوصاً إذا ارتفعت الخسائر البشرية في صفوف جيش الغزاة.
وهذا ما تعوّل عليه المقاومة لاسيما بعدما أعلنت إسرائيل أن «وقف إطلاق النار» أو توقُّف الأعمال العدائية ليس مطروحاً في الوقت الراهن حتى ولو أعلن الرئيس جو بايدن عن «هدنة إنسانية» موقتة فقط لتأمين خروج الأجانب ومن بينهم 400 أميركي و1000 من عائلاتهم، وليس وقْف إطلاق النار الذي رفضتْه أميركا مراراً في الأمم المتحدة.
إذاً فإن صمودَ وبطولات المقاومة هي التي تمنع تهجير الفلسطينيين من غزة وسلْبهم منازلهم وتحول دون إقامة إسرائيل منطقة عازلة.
وكذلك، فإن تحريكَ جبهاتٍ مختلفة أمرٌ مهم وتَسَبَّبَ بإشغالٍ وإرباك في غرف العمليات العسكرية الإسرائيلية، رغم تأمين أميركا مقوّمات إسقاط المسيَّرات والصواريخ المجنّحة التي تُطلق ضد إسرائيل من العراق أو اليمن.
وتالياً فإن وجود قوات أميركية خاصة على مداخل غزة وفي غرفة العمليات وكحارسٍ وقوةِ دفاعٍ أمام تدخل «حزب الله» وإيران، لن يمنع إسرائيل من تلقّي الضربات بالمباشر إذا وقع «التهجير القسري» وإذا اتجهت الدبابات نحو جنوب غزة لإنهاء «حماس» والفصائل الفلسطينية.
فهذا سيستدعي حينها احتمال تدخل جبهات متعددة لن تستطيع إسرائيل وأميركا وقفها لمنع المخطط الأميركي - الإسرائيلي لإحداث نكبة فلسطينية ثانية.
من هنا، فإن مصير فلسطين في يد الميدان والمقاومة التي تشتبك مع العدو وجهاً لوجه وتحقق انتصارات مصيريةً لمنع استقرار الجيش الغازي وضرْبه وإنزال أكبر عدد من الخسائر البشرية في صفوفه والعمل على إطالة أمد الحرب لتصبح مكلفة وصعبة التحمّل للغزاة وللمجتمع الإسرائيلي وللإدارة الأميركية.
وسيستمرّ تدمير غزة ما دامت إسرائيل ترفض وقف إطلاق النار ولم تحقق أيّاً من أهدافها وتدعمها أميركا بذلك - بتبرير قتْلها للمدنيين وخرق القوانين الدولية وترداد الادعاءات الإسرائيلية بأن «حماس» تختبئ في المستشفيات والمدارس - وما دام الوضع السياسي - العسكري للحركة داخل غزة لم يتغيّر، ولم تنتزع تل أبيب أي مكسب يسمح لها بالادعاء بالانتصار بعد نكبة السابع من أكتوبر.
وستبقى أهداف القيادة الإسرائيلية والأميركية مستحيلة التحقيق باقتلاع «حماس» نهائياً وتحرير المعتقلين من دون دفع الثمن، خصوصاً أن تحرك شعوب العالم أربك إسرائيل وحلفاءها الذين فقدوا الغطاء الدولي والدعمَ اللامحدود في بداية الحرب.
مما لا شك فيه أن إسرائيل كشفت عن عقلها الإجرامي للعالم لتصل إلى التهديد باستخدام السلاح النووي وعدم التردّد في قتل الأطفال والنساء وقطْع نسل عائلات بأكملها وتدمير المباني وتحويل المستشفيات مقابر وقَطْعِ سُبل الحياة عن المدنيين وخرق القوانين الدولية وارتكاب المجازر وجرائم الحرب والتطهير العرقي.
لكنها لن تنجح في إحداث نكبةٍ ثانيةٍ لشعبٍ يفضّل أن يُقتل في أرضه ليدافع عما تبقّى له فيها.