No Script

اتجاهات

زيارة بلينكن لبكين وتصحيح مسار التنافس الإستراتيجي

تصغير
تكبير

قام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بزيارة رسمية لبكين في التاسع عشر من يونيو الماضي، التقى فيها بالرئيس الصيني ونظيره وزير الخارجية الصيني وبعض المسؤولين الكبار في الحزب الشيوعي الحاكم. وتعد زيارة بلينكن أرفع زيارة لمسؤول أميركي لبكين منذ تولى الرئيس جو بايدن المنصب.

وتأتي زيارة بلينكن -التي تعد تاريخية- وسط توتر حاد في العلاقات الأميركية-الصينية، بدءاً من زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسى بيلوسي، لتايوان في أغسطس 2022، ثم اتخذ التوتر منحى متصاعداً خطيراً على خلفية اكتشاف واشنطن لمنطاد التجسس الصيني، وقطع الاتصالات العسكرية، وحظر بيع المنتجات التكنولوجية الأميركية للصين، والتصعيد العسكري لبكين في تايوان، والمناوشات الأخيرة بين الجانبين في بحر الصين الجنوبي.

وتشي تلك التطورات أن مسار العلاقات بين الدولتين يسير في اتجاه التصعيد والعداء الخطير وقد يتطور سريعاً إلى مواجهة عسكرية محدودة أو واسعة. وهذا ما لا يريده بايدن مطلقاً، ونعتقد أن الصين أيضاً لا تريد ذلك.

فمنذ توليه منصبه في البيت الأبيض، أعلن بايدن عن نهج واضح تجاه الصين يقوم على «التنافس الإستراتيجي»، أي الاعتراف بأن الصين المنافس الإستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة، لكن إدارة هذا التنافس في المجالات المختلفة، وإمكانية فتح مجالات للتعاون بين الدولتين في مجالات أخرى، للحيلولة دون انزلاق العلاقات إلى مستوى «الصراع الإستراتيجي الحاد» أو «العداء الإستراتيجي».

وذلك نظراً للعواقب الوخيمة للغاية من هذا العداء المتصاعد على الدولتين والعالم، بالإضافة أن كلتا القوتين تحتاج إلى التعاون المشترك الرشيد للتصدي للكثير من التحديات والمخاطر العالمية التي تواجه العالم كقضية التغير المناخي، وانتشار السلاح النووي، والحرب الأوكرانية.

ويتبدى من جملة التصريحات المشتركة لبلينكن ومسؤولي الصين بما في ذلك الرئيس الصيني، أن الصين قد تفهمت مغزى زيارة بلينكن والرامية إلى إقناع الصين بإدارة التنافس، والعودة إلى تجميد الملفات الخلافية الشائكة العالقة بين الدولتين.

حيث اتفق الجانبان على عودة الاتصال والارتباط، وعودة العلاقات الاقتصادية، واحترام مصالح كل طرف. كذلك، الاتفاق على ترتيبات مشتركة مستمرة بين مسؤولي الدولتين لبحث الخلافات في ملفات عدة خصوصاً الملف الاقتصادي. كما حرص الطرفان على التشديد بأن العلاقات بين الدولتين يجب ألا تنحدر إلى مستوى الحرب الباردة.

لكن ذلك لم يمنع بلينكن من التأكيد على ثوابت واشنطن في شأن الملفات الخلافية، لاسيما ملف تايوان بتأكيده على استمرار تمسك إدارة بايدن بسياسة الدولة الواحدة ذات النظامين، والرفض القاطع لأي محاولات عنيفة رامية لضم تايوان. كما أعرب عن قلق واشنطن لانتهاكات متعلقة بحقوق الإنسان، ورفض تصدير تكنولوجيا متطورة تستخدم لأغراض تضر بالأمن القومي الأميركي.

وتتفق واشنطن وبكين ضمنياً على نهج «المنافسة الإستراتيجية» انطلاقاً من اعتبارات وحسابات إستراتيجية متقاربة لكلا الطرفين. إذ يعتقد كلا الطرفين، لاسيما الصين، أنه النهج الأمثل لتكسير العظام الناعم الطويل الأمد دون صدام عسكري متهور مبكر مدمر. فكلتا الدولتين في حالة شبه توازن للقوة لاسيما العسكرية، ولدى الصين قناعة جازمة بأن القوة الاقتصادية التي تتفوق فيها نسبياً على واشنطن ستمكنها من الهيمنة وكسر إرادة واشنطن على المدى البعيد.

وفي المقابل، تعتمد الولايات المتحدة خصوصاً إدارة بايدن على هذا النهج بأدواته المتنوعة خصوصاً سياسة تحشيد التحالفات بغرض تقويض القوة الاقتصادية والديبلوماسية الواسعة للصين بصورة ناعمة متدرجة دون استفزازها لمواجهة عسكرية.

وعلى هذا الأساس، يبقى الرهان الرئيسي على استمرار هذا النهج هو استمرار تجميد الخلافات بين الدولتين حول الملفات الشائكة وبالأخص ملف تايوان، إلى حين حدوث تطور كبير في فجوة ميزان القوة بين الدولتين ناجم عن الاستغلال الأمثل لحقبة التنافس الإستراتيجي بين الجانبين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي