«طوفان الأقصى» أَغْرَقَ إسرائيل في حالة «لا يقين» لا تُرمَّم
نتنياهو يجول في المنطقة المتاخمة لغزة أمس
،
تَعْلَم إسرائيل وجميع حلفائها، أن هزيمة التنظيمات الفلسطينية داخل قطاع غزة مهمة مستحيلة وان قتْلها (حتى الآن) لنحو 2300 فلسطيني، غالبيتهم من المدنيين، وجرح نحو 9 آخَرين، لن يوقف الصواريخ أبداً، ولن يمنع غزة من ضرب أهداف وصلت هذه المرة إلى حيفا وإيلات، أي على بُعد 240 كيلومتراً من غزة. إلا أنها تحارب لأن الفلسطينيين أوجدوا حالة اللايقين لدى المستوطنين، ما يهدّد مستقبلها.
ولهذا السبب الرئيسي، فإن تل أبيب تحاول قتل أكبر عدد من سكان غزة وتدمير المدينة لتعيد ما لم يعد ممكناً إعادته.
للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر العام 1973، يهزأ الإسرائيليون بالقوة العسكرية بعد عملية «طوفان الأقصى». وتكتب الصحف نقلاً عن مستوطنين وخبراء عسكريين، أن «القوة العسكرية التكنولوجية والمجسّمات والتقنيات العالية وأنظمة الاستخبارات الإلكترونية المتقدّمة جداً التي تكتشف الطيور المهاجرة وحتى الحمام الزاجل وتعطي الإنذار المبكر لقيادة غرفة عمليات غزة، لم تستطع كشف القوة الخاصة لحماس التي خرقتها بعدد كبير وهاجمت 11 مركزاً عسكرياً وللشرطة في غلاف غزة بساعات قليلة... لقد فقدنا الثقة بالجيش الإسرائيلي».
هذه هي العقيدة الإسرائيلية التي ضُربت في الصميم. فقائد المنطقة الوسطى يصرح للمرة الأولى منذ إعلان دولة إسرائيل أن «الجيش فشل في حماية الإسرائيليين».
ولهذا الإعلان أهميةٌ كبرى لأن إسرائيل بُنيت على قدوم مستوطنين ليقطنوا في منازل ليست لهم بل للفلسطينيين، بحسب قانون إسرائيل الذي يسمح بمصادرة منازل الفلسطينيين الذين هاجروا يوم النكبة عام 1948.
وكذلك منازل أخرى تُبنى في مستوطنات غير شرعية لأنها تُشيّد على أراضٍ مملوكة للفلسطينيين وللأوقاف، أو للأردن، ووصايته على الأراضي المقدسة.
وبسبب رفضها قرار الأمم المتحدة الرقم 194 ومنْع عودة الفلسطينيين إلى أرضهم ومنازلهم، جذبتْ إسرائيل المستوطنين من كل حدب وصوب تَقاطروا إليها رغم أن غالبيتهم يحملون جنسية أخرى، وقدّمت لهم منازل ووفّرت لهم ولعائلاتهم الأمن في «الأرض الموعودة».
ومن الواضح ان اسرائيل تحاول ترميم نظام الردع وعقيدة «الجيش الذي لا يُقهر». لكن كيف تستطيع ذلك و1200 فلسطيني من «قوات النخبة» للمقاومة قهروا الجيش، الذي يقول مستوطنو «غلاف غزة» إنه «لم يحمهم كما وعد».
ورغم توحّد المجتمع حول الجيش في هذه المرحلة واضعاً خلافاته مع الحكومة جانباً، إلا ان الإحصاءات تدل على ان غالبية الإسرائيليين تتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي زار منطقة «غلاف غزة»، أمس، بالفشل وبالوقوف خلف ما حصل بسبب حكومته المتطرفة التي دفعت الفلسطينيين للتمرّد.
ولهذه الأسباب، تندفع الآليات والطائرات في تدمير غزة وقتل أكبر عدد من الفلسطينيين من جميع الأعمار، من دون أن تتورع عن قصف قافلة للنازحين الذين غادروا شمال غزة بأعداد هائلة (نحو 430 ألفاً) خوفاً من القصف المدمّر بعدما أعطتْهم اسرائيل «الأمان» للاتجاه نحو الجنوب، أي رفح، وذلك لفرض نكبة أخرى على الفلسطينيين على غرار عام 1948 ولتمهيد دخول الجيش ليقلّص خسائره إذا وجد الأرض التي يقتحمها خالية، أو شبه خالية، من السكان.
وتطلب إسرائيل نزوح الفلسطينيين من بيت لاهيا وبيت ياحون وجباليا، التي يقطنها نحو 1.3 مليون نسمة، وهذا ما يعُتبر مستحيل التنفيذ خلال 24 ساعة، كما قال جوزيب بوريل نائب رئيسة المفوضية الأوروبية، من دون أن يدين إسرائيل لخرقها القانون الدولي ومقررات الأمم المتحدة.
وهذا لا ينطبق عليه فقط، بل ان أوروبا كلها تخشى انتقاد إسرائيل - عدا النروج - خوفاً من اللوبي الصهيوني القوي الذي يفرض كمّ الأفواه والانصياع خلف إسرائيل مهما فعلت لتبقى أعمالها من دون حساب.
ولهذا، فإن نتنياهو يطلق يد الجيش ليدمّر ما يراه مناسباً، بعدما أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت في تصريحه البشع «نحن نحارب حيوانات بشرية»، وأنه «لا يوجد مدني في غزة غير مسؤول»، كما قال الرئيس إسحاق هيرتسوغ.
مهما فعلت إسرائيل، فإنها لن تستطيع القضاء على نحو 40 ألفاً من مقاتلي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» داخل غزة ولن تتمكن من وقف القصف على المستوطنات. ومهما ارتفع عدد القتلى في غزة، فإن عقيدة الجيش الذي لا يُقهر قد ولت إلى غير رجعة لتحلّ مكانها «الجيش الدموي الذي يُقهر».
وقد أصبحت الهجرة إلى إسرائيل خطوة لن يقدم عليها العديد من اليهود بسبب «طوفان الأقصى» الذي أوجد حالة اللايقين التي لن تُرمَّم في المجتمع الإسرائيلي.