No Script

كلمة صدق

طوفان غزة... رأس الجبل

تصغير
تكبير

في الصباح الباكر من 15 أبريل 1912، اصطدمت السفينة تيتانيك، ومعناها الشيء الهائل أو الجبار، برأس جبل من الجليد، فغرقت السفينة التي تبختر مهندسها متحدياً جبار السماء بأن يغرق سفينته.
في صباح 7 أكتوبر لعام 2023، اصطدمت الآلة العسكرية الإسرائيلية الهائلة، ومن خلفها من قوى متجبرة بالأرض برأس جبل الجليد الذي بان في قطاع غزة.

بالحقيقة يصعب الكتابة بهذا الحدث وهو في أوله، حدث هائل بكل المقاييس، حدث مفاجئ للإسرائيليين وللدول الكبرى الداعمة لها، لكنه غير مفاجئ لمن يعتقدون بحق الشعوب في تحرير أرضها، إذ إن ما حدث في غزة بالنسبة لهم هو تحول نظرية مقاومة الاحتلال إلى واقع.
ما هي النظرية؟ النظرية هي أن إسرائيل دولة قائمة على الاحتلال وهي مسنودة من دول عظمى تعتبر وجود إسرائيل عنواناً ورمزاً لهيمنتها على العالم. تقول هذه النظريات إن هناك دولاً من خارج الشرق الأوسط سوف تتحدى الهيمنة الغربية على العالم، مثل تحدي الصين للغرب في الصناعة والإنتاج ونمو الاقتصاد بشكل رئيسي، ثم تحديهم للغرب في بحر الصين وتايوان. وهناك روسيا التي بدأت بالفعل بمهاجمة رأس حربة الغرب في أوروبا وهي أوكرانيا.
أما في الشرق الأوسط فهناك قوى من دول وتنظيمات تنسق في ما بينها وتتحالف مع المتمردين على الهيمنة الغربية، ويقومون في سنين طويلة وأحياناً تحت الضربات المستمرة من خصومهم من اغتيالات وقصف، تقوم هذه الكتل المقاومة بالعمل والتخطيط لتوجيه ضربة قوية لإسرائيل.
ما ظهر في غزة ليس عملية عادية، فالمقاتلون الفلسطينيون لم يواجهوا جيشاً من ورق، بل إنهم اقتحموا ستاراً من المستوطنات المدججة بالسلاح في داخلها وعند تخومها، وقطع هؤلاء المقاتلون مسافات طويلة حتى وصلوا إلى أهدافهم موجهين ضربات مباغتة للإسرائيليين.
طوفان غزة أثبت أن النظرية التي تقول بأن القوى المقاومة تطورت وسوف يأتي الوقت التي توجه فيه الضربات لإسرائيل هي نظرية حقيقية وناجحة، هي نظرية أثبتت أن هناك جبلاً كبيراً وهو آخذ في التعاظم، برز منه رأسه حربته، غزة.
وإلا كيف اخترق المقاتلون الفلسطينيون السياج العازل، السياج الذي استمر العمل فيه أربع سنوات مع مئات الآلاف من أطنان الخرسانة والحديد بمشاركة أكثر من ألف عامل. هذا السياج الذي يمتد تحت الأرض بعمق أكثر من ثلاثين متراً وارتفاع ستة أمتار فوق الأرض وبه أجهزة استشعار دقيقة لأي اختراق من فوق الأرض أو من تحتها أو من عند البحر بمحاذاته، تم اختراقه والعبور خلفه وتنفيذ العملية بنجاح.
أيضاً، عنصر آخر مهم ولافت حدث وهو عمليات التشويش على أجهزة التنصت والرصد الإسرائيلية، والتشويش الذي عزل مقر قيادة العمليات عن الجنود، وعزل وحدات الجنود عن بعضها البعض، فصار الجيش في غلاف مستوطنات غزة وحولها أعمى.
عملية غزة أكبر من أن يتم استيعابها بسهولة هي تحمل أسراراً لا يعرفها إلا القائمون عليها، لكن الصورة التي تتجلى أمام المتابع، ان نظرية إزالة الاحتلال وطرد المحتلين من فلسطين أصبحت أقرب من ذي قبل إلى الواقع، والأمر الآخر هو أن العملية تدل على أن المقاومة للاحتلال الإسرائيلي اختارت ساعة الصفر للانقضاض على الإسرائيليين واستدراجهم إلى حيث يريدون، والبدء في عملية قضم هيبة وقوة وتسلط وسلطة دولة الاحتلال ولو تدريجياً.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي