No Script

فلسفة قلم

«بريكس»... تحالف الغرماء

تصغير
تكبير

بعد تجارب عالمية عدة ثبت لدول العالم أجمع أن التحالفات الاقتصادية وتبادل المنفعة المشتركة أحد أبرز الأدوات المذيبة للخلافات مهما كبرت وتعمّقت، وإلا لما وحّد الاتحاد الأوروبي الدول الأوروبية التي كانت تنهش بعضها بأسوأ حروب شهدتها البشرية مدفوعة بالطمع والعنصرية والكراهية بلا سبب، ولما تبادل اليابانيون والأميركان الأحضان وصاروا وجهين لعملة واحدة، بعد قنبلتي هيروشيما وناكازاكي (أبشع جريمة في تاريخ كوكب الأرض)، وعلى خطى مجموعة السبع (تحالف الدول الاقتصادية الكبرى)، والاتحاد الأوروبي، ولدت فكرة مجموعة بريكس الاقتصادية تحت شعارها الضمني (العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم).

مجموعة بريكس الاقتصادية التي كانت تضم الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا المناوئة لسياسات الغرب أحادية القطب وجهت ضربة نموذجية قبل أيام قليلة بإعلان انضمام 6 دول جديدة لها، وهي السعودية، والإمارات، ومصر، وإيران، والأرجنتين وإثيوبيا، مع الإبقاء على 14 دولة في قائمة الانتظار لم تقبل طلبات انضمامها حتى تطوّر اقتصاداتها، وهذا الإعلان كان بمثابة بداية مواجهة سياسات الدول الغربية المالية والاقتصادية وجاهزية بنك بريكس ليكون على مستوى البنك الدولي وقوته.

انضمام المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى مجموعة «بريكس»، نقطة تحول كبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي وهي الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وإنما يبعث رسالة جديدة وبسيطة مفادها أن دول الخليج العربي ليست مع طرف ضد طرف، وإنما تقف على مسافة واحدة من الجميع منطلقة من مصالحها القومية ورفاهية شعوبها والمساهمة في الحفاظ على سلامة الاقتصاد العالمي والتأكيد على مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهذا كان واضحاً في سياسات منظمة أوبك.

رغم أن كل ما يحدث في العالم في الوقت الراهن من اضطرابات وتحالفات يصب في مصلحة الصين بشكل أكبر، إلا أن هذه القفزة في «بريكس» تشير إلى أن الكل مستفيد أيضاً، ولكن الحديث عن تراجع هيمنة الدولار وترجّل أميركا عن القمة لازال مبكراً جداً رغم أن «بريكس» الصاعدة صارت تضم ما يقارب ثلث حجم الاقتصاد العالمي ونصف سكان الكوكب وثلث مساحة اليابسة، ما يزيد من نفوذها وقدراتها الاقتصادية وقوة بنكها، وأيضاً يجعلها قطباً عالمياً قادراً على مواجهة النظام العالمي القديم.

أكثر ما يلفت الانتباه في إعلان «بريكس» الجديد هو دخول المملكة العربية السعودية وإيران للمجموعة في الوقت ذاته، رغم كل التناقضات والخلافات العميقة بينهما، وقبول عضوية مصر وإثيوبيا معاً في عز أزمة سد النهضة، ولم تقبل عضوية الجزائر بعد تراجع اهتمام غريمتها المغرب في الانضمام، مع وجود الغريمين التاريخيين الهند والصين عضوين ومؤسسين، وكأنها تؤكد ما ذكرناه في بداية المقال، أن الاقتصاد المشترك والمصالح المتبادلة قادرة على إزاحة كل الخلافات بل وإذابتها أحياناً، فماذا سيغيّر الاتحاد الجديد في العالم؟

لننتظر ونرى.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي