بريغوجين أَفْلَتَ من العقاب أو تنتظره.. مفاجأة؟

هل ضعف بوتين داخلياً أم حوّل التهديد... انتصاراً؟

فلاديمير بوتين
فلاديمير بوتين
تصغير
تكبير

لا تزال تداعيات تَمَرُّدِ فاغنر على السلطة العسكرية الروسية تضجّ في أروقة الإدارة الأميركية التي يقول مسؤولوها إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «قد خسر شعبيته وقيادته» وإن انتفاضة رئيس فاغنير يفغيني بريغوجين «أظهرتْ عدم تَماسُكِ روسيا داخلياً في الحرب على أوكرانيا»، وهذا ما أطلق العنان لشائعات شتى.

إلا ان النتيجةَ الظاهرةَ للتمرّد العسكري لوكالة فاغنر أدت إلى نفي رئيسها إلى بيلاروسيا ومعه جميع مَن شارك في أحداث 24 الجاري. فماذا ربح بوتين أو خسر؟ وهل من الممكن أن يفلت بريغوجين من العقاب؟

في 24 يونيو أقدم بريغوجين على حركةٍ لم تتضح تسميتها لغاية اليوم لأنها غير إنقلابية على السلطة، إذ لم يطالب بإزاحة الرئيس ولم يهدف لتسلُّم السلطة. بل أراد محاسبة وزير الدفاع سيرغي شويغو وأكبر القادة العسكريين فقط، ما يُعَدّ شبه محاولة تمرد. ولم يحضر معه الـ 52 ألف مقاتل الذين تتألف منهم مجموعة فاغنر، بل واكبه أقلّ من نصفهم بكثير، من دون أن تعلم غالبيتهم إلى أين يتوجهون وما الخطة التي يقوم بها رئيسهم، عدا بعض القادة المقرّبين من بريغوجين.

ومن الطبيعي أن تكون الإستخبارات الروسية (واستخبارات أخرى ترصد الحرب بدقة وما يجري في روسيا) على درايةٍ مُسْبَقَة بخطط رئيس فاغنر لأن المنظمة تضمّ ضباطاً كبار من الجيش والأجهزة الأمنية الروسية من المتقاعدين والذين يحتفظون بعلاقات مع رؤسائهم السابقين وكذلك الضباط الذين عملوا في وحداتهم السابقة. ولذلك، عندما وصل بريغوجين إلى قلب مدينة روستوف، كان في إنتظاره نائب رئيس المخابرات ونائب وزير الدفاع الروسي اللذين إنتقداه على خطوته وهو حضر «على رأس مجموعة من العجزة (المتقاعدين) من دون أمل في تحقيق أي هدف».

ولكن فاغنر كانت قد توصلت إلى تحقيق إنتصار في مدينة باخموت زاد من شعبيتها بين المواطنين الروس، لدرجة أن أي عملية قتْلٍ لزعيم هذه المنظمة كانت ستؤدّي إلى ردِّ فعلٍ شعبي يَخطف الأنظارَ عن الحرب الدائرة في أوكرانيا ويُضْعِف الرئيس بوتين. وهذا ما عوّل عليه بريغوجين معتقداً أنه يستطيع النجو بفعلته.

وكانت القيادة الروسية أدركتْ خطأها بدعم شخصيةٍ مثل بريغوجين الذي أصبح شبه خارج عن سيطرة ضوابط وزارة الدفاع وراح يطلّ على الإعلام حين يريد ويجذب الأضواء ويَجني الإنتصارات وكأن المعركة تدور فقط على محوره دون أي جبهة أخرى وكأنه هو الذي يحمي روسيا ويُرْبِحُها المعركة في اوكرانيا. ولذلك كان لا بد من تقليص دوره وتصحيح الخطأ الذي كان دَفَعَ الكرملين لإعطاء قائد فاغنر الصلاحية لإخراج أي سجين من سجنه وتَسَلُّم محو مليار و 100 مليون دولار في سنة واحدة من وزارة الدفاع الروسية التي تَعاقَدَتْ معه ليشارك في الحرب الأوكرانية.

ولذلك، طُلب من بريغوجين الرجوع إلى الخط الخلفي من ساحة القتال الأوكرانية، وقررت وزارة الدفاع الروسية إنهاء العقد معه في الاول من يوليو المقبل. وهذا ما دَفَعَه للتمرد على القيادة، معتقداً ان هكذا قرار يَخرج فقط من رئيس الأركان أو وزارة الدفاع وأنه لم يَحْظَ بموافقة بوتين، وهذا مكمن خطئه.

ولكن لجوء الرئيس الروسي إلى نظيره البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو كان حركةً ذكيةً بمستوى لاعب شطرنج متفوّق يتربّع على زعامة الكرملين. فبوتين لم يتدخل شخصياً ليتكلم مع بريغوجين ولم يُعْطِه أي أهمية، وأبلغ لوكاشينكو أنه سيدمّر القافلة المتجهة إلى موسكو ويبيدها وسيضطر إلى إخماد التمرد داخل عاصمة روستوف ما سيوقع خسائر بين مقاتلين سبق أن خدموا البلاد على الجبهة الروسية. وتالياً، فقد أعطى الصلاحيةَ للرئيس البيلاروسي لأن يتواصل مع زعيم فاغنر ويستقبله في منفاه الجديد في العاصمة البيلاروسية منسك ومعه جميع مَن شارك في محاولة التمرد مع نزْع تهمة الخيانة عن جميع المشاركين، ومن دون التطرق إلى تهمة قتل ضباط وأفراد روس عمداً.

وهذا ما أعطى الفرصةَ للرئيس بوتين لأن يتجنب قتْل عناصر من فاغنر وكذلك زعيمهم بريغوجين الذي كان يتمتّع بشعبيةٍ كبيرة. وأنْهى دورَ هذه المنظّمة بطريقة سلسة يتقبّلها الشعب الروسي ومن دون إراقة دماء أو معاتبة لتخليه عن مجموعةٍ مُقاتِلة ذات خبرة عالية وسجّلت انتصارات في أرض المعركة.

ولكن هل يفلت بريغوجين من العقاب؟

لم يَعْتَدْ الرئيس بوتين أن يسامح مَن يخونه وقال في مراحل سابقة إنه قد يسامح أي عمل ما دون الخيانة. إلا انه أعطى الأمان لجميع المتمرّدين ولزعيمهم في ما يخص حركة التمرد وإستوعب مَن رفض اللحاق بهم في وزارة الدفاع إذا شاؤوا ذلك ورغبوا بعقودٍ جديدة. إلا ان بريغوجين قتل أكثر من 12 روسياً على متن طائرة روسية وهيلكوبتر أسقطهم أثناء حركته التمردية، وهذا سيُعطي الحق لأهل هؤلاء بتقديم شكوى أمام السلطات القضائية لمحاسبة فاغنر والمسؤولين عن قتل ضباط روس. فبوتين سامَحَ عن حركة التمرد ولم يذكر الإعفاء عن قتْل مواطنين روس. وهذا ما سيُفْقِد بريغوجين الأمان إذا تقدم الأهل بطلب العدالة لأبنائهم الذين قتلتهم فاغنر، وتالياً سيسمح لروسيا بمصادرة أمواله الطائلة (أكثر من ملياري دولار) ومطالبة منسك بإستعادته ليمثل أمام المحكمة.

ويحتاج بوتين لتلقين قائد فاغنر درساً قاسياً كي يقطع الطريق على مَن تُسَوِّل له نفسه التمرّد على الكرملين مستقبلاً. وتالياً فإن حركة التمرّد قد حصلت في توقيت سيء للرئيس الروسي وفي مرحلة تَكاثُر أعداء موسكو وبوتين الذين عرف كيف يحوّل هذا التهديد فرصةً ويقتنصها بنجاح. فأين الفشل والضعف الذي يتكلم عنه أعداؤه؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي