إيران تدخل بالمباشر على خط الحرب... وتحرّك مئات الصواريخ الدقيقة لتراها الأقمار الاصطناعية

... هكذا ستتحوّل غزة «مقبرة الغزاة»

حفرة عميقة أحدثها القصف الإسرائيلي على خان يونس (أ ف ب)
حفرة عميقة أحدثها القصف الإسرائيلي على خان يونس (أ ف ب)
تصغير
تكبير

لم تنتظر الفصائلُ المشتركة من القوات الفلسطينية، قرارَ إسرائيل بدخول غزة وبدء الغزو، لتبدأ بتنظيمِ الكمائن والاستحكامات تحت الأرض وخارجها لتصبح مئات الأبنية المدمّرة مقبرة للجيش الإسرائيلي.
وهذا ما دَفَعَ قادة إسرائيل للتفكير ملياً قبل إعلان يوم الهجوم الذي تَأجَّلَ «بسبب الطقس»، كما أعلنت تل أبيب، خصوصاً بعدما لوّحتْ إيران بأنها جزءٌ من المعركة التي ستطيح - مهما طالت أو قصرت وأياً كانت نتيجتها - برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته إذا حصل الاجتياح البري، ولا سيما أن «طوفان الأقصى» دمّر العقيدةَ الإسرائيلية التي ارتكزت على «الجيش الذي لا يُقهر» ورسَّخ أن إسرائيل لم تعد آمنة ما دام الشعب الفلسطيني يُضطهد.

قبل أن تحط طائرةُ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في سورية، وبعد إبلاغ برج المراقبة بتوقيت وصولها وعند اقترابها من الأجواء السورية، قَصفت إسرائيل مطاريْ حلب ودمشق، فهبطت الطائرة في بيروت لتصبح المحطة الأولى قبل توجّهه لاحقاً إلى العاصمة السورية.
أما اللافت في زيارة المسؤول الإيراني، القريب جداً من الحرس الثوري الذي خَدَمَ فيه سابقاً وهو يتمتّع بثقة القيادة العليا في إيران، أنه صرّح بالمباشر عما سيحصل في الأيام القريبة. فتحدّث كالمطلع على خفايا الأمور وأدقّ التفاصيل، قائلاً إن «إطلاق سراح المعتقلين العسكريين لن يتم تحت النار وان المدنيين منهم سيُطلق سراحهم» (200 أسير إسرائيلي على الأقل في عهدة حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»).
لكن الأخطر من ذلك، ما أكده عبداللهيان لجهة أن «الحرب يمكن أن تتسع في كل ساعة وكل يوم إلى ساحات أخرى إذا لم تتوقف الحرب» وان «خسائر فادحة ستلحق بأميركا». ووجّه رسائل إلى فرنسا وأميركا ودول المنطقة، بأن إيران ستكون جزءاً من المعركة إذا اتسعت رقعتُها.
واعتبرت مصادر قيادية مطلعة، أن «إيران حرّكت مئات الصواريخ الدقيقة لتراها الأقمار الاصطناعية ولتعزّز جبهاتها لتطول إسرائيل وكل بقعة تَعتبرها هدفاً مشروع لها، لأن طهران لن تبقى مكتوفةً تشاهد حلفاءها يقاتلون من دون أن يكون لها دور مباشر. وما تصريح وزير الخارجية الإيراني إلا رسالة لنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، الذي كان يزور منطقة الشرق الأوسط في الوقت عينه، تؤكد موقف طهران الذي نقله لجميع حلفائها بأنها جزء لا يتجزأ من أي معركة ضدّ إسرائيل».
وقد حصل تطور على الجبهة الشمالية لإسرائيل وتغيير في قواعد الاشتباك، إذ اندلعت اشتباكات وسُجِّل تَبادُل للضربات في شكل مكثف لتبقى هذه الجبهة مشتعلة بوتيرة أكبر ولكن بفارق أن «حزب الله» أظهر لإسرائيل أنه يستعدّ للقتل المباشر (قَتَلَ ضابطاً ليصل العدد الإجمالي إلى أربعة) ولمواجهةٍ أكبر.
وسمح «حزب الله» للجيش الإسرائيلي بأن يرصد إخلاء المعسكرات والمواقع في الحافة الأمامية على الحدود اللبنانية استعداداً لمرحلة أكثر تطوراً ولاشتباكٍ أبعد من خطوط التماس. وهذا ما دفع إسرائيل لتوجيه رسالة صاروخية بأنها رأت ما حصل من تدابير جديدة فقصفت موقعاً عسكرياً خالياً للحزب بعد التدابير التي اتخذها.
وقد رفع الحزب الجهوزيةً العسكرية للمستوى الأعلى استعداداً للحرب، ما دفع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، للتصريح بأنه «إذا ضَبَطَ حزب الله نفسه، فنحن لسنا مهتمين بحرب لأن التصعيد ليس لمصلحة إسرائيل».
لكن يبدو أن الطرفَ الآخَر لا يعمل أبداً «لِما يصبّ بمصلحة إسرائيل»، بل يريد اغتنامَ الفرصة لتوجيه ضربة تُظْهِر أن «جيشَها يقهر»، وهو الجيش الذي تَهاوى قادةُ النخبة لديه في «فرقة غزة» خلال الساعات الأولى من اليوم الأول للمعركة لتُدمَّر هذه القيادة في «غلاف غزة» خلال اقتحام الوحدات الفلسطينية لقواعدها حيث قُتل أكثر من 200 ضابط وجندي وأُسر العشرات من الضباط والجنود وبينهم أربعة جنرالات.
ولذلك تستعدّ المقاومة داخل غزة لتوجيه أقصى الضربات إذا اجتاحت إسرائيل القطاع. وكل الدلائل السياسية تشير إلى أن إسرائيل تتأنى في مسألة حسْم الاجتياح وتَحَمُّل نتائجه الكارثية أمام الرأي العام الداخلي والعالمي، خصوصاً في ظل الخسائر البشرية المرتفعة في صفوف الجيش حتى اليوم والتي ستزيد في حال الاجتياح، في ظل نتائج غير واضحة المعالم واستحالة القضاء على «حماس» و«الجهاد».
أما الدلائل العسكرية، فتشير إلى أن الاقتحام بات وشيكاً. ولذلك، فإن دخول الجيش لن يكون نزهة. فهناك تَراكُمٌ للخبرات من حروب عدة خاضتْها غزة كما بعض الفصائل في فلسطين والعراق وسورية ولبنان. ولذلك فإن كل مبنى مدمّر يحمل مفاجأة وكل شارعٍ فيه من الأنفاق ما لا تتخيّله إسرائيل التي لا تملك الأعداد الكافية لاقتحام القوات الخاصة من ألوية «غولاني» و«جفعاتي»، بل إنها ستَستخدم عشرات الآلاف من الاحتياط متدني الخبرة ومن أصحاب المعنويات الضعيفة أمام روحية القتال العالية التي يتحلى بها أصحاب الأرض الفلسطينيون.
وقد وجّهت «حماس» على لسان الناطق باسمها أبوعبيدة رسالةً واضحة: «لقد هزمناكم في عقر داركم. أتيتم إلينا بأقدامكم، فأهلاً وسهلاً بكم في رحاب الجحيم».
نعم، فقد عَمِلَ «محور المقاومة» (لبنان وفلسطين، وسورية والعراق واليمن وإيران) لتقديم الدعم المالي والعسكري لجميع أعضائه وتَشارُك الخبرات المتراكمة. إلا أن ذلك لا يمكن أن يحقق «طوفان الأقصى» لولا إرادة وروحية مقاتليه وصمود سكان غزة داخل المدينة المحاصَرة منذ 17 عاماً والتي يسكنها فلسطينيون شردوا من مناطق مختلفة منذ 73 عاماً وما تخلّلها من اضطهاد وظلم وتنكيل.
لذلك يتردّد القادة السياسيون الإسرائيليون في حسم توقيت الدخول أو إقراره لأن الخسائر ستكون مرتفعة ولن تتحمّلها أي حكومة، هذا إذا اقتصرت المعركة على جبهة واحدة.
فالعراق وجّه إنذاراً على لسان وزيره السابق هادي العامري وقائد «الحشد الشعبي» فالح الفياض، «بضرْب القواعد الأميركية إذا دخلتْ الحرب».
كذلك أكد قادة عسكريون شاركوا في الحرب السورية استعدادَهم لخوض المعركة. وهذا ما أعلنه أيضاً الحوثيون في اليمن.
إذاً المعركة قد تقع غداً وقد لا تقع إذا قرر نتنياهو أن الدمار والقتْل الذي أحدثه كافٍ وان الضربة التي تلقّاها لن ترمّم منظومة الردع التي سُحقت. فهو سيَخرج من الحكومة بعد أن تلملم إسرائيل جراحَها، وسقوطُه المدوّي أصبح مسألة وقت.
فهل يَخرج من دون إراقة دماء فلسطينيين وإسرائيليين أكثر مما أريق لغاية اليوم؟ لقد انتصرتْ غزة على الغزاة مهما كان قرار نتنياهو ولن يستطيع أحدٌ إعادةَ عقارب الساعة إلى الوراء.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي