هل التعزيزات العسكرية الأميركية موجّهة نحو إيران استعداداً لـ... حرب آتية؟

مدمرات أميركية
مدمرات أميركية
تصغير
تكبير

أرسلت الولايات المتحدة، سفينتين حربيتين برمائيتين، وآلافاً من مشاة البحرية إلى الشرق الأوسط «لتظهر التزامها بضمان حرية الملاحة وردع إيران وتعزيز الأمن الإقليمي وزيادة الوجود والقدرات في ظل التهديد الإيراني المستمر وبالتنسيق مع الشركاء»، كما جاء في بيان البنتاغون.

وفيما سربت وسائل إعلام بريطانية، أن «البحرية الأميركية تتحضر لحرب في الشرق الأوسط ضد إيران»، فإن جميع الدلائل تشير إلى أنه لا يمكن ان تقع أي حرب قريبة تتزامن مع الحرب الكبرى الدائرة في أوكرانيا، بالإضافة إلى التحضيرات المتواصلة لحرب مستقبلية مع الصين.

فما الأسباب الحقيقية وراء التعزيزات العسكرية بعد سنتين من تقليل الولايات المتحدة لوجودها العسكري في الشرق الأوسط عقب الانسحاب من أفغانستان عام 2021؟

تقول القوات الأميركية إن «السبب الرئيسي لإرسال تعزيزات للمدمرات الثلاثة التي تتواجد حالياً في الشرق الأوسط (USS Paul Hamilton وUSS Thomas Hudner وUSS McFall) يعود للنشاط الإيراني العدائي المهدد للملاحة وسلامتها».

وتضيف أن «إيران حاولت الاستيلاء على 20 سفينة منذ عام 2021 واطلقت النار على الناقلة التجارية Richard Voyager في محاولة للاستيلاء عليها قبالة سواحل عُمان، وسيطرتها على ناقلتين في غضون أسبوع».

إلا أن مصادر ديبلوماسية غربية تؤكد أن «النشاط والتقارب العربي - الإيراني يمثل فقط جزءاً بسيطاً من أسباب التعزيزات الأميركية إلى الشرق الأوسط»، مؤكدة ان «السبب الرئيسي هو ملء الفراغ الذي خلّفتْه أميركا بعد انسحابها من أفغانستان والذي ترك انطباعاً بأنها تخلت عن أمن حلفائها في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد فشل أميركا وحلفائها الغربيين بتأمين سلامة مصادر النفط وانشغالها بالحرب على روسيا وما ترتّب عليها من نتائج شعرت فيها واشنطن بأن حلفاءها بدأوا بنسج التحالفات الاقتصادية مع الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى ويوجدون البدائل للتعامل بعملات غير الدولار الأميركي ويحولون المنطقة إلى صفر أزمات، ما ينفي الأسباب التي سيطرت تحت ستارها أميركا على دول في الشرق الأوسط لعقود».

وتضيف المصادر أن «أميركا بدأت بتعزيز وجودها العسكري في سورية والعراق لتوجّه رسالة بأنها تعود بقوة إلى الشرق الأوسط، وهي لا تحتاج للتعزيز بقوات إضافية. كما أرسلت طائرت إف - 16 التي كانت سحبتها من المنطقة واستبدلتها بإي - 10. إذاً فإن الرسالة الأميركية، موجّهة للحلفاء أكثر مما هي للأعداء. ولكن عودة استخدام مصطلح الفزاعة الإيرانية وشيطنة الجمهورية الإسلامية من جديد، أصبح من الماضي وهي حجج لن تتقبلها دول منطقة الشرق الأوسط التي أعادت الحرارة للعلاقات المقطوعة مع طهران، وتتعايش مع الرؤى المختلفة والاولويات المتنوعة لكل دولة».

وتالياً فإن التقارب التجاري - الاقتصادي - المالي بين دول الشرق الأوسط والصين وروسيا ودول آسيا الوسطى وطلب الانضمام لعضوية دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا) يعني الابتعاد أكثر عن التحالف الأميركي المهيمن، وهذا يزعج واشنطن على الرغم من التوازن الذي تحافظ عليه دول المنطقة التي تتمسك بعلاقتها مع واشنطن.

ومن الطبيعي أن تنتفي شهية دول الشرق الأوسط للحروب الأميركية التي اجتاحت المنطقة لعقود في أفغانستان والعراق وسورية وليبيا ولبنان. ولا يخفى على دول الغرب والشرق الأوسط نتائج هذه الحروب التي أتت مدمّرة للمنطقة ولسكانها ولاقتصادها، إذ أُنفقت فيها وعليها مئات الميارات من الدولارات. بل أكثر من ذلك، فهي تسببت بمقتل أكثر من مليون شخص وتركت دولاً منكوبة ولم تُحْدِثْ أيَّ تغيير في أفغانستان ولا سورية وغيّرت الحُكْم في العراق وليبيا وتسببت بعدم استقرار وبزيادة النفوذ الإيراني وتسليح حلفاء طهران بأسلحة فتاكة لم يكونوا يملكونها قبل التغيير الجذري الذي أحدثته أميركا في ديناميكية القوة في الشرق الأوسط.

انه إذاً «حشد عسكري يجسد محاولة أميركية لإعادة دول المنطقة إلى كنفها»، يضيف المصدر، وتالياً «فإن الوجود الأميركي البري والبحري والجوي المضاف لن يغيّر الأمن الحالي لدول الشرق الأوسط الذي أضحى الأكثر استقراراً والذي حوّل بلدان المنطقة إلى أوروبا جديدة أكثر استقراراً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً من أوروبا القديمة. بل تبدو أكثر وكأنها دعوة قسرية للحلفاء للعودة إلى الخط الأميركي دون غيره».

وثمة اقتناعٌ في ما خص الحشد العسكري تجاه إيران، أنه من دون شك لن يثني طهران عن الاستمرار بدورها في مضيق هرمز، وأنها ستستمر بالمعاملة بالمثل عند تعرُّض أي ناقلة نفط إيرانية للاحتجاز من دون ان تخشى عدد القطع البحرية الأميركية الموجودة في المنطقة.

بل إن قوات الحرس الثوري تنظر إليها كأهداف جديدة متعددة في حال اندلاع أي صِدام عسكري، لان إيران أصبحت تملك قوة ردع تستطيع إيلام أي دولة تهاجمها. بالإضافة إلى ذلك، فإن العالم الغربي لا يبحث عن نزاع آخر إضافي في ظل حرب لا أفق لها تدور في أوكرانيا وتستنزف القدرات الغربية العسكرية والاقتصادية.

إنها تعزيزات عسكرية بحرية وجوية وأرضية موجهة لدعم الكبرياء الأميركي الذي يحاول إعادة عجلة الزمن إلى الوراء، من دون ان تدرك واشنطن ان التحالفات الجديدة لا يمكن القضاء عليها وإنهاؤها بمجرد وصول سفينتين حربيتين تنضمان إلى الأسطول السادس الموجود أصلاً وبشكل دائم في الشرق الأوسط.

وتالياً فإن مسار التعددية في العلاقات الدولية وإنهاء الأحادية المتفردة قد وضع على السكة من دون أن يعني ذلك أن أميركا أصبحت ضعيفة أو منبوذة من أكثر دول المنطقة، بل إن هناك قوى أخرى تأخذ مكاناً لها ولا يمكن استبعادها او عزلها بعد اليوم.

انها نتائج الحرب الكبرى الأميركية - الروسية التي لم تتبلور عواقبها الكاملة بعد لأنها تتطور يومياً وبسرعة نحو الأسوأ من دون أن تنجح الولايات المتحدة لغاية اليوم بتحقيق أهدافها، فاتجهت للحفاظ على المكتسبات السابقة علها لا تفقدها تماماً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي